قضايا وآراء

هل الصندوق كاف لحكم مصر؟

1300x600

صحفي مصري بالمنفى

عانت مصر منذ بداية التاريخ الحديث والمعاصر من عدم استقلالية الشعب في اتخاذ قراره، إلا مرة واحدة قبل أن يتم الانقلاب عليها، وهي المرة التي اختار فيها العلماء محمد علي ليتولى حكم مصر والعمل على نشر العدل، إلا أن محمد علي تنكر لهذا التفويض الشعبي وأسس لحكم ديكتاتوري عائلي ظل قابعا على رأس السلطة حتى ثورة 23 تموز/ يوليو 1952م، والتي جاءت بحكم ديكتاتوري آخر في ثوب جديد، وحُكمت مصر بثلاثة عشرة ملكا عسكريا مثلوا مجلس قيادة الثورة بدل من ملك واحد ورث الحكم عن آبائه وأجداده.

ظل حكم مصر في ثوب العسكرية حتى انتفض جيل تنمرد على العسكرية فأزاح هذا الحكم في لحظة غضب أثناء ثورة 25 يناير، إلا أنها سرعان ما هدأت وبدأت تعلو الأصوات بالاحتكام إلى الصندوق للعمل على استقرار وتقدم البلاد.

كانت جماعة الإخوان المسلمين أكثر المتحمسين للاحتكام للصندوق لإدراكهم – وعلى مدار سنوات – أن شعبيتهم تؤهلهم لبلوغ السلطة بإرادة شعبية والتي ركنوا إليها حيث تخيلوا أنها إرادة ستحافظ على نفسها ورؤيتها وفروضها على أرض الواقع، لكن الحقيقة أنها كانت أضعف الإرادات والتي لا تملك حولا ولا قوة في تلك الأيام التي تبعت الموجة الثورية قبل أن تفتر ويبدأ الصراع بين الأيديولوجيات المتصدرة للمشهد العام في تلك الأوقات.

كان واضحا أن الدولة العميقة والمتمرسة في الشأن السياسي والمطلعة على خفايا الأمور والنافذة قرارها في مؤسسات الدولة هي أكثر اتساقا مع الواقع، بل أكثر جاهزية للتغيرات التي حدثت أثناء احتشاد الشعب في الشارع، حيث بدأت في الاستعداد لاحتواء جميع الأيديولوجيات المتصارعة ودراسة نقاط القوة والضعف فيهم، وحسن استغلال الفرص في ضم البعض لهم وإشغال البعض الأخر بأمور تافهة حتى يستطيعوا أن يستفرغوا قوتهم فيها بعيد عن التفكير العميق في إدارة المشهد العام.

سقط الجميع في وحل الصراعات، إلا الدولة العميقة التي أدارت المشهد باقتدار فاستخدمت العصا والجزرة مع الشباب الثائر في محمد محمود ومجلس الوزراء وأحداث العباسية، وعمدت إلى تقسيمهم حسب أيديولجيتهم الفكرية حتى لا يتضامنوا مع بعضهم البعض، وفعلا علت نبرة التخوين بين الجميع.

في نفس الوقت ألهت الداعين إلى الاحتكام إلى الصندوق وشغلتهم بما دعوا، وأخذت تستعد للإجهاز عليه وقت الحاجة في غفلة الجميع. وبالفعل عاشت البلاد زهوة الاحتكام للصندوق وفرح الشعب بالنموذج الديمقراطي التي لم تعشه البلاد من قبل، فخرج الملايين معتقدين بأنهم فعلا في عرس ديمقراطي حقيقي، وأن كلمة الشعب هي الكلمة العليا، وفرحت الأحزاب والجماعات الإسلامية بهذا العرس الذي حملها على أعناق الشعب والديمقراطية إلى مؤسسات الدولة التشريعية، ومن ثم الاستحواذ على السلطة التنفيذية مما طمعها في شعبيتها، وأن الصندوق معها فسارعت بالإعلان عن الترشح في انتخابات رأس السلطة التنفيذية - رئاسة الجمهورية - بعد قراءة خاطئة للمشهد العام ودون سابق معرفة بأسس الحكم وخفاياه التي اكتنفت جوانب جميع المؤسسات ودون علم ودراية بحجم الفساد المتغلغل في جنبات الدولة.

وظنوا أنهم بشعبيتهم وخبرتهم المتمرسة في العمل الخدمي والنقابي أن لهم القدرة على التعامل في السلطة التنفيذية من وزارات ورئاسة الدولة والعلاقات الخارجية والداخلية، والتعامل مع قضايا المؤسسة العسكرية والقضائية والأمنية وغيرها. لكن يبدو أن ذلك كان حلما مضلا عاش فيه الجميع - إلا الدولة العميقة المتمرسة - حتى ضغط على البطون الجوع فخرجت الجموع ظنا منها أن لها الكلمة العليا مطالبة بالتغيير، وانقسمت البلاد، وتبخرت الأحلام، وتبدد الآمال، وجاءت الدولة العميقة بأقسى مما كانت عليه.

وخرج الجميع في مصر بدرس شديد المرارة مفاده أن "الدولة العميقة" لن تسمح لهم باستخدام السلطة الحقيقية، حتى إذا حصلوا على تفويض ديمقراطي من الشعب.

فالفوز في الانتخابات ليس كافيا لحكم مصر، إذ يحتاج حكام مصر إلى قبول المؤسسة الأمنية لهم والمواطنين بصفة عامة.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع