قضايا وآراء

صور متجددة من الربا في حياتنا.. عندما يلتبس الدين مع السياسة!

1300x600
المؤكد أن الربا محظور فى القرآن والسنة، ويعتبر الربا من الكبائر وقد تكفل الفقهاء بتعريف صور الربا. فالربا هو نمو المال، وقد حذر الله سبحانه وتعالى عباده من الربا، فقال: "يربي الله الصدقات ويمحق الربا"، أي إن العقوبة عليه في الدنيا في مال المرابي وفي الآخرة عند الحساب.

وقد ظهرت صور جديدة أحسبها من الصور الحديثة للربا، ومنها أن أسعار السلع ارتفعت بمجرد قرار البنك المركزي بوقف الاستيراد، فقدر التجار أن السلع التي تم استيرادها قبلا بأسعار معينة، وكانت قبل القرار تباع للناس بأسعار معينة تغطي ثمن السلعة وتكلفتها، بالإضافة إلى شريحة للربح. وقد رفضت الحكومة التسعير الجبري بحجة مشبوهة، هي أن الحكومة لا تتدخل في حرية السوق، فصار السوق هو الحر الوحيد في هذه البلاد، وحجبت الحريات الأخرى. 

فما دام قرار رفع أسعار السلع القائمة جشعا من التجار وانتهازا للفرصة، وقد مكنتهم الحكومة من ذلك بإعلان وقف الاستيراد دون التحوط لذلك استباقا لتربص التاجر بالمستهلك، وما دامت المسألة أصبحت استغلالا للظروف دون رادع واضطرار المستهلك إلى شراء السلعة بأي ثمن، فيكون البائع قد أثري بلا سبب، وفق ما يقول القانون الأوروبي.

ولكن هذه الحالة تعتبر صورة جديدة من صور الربا المحظور في الإسلام، ولكن القانون لا يحظره، ولذلك أقترح أن تعلن الحكومة بوضوح أنها ضد رفع أسعار السلع في المخازن، وكانت تعد للبيع بأسعار ما قبل حظر الاستيراد، ثم تسن الحكومة قانونا واضحا بمحاسبة التجار، حمايةً للمستهلك ودفعا لضرر اجتماعي واقتصادي أكبر، خاصة أنه مع أزمة توفير الدولار بسبب الإدارة وأخطائها، سوف ترتفع السلع أضعافا بل وتستبق الحكومة وإعلامها ذلك، فتعلن عن أن القادم أسوأ، وهذا يعتبر تخليا منها ولا نقول تواطؤا مع التجار، وتخليا عن مسؤولياتها في حماية المستهلك من البائع الذي توحش بلا داع قانوني أو ديني، وإنما يفسرونه بأنه رزق حلال.

ولذلك؛ أطالب الحكومة بسن قانون يجرم رفع الأسعار استنادا إلى فتوى من دار الإفتاء، فإن رفع أسعار السلع اعتباطا واستغلالا، يعتبر من صور الربا، وتكون الفتوى أساسا للتشريع المنتظر حتى لا تتهم الحكومة بالتقصير القانوني وبالتواطؤ الأخلاقي على جلد المواطن، وانتهاك الدستور الذي ألزمها بذلك مقابل أداء المواطن للضرائب الباهظة، التي تبالغ فيها الحكومة وتنضم الحكومة إلى التجار في خنق المواطن والزراية بالدين.

وبالطبع، فإن دار الإفتاء مؤسسة سياسية تطوع الدين لخدمة السلطة، وأشد ما يحزنني أنها تفرغت لهذه المهمة ولا تدرى أن علاقات مصر الخارجية في مد وجزر، ولا أظن أنها ملزمة باتخاذ موقف يكفر الحاكم المسلم الذي يختلف مع مصر، هكذا فعلت مع تركيا وقطر حين كانت أزمة العلاقات المصرية معها قائمة، وقد انتصرت لهذا الموقف الذي يخرج الدار عن وظيفتها.

أقول: إذا كانت الحكومة لا سلطان لها على التجار، فهي حكومة فاشلة وأولى بالبرلمان بمجلسيه الذي تلتهم مخصصاته معظم الميزانية المتعثرة بسبب الديون وخدمتها وإنفاق الحكومة الباذخ. أقول: 
إن الحكومة إذا كان لديها فعلا نية حازمة للقيام بدورها لتوخي مخاطر اجتماعية أكبر، فلتلجم التجار بالقانون وتوعز لدار الإفتاء بإصدار هذه الفتوى، وأنا واثق أن ممارسات التجار صورة من صور الربا الفاحش، والمنكر الذي لا يسكت عنه إلا شيطان بائس.