قضايا وآراء

نظرة على قرار البرلمان الأوروبي بشأن تدهور وضع حقوق الإنسان في مصر

1300x600
"وماذا بعد؟"، سؤال مشروع بعد صدور قرار ضد مصر، مساء 18 كانون الأول/ ديسمبر 2020، ينتقد وينزعج للحالة المتدهورة لحقوق الإنسان في مصر، والتي تدخل عامها الثامن، خاصة وأن هذا القرار ليس الأول ويبدو لي أنه لن يكون الأخير.

فعلى مدار السنوات السابقة أصدر البرلمان الأوروبي قرارتٍ عدة وفي مناسباتٍ متفرقة، حول أوضاع حقوق الإنسان في مصر، حيث صدرت القرارات التالية:

1. بتاريخ 17 تموز/ يوليو 2014 قرار بشأن حرية التعبير والتجمع في مصر.

2. بتاريخ 15 كانون الثاني/ يناير 2015 بشأن الوضع في مصر.

3. بتاريخ 10 آذار/ مارس 2016 بشأن قضية جوليو ريجيني.

4. بتاريخ 8 شباط/ فبراير 2018 بشأن الإعدامات في مصر.

5. بتاريخ 13 كانون الأول/ ديسمبر 2018 بشأن وضع المدافعين عن حقوق الإنسان.

6. بتاريخ 24 تشرين الأول/ أكتوبر 2019 بشأن اعتقالات أيلول/ سبتمبر والمدافعين عن حقوق الإنسان.

7. بتاريخ 18 كانون الأول/ ديسمبر 2020 بشأن تدهور حالة حقوق الإنسان.

احتوت جُل القرارات على توصيات متنوعة حسب كل مناسبة وحدث، لكنها توحدت على ضرورة تغيير الأوضاع الحقوقية المزرية والمتردية في مصر.. سبع قرارتٍ في سبع سنوات عجاف مرت على مصر من دون أي أثرٍ لتلك التوصيات أو القرارات، فامتلأت السجون المصرية أكثر، واكتظت، ومات داخلها المئات من ضحايا الإهمال الطبي الجسيم المتعمد، واعتقلت النساء والمدافعات عن حقوق الإنسان، وتم إعدام 80 شخصاً فقدوا حياتهم جراء محاكماتٍ غير عادلة، ومن قضاء غير مختص وغير مستقل، فيما ينتظر 68 شخصاً تنفيذ أحكام الإعدام في قضايا ذات طابعٍ سياسي.

وازدادت الهجمة على نشطاء حقوق الإنسان والمحامين، فضلاً عن تردي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في ظل استمرار اتفاقية الشراكة الأوروبية مع مصر، واستمرار تصدير السلاح من دولٍ أوروبية أعضاء في الاتحاد الأوروبي (خرقت قرار الحظر المفروض من قِبل الاتحاد الأوروبي في 21 آب/ أغسطس 2013، والذي تجدد في شباط/ فبراير 2014 في ما يخص حظر تصدير الأسلحة المستخدمة في القمع إلى مصر).

على الرغم مما سبق إلا أن القرار الجديد كانت عباراته وموضوعاته مختلفة، ولمست في ما تناوله القرار جهود المنظمات الحقوقية غير الحكومية المختلفة، سواء العاملة من داخل مصر أو من خارجها. فقد حققت نجاحاً في توصيل ما تم رصده وتوثيقه من انتهاكاتٍ حقوقية في مصر، فقد استند القرار إلى معلومات تلك المنظمات الحقوقية.

مفاجأة قرار البرلمان الأوروبي الصادر حديثاً "عبارة الانقلاب العسكري". تفاجأت في القرار الصادر من البرلمان الأوروبي استخدامه لعبارةٍ من المفترض أن يكون لها ما بعدها لقوة كلماتها، واستدعائه وصف "الانقلاب العسكري" لما حدث في تموز/ يوليو 2013، حيث ذُكر فيه أن السلطات المصرية وضعت منذ الانقلاب العسكري (Military coup) في 2013 حوالي 3000 شخص على قوائم الإرهاب، وحكمت على 3000 شخص بالإعدام، ووضعت 60 ألف شخص رهن الاحتجاز وفقا لهيومن رايتس ووتش.

لم يسبق للبرلمان الأوروبي استعماله لعبارة الانقلاب العسكري في قراراته من قبل، إلا عند صدور قرار بشأن مصر في كانون الثاني/ يناير 2015، حيث استخدم عبارة أخرى مغايرة تؤدي نفس المعنى لكن لم يصفه بالانقلاب العسكري، حيث قال حينها في الفقرة C من القرار: "منذ استيلاء الجيش على السلطة في حزيران/ يونيو 2013، شنت الحكومة المصرية حملة واسعة النطاق من الاعتقال التعسفي" (since the military takeover of June 2013 the Egyptian Government).

فهل يريد الساسة الأوروبيون إرسال رسالة صريحة للجنرال السيسي تذكره بارتكابه جريمة معاقب عليها بنص المادة 86 مكرر، 87 من قانون العقوبات المصري، في ما يخص تعطيل العمل بالدستور، وقلب نظام الحكم، أو ربما تكون وسيلة ضغط أوروبية لتحسين الأوضاع أو استبدالها، أو أن يكون لهم في هذه التذكرة مآرب أخرى؟

ومن حسنات القرار أيضاً، إقراره للحالة الواقعية المأساوية، المتمثلة في الاعتداء على الحق في الحياة، وإصدار أحكام الإعدام، وتنفيذها بالمخالفة للقانون: "المحاكمات الجماعية لا تزال مستمرة على الرغم من الإدانة الدولية الواسعة النطاق التي تفيد بأنها ببساطة غير مؤهلة للوفاء بالمتطلبات الأساسية للقانون الدولي، في ما يتعلق بمراعاة الأصول القانونية والحق في المحاكمات العادلة؛ بينما يحاكم عدد أكبر من المدنيين أمام المحاكم العسكرية أكثر من أي وقت مضى".

واستنكر القرار زيادة الإعدامات في مصر ورفض استخدام عقوبة الإعدام بأسرها، وطالب السلطات المصرية بوقف تنفيذ عقوبة الإعدام بهدف إلغائها.

كما بدا لي أن للقرار دافع آخر جلي وواضح، وهو قضية قتل الإيطالي چوليو ريجيني، التي كلما ظننا أنها ماتت حقيقتها ودفنت مع ضحيتها، تُحييها الدولة الإيطالية وتعيدها لسيرتها الأولى من جديد، لكنها عادت بشكلٍ مختلف، حمل معه معلوماتٍ كانت خافية، حيث جاء في القرار: "في 10 كانون الأول/ ديسمبر 2020، وبعد تحقيق قضائي دام أربع سنوات، أعلن المدعون الإيطاليون في روما أن لديهم أدلة قاطعة على تورط أربعة من ضباط أمن الدولة المصريين (طارق صابر، وآسر كامل محمد إبراهيم، وحسام حلمي، ومجدي إبراهيم عبد الشريف) بشأن اختطاف الباحث الإيطالي جوليو ريجيني و إصابته الخطيرة ومن ثم قتله".

وقد طالب البرلمان الأوروبي بتحسين أوضاع السجناء، والسماح للمنظمات الحقوقية بمراقبة مقرات الاحتجاز، خاصةً سجن طرة شديد الحراسة (العقرب)، أسوأ السجون المصرية على الإطلاق. واستنكر الاعتقال التعسفي الذي تقوم به السلطات المصرية، وطالب بالإفراج عن السجناء والمدافعين عن حقوق الإنسان.

تُرى هل يفعلها الاتحاد الأوروبي وينتصر للإنسانية، والحقوق والحريات؟ وهل سنكون على موعدٍ مع قراراتٍ جادة تغيب عنها شمس المصالح السياسية والاقتصادية، وتكون الغلبة لتطبيق العدالة؟ فهذا ما نرجوه أن يكون واقعاً ملموسا.

فقد دعا القرار الاتحاد الأوروبي لـ"إجراء مراجعة عميقة وشاملة لعلاقاته مع مصر، ويأخذ في الاعتبار أن وضع حقوق الإنسان في مصر يتطلب مراجعة".

كما رحب البرلمان باعتماد نظام عقوبات عالمي لحقوق الإنسان/ قانون ماغنيتسكي الأوروبي، وهو القانون الذي يسمح باتخاذ تدابير ضد المصريين رفيعي المستوى المسؤولين عن أخطر الانتهاكات في البلاد.

قرار أوروبي كلماته وعباراته انتصرت لحقوق الإنسان الضائعة في مصر حتى الأن على الورق وفقط - سواء هذا القرار أو ما سبقه من قرارات - مع الإقرار بأن القرار الحديث مختلف في لهجته وقوة طلباته، وكثرة حيثياته، إلا أنه يتعين على الدول وصناع القرار اتخاذ موقفٍ إيجابي هذه المرة، وألا يفسحوا المجال أكثر للسلطات المصرية للاستمرار في مزيد من القمع والقتل والتعذيب، والاعتداء على الحقوق والحريات، كما أرجو ألا يكون هذا القرار يتبعه قرار، فلا يكون لمصر والمصريين من بعده استقرار.