خلص
مقال لباحث أمريكي من مؤسسة "راند" إلى أن الغرب خسر أفغانستان منذ زمن طويل،
فالهزيمة كانت محتومة والأخطاء الأولى جعلت من النجاح أمرا بعيد المنال.
وقال
الباحث جيس دوبنز في المقال الذي نشرته مجلة "
فورين أفيرز" إن هزيمة الولايات
المتحدة لم تكن قدرا مكتوبا إلا أن الولايات المتحدة هي التي عرقلت جهود تحقيق الاستقرار
وفي البداية.
ويضيف أنه
من الناحية التاريخية فقد شنت الولايات المتحدة حملات عسكرية بهدف وقف أمر مثل العدوان
العسكري أو منع انتشار الأسلحة النووية، وفي حالة أفغانستان 2001 وقف العمليات الإرهابية.
وعندما كان يتم تحقيق الأهداف، كما في أفغانستان وبعد إزالة تهديد القاعدة، كانت قوات
التدخل العسكري تجد نفسها على منعطف طريق.
ومن
أجل منع حدوث أحداث جديدة، فإن عليها الاختيار بين الاحتلال الدائم والاحتلال المتكرر
والالتزام ببناء نظام قوي وجديد، وترك مجتمع يعيش بسلام مع نفسه وجيرانه. واختارت
إدارة جورج دبليو بوش التي لم تكن مستعدة لحكم أفغانستان وواجهت صعود القاعدة من جديد،
الخيار الثالث، لكنها فشلت في فهم الأبعاد الكاملة للتحدي الذي فرضته على نفسها.
ويقول
دوبنز إن أشد ناقدي عمليات تحقيق الاستقرار ما بعد النزاع ومهام إعادة الإعمار عادة
ما يركزون على أمثلة الفشل السابقة مثل فيتنام والعراق بدون التطرق لقصص النجاح في
كوريا الجنوبية واليابان وألمانيا، وفي الفترة الأخيرة في البوسنة وكوسوفو، حيث نجحت
الولايات المتحدة وحلف الناتو بإنهاء أول النزاعات المسلحة في أوروبا منذ عام
1945.
ويرى
دوبنز أن درسا مهما سيخرج من النظر إلى هذه النجاحات القريبة للتدخل الأمريكي إلى جانب
في فشلها في أفغانستان. فمعظم القرارات الحيوية التي تتخذ إلى جانب التخطيط تتم في
المراحل الأولى، وإذا كانت هذه معيبة فستقضي على أي فرص للنجاح، مهما خصصت واشنطن من
مصادر وما تنفقه من وقت. ولم تكن مهمة الولايات المتحدة في أفغانستان محكوما عليها بالفشل
لكن البذور التي قادت لفشلها زرعت في بداية 2002.
ويقول
إن التدخل في أفغانستان في مرحلة ما بعد 9/11 اكتسب أهمية ضخمة لدى إدارة بوش التي
كانت مصرة على منع هجوم كارثي جديد على التراب الأمريكي. لكن الإدارة لم تكن لديها
رغبة بحماية أفغانستان وللأبد، ولهذا اختارت المساعدة على بناء نظام جديد يخلف نظام
طالبان، يستطيع يوما ما، حكم البلد معتمدا على نفسه. وكذا التأكد من عدم تحول أفغانستان
مرة أخرى إلى ملجأ آمن للإرهابيين. وكان غزو أفغانستان والإطاحة بطالبان سريعا وتم بطريقة
سلسلة وانتصارا لم يكلف الكثير من المال والأرواح. وفي ضوء هذا النجاح السريع اعتقدت
إدارة بوش أن عملية بناء الدولة ستكون سهلة بنفس القدر.
وكان
الفشل الأول لإدارة بوش هو عدم تقديرها للمعوقات الجغرافية أمام جهود إعادة إعمار البلد..
فأفغانستان تقع على الجانب الآخر من العالم وليس لها منفذ على البحر ويحيط بها جيران
أقوياء ودول مفترسة مثل إيران وباكستان وروسيا. والطريق الوحيد لنقل أمريكا ما تريده
إلى أفغانستان أو إخراجه منها هو عبر باكستان، الدولة التي لا تشترك مع الأهداف الأمريكية
بل وتعمل بشكل مستمر على تخريبها.
وأكثر
من هذا فإن عدد سكان أفغانستان كان أكبر من أي بلد حاولت فيه أمريكا التدخل العسكري، ففي
وقت التدخل عام 2001 كان عدد سكان أفغانستان يفوق بنسبة الضعفين عدد سكان جنوب
فيتنام. ومن الناحية المنطقية فإن نسبة عدد القوات إلى السكان محدد مهم لنجاح عملية إعادة
الاستقرار. وقبل عامين من غزو أفغانستان، نشرت الولايات المتحدة وحلفاءها في الناتو
50,000 جندي لفرض الاستقرار في كوسوفو وهو بلد لا يتجاوز تعداد سكانه الـ1.9 مليون
نسمة. وكان عدد سكان أفغانستان وقت الغزو هو 21.6 مليون نسمة، وبنهاية عام 2003 كان
عدد القوات الأمريكية هناك هو 8,000 في بلد يفوق عدد سكانه عشرة أضعاف عدد سكان
كوسوفو، وليس فيه جيش أو شرطة.
ولم
يكن هناك عدد كاف من القوات الأمريكية لتأمين بلد سيطرت عليه الولايات المتحدة. وواحد
من الأسباب لنشر هذا العدد القليل من الجنود هو أن إدارة بوش لم تكن تنوي القيام بمهمة
حفظ سلام أو تحمل مسؤوليات الأمن العام بل وملاحقة بقايا تنظيم القاعدة على حساب الأمن
الأساسي المطلوب لبناء دولة فاعلة.
وتجاهلت
إدارة بوش تخصيص القدرات المالية اللازمة لجهود تحقيق الاستقرار الأفغانية. وفي البوسنة
قدمت الولايات المتحدة والدول المانحة الدعم الاقتصادي الذي وصل إلى 1,600 دولار لكل مواطن
في العام وطوال السنوات التي تبعت نهاية الحرب. أما المبلغ المقابل لكل أفغاني فهو
50 دولارا، وهو مبلغ لا يقارن بما حصل عليه البوسني.
وارتكبت إدارة بوش عددا من الأخطاء التي حدت من إمكانية
نجاح مهمة تحقيق الاستقرار، فلم تقم بجهود جوهرية لبناء جيش وطني أو قوة شرطة بشكل
ترك الأمن في يد أمراء حرب مفترسين وحد من قدرة مواجهة طالبان العائدة من جديد.
ولم
تكن هناك جهود دولية لإعادة الإعمار، وأكثر من هذا تبين أن باكستان التي سحبت دعمها
لحكومة طالبان لم تتخل عن الحركة حيث إنها منحت قادتها الملجأ الآمن لكي تعيد ترتيب نفسها
وتتدرب وتتزود للبدء بحركة تمرد جديدة داخل أفغانستان.
وبناء
على هذه الأخطاء فقد تلاشى منظور النجاح في أفغانستان وبشكل كبير مع بداية عام
2003. ثم قامت إدارة بوش بغزو العراق، البلد الكبير كأفغانستان ويعاني من توترات ونزاعات
داخلية وتحيط به دول معادية.
وكما
فعلت في أفغانستان فقد قللت من حجم مهمة تحقيق الاستقرار في مرحلة ما بعد نهاية النزاع.
ولم تمض أيام على الغزو إلا وبدأت حركة تمرد عنيفة، وأصبحت القوات الأمريكية تحت ضغوط
حادة مع ظهور طالبان كتهديد خطير في أفغانستان. وظل هذا هو الحال طوال فترة بوش ما
عرقل جهود الولايات المتحدة لتحقيق الاستقرار في أفغانستان وسمح لطالبان بإيجاد موطئ
قدم لها هناك.
ولم
يكن الفشل بالحد من صعود طالبان وبناء مؤسسات قوية في أفغانستان محتوما. فلو خصصت الولايات
المتحدة المصادر المطلوبة لتحقيق الاستقرار وإعمار البلد، لكانت لديها فرصة لترك أفغانستان
وفيه دولة فاعلة. إلا أن أخطاء الولايات المتحدة التي لم تكن مفروضة عليها في البداية
تركتها بين خيار إما الخسارة أو عدم الخسارة، وليس الانتصار أو الهزيمة. ولهذا واجهت
أمريكا خيار البقاء في أفغانستان بكلفة بسيطة ومنعت طالبان من الظهور معتمدة على حليف
قوي في مكافحة الإرهاب وهو الحكومة الأفغانية وحفظت المكاسب التي تم تحقيقها أو اعترفت
بفشلها في بناء الدولة ومستقبل دائم للأفغان.
وتصارع
الرؤساء الأمريكيون مع المعضلة التي تركها لهم بوش، فقد تحدث باراك أوباما ودونالد
ترامب عن الخروج لكنهما قررا البقاء وعدم مواجهة الخسارة، أما بايدن فقد قرر قطع الحبل
السري والاعتراف بالهزيمة.