قضايا وآراء

عقوبات أوروبا ضد نظام السيسي وجديّتها

1300x600

لم تفلح صفقات نظام السيسي المليارية مع العديد من الدول الأوروبية في تجنيبه التوصيات المؤلمة للبرلمان الأوروبي، ولم تفلح خطبة وزير خارجية الاتحاد العصماء في تخفيف غضب النواب الأوروبيين وتخفيف حدة توصياتهم.. ذهب كل ذلك أدراج الرياح، فصدرت التوصيات بصيغة حادة، ومثلت صدمة كبيرة لنظام السيسي، فهاجت أذرعه الإعلامية وماجت، وكذا فعل نواب برلمانه الذين وجهوا رسالة ساذجة للبرلمان الأوروبي ردا على توصياته، واعتبارها مسيسة!!

تضمن قرار البرلمان الأوروبي الذي أقر بأغلبية كاسحة لامست الإجماع (434 صوتا مقابل 49 صوتا) 19 توصية، ‏أخطرها إنشاء آلية دولية وتدابير أوروبية لمحاسبة المتورطين في انتهاكات حقوق الانسان في مصر، وإجراء تحقيق أممي في الجرائم المرتكبة، وتقديم قائمة تضم 25 معتقلا سياسيا مصريا للسلطات المصرية ومطالبتها بالإفراج عنها، والتوصية بمراجعة شاملة لعلاقات الاتحاد الأوروبي مع مصر، بما يتطلب إدراج وضع حقوق الإنسان في البلد ضمن مراجعة جادة لعمليات دعم الميزانية من قبل المفوضية الأوروبية، إضافة لمطالبة السلطات المصرية بتسليم قتلة ريجيني والتحقيق في مقتل المدرس الفرنسي إريك لانغ في محبسه في مصر.

لم ينتفض البرلمان الأوروبي إلا بعد أن طالت جرائم النظام المصري مواطنين أوروبيين ساقهم حظهم العاثر إلى القاهرة تحت حكم السيسي، وقتلتهم أجهزة الأمن كما لو كانوا مصريين!!

لم ينتفض البرلمان الأوروبي إلا بعد أن طالت جرائم النظام المصري مواطنين أوروبيين ساقهم حظهم العاثر إلى القاهرة تحت حكم السيسي، وقتلتهم أجهزة الأمن كما لو كانوا مصريين!! ومنهم الباحث الإيطالي جوليو ريجيني والمدرس الفرنسي إريك لانغ. لقد وصلت البرلمان الأوروبي مناشدات عديدة من قبل المنظمات الحقوقية المصرية وذوي الضحايا، ولكنه اكتفى بإصدار بيانات عديمة الجدوى، أو تجاهل تلك المناشدات، إلا أنه أظهر حدة غير معهودة في قراره الأخير رغم مناشدة وزير خارجية الاتحاد للنواب؛ حتى لا يؤثر القرار على علاقات أوروبا بمصر، وعلى صفقات كبرى بعشرات المليارات بين الطرفين هدفها الرئيسي هو توفير الدعم والغطاء السياسي للنظام المصري والتستر على جرائمه وانتهاكاته لحقوق المصريين.

ولم يكتف النواب الأوروبيون بما أصدروه من توصيات، بل عمد بعضهم للتغريد باللغة العربية لإيصال رسالتهم بشكل واضح للنظام المصري، وكذا لأسر المعتقلين والمعذبين في مصر، وأكدوا في تلك التغريدات أن "الشعب المصري تعرض لقمع غير مسبوق في البلاد منذ وصول عبد الفتاح السيسي إلى السلطة"، وأن "الكفاح ضد الإرهاب لا يعني سجن الصحفيين، والمحامين، والمثقفين والحقوقيين".

لا يمكن الركون إلى موقف البرلمان الأوروبي لأنه قد لا يصمد أمام مواقف الحكومات الأوروبية الداعمة للسيسي، كما أنه قابل للتغيير مع أي تسوية في قضية ريجيني، ولكن من الواضح أن تلك القضية تعقدت لدرجة يصعب معها التسويات، فالنيابة الإيطالية حددت المتهمين وطالبت مصر بتسليمهم لمحاكمتهم في روما، ونظام السيسي يرفض ذلك تماما ويعتبره مسا بهيبته، ومدخلا لاتهام شخصيات كبرى قد تكون نجل السيسي أو رئيس مخابراته، أو ربما السيسي نفسه. وهو مستعد لتقديم المزيد من الرشى لإيطاليا في شكل صفقات تجارية، لكن تصاعد سخونة القضية على المستوى الشعبي والإعلامي والبرلماني في إيطاليا يعرقل ذلك، وقد حاول نظام السيسي استخدام طريقة أخرى للضغط على إيطاليا ودفعها لقبول التسوية، وذلك عبر مطالبته بتسلم دبلوماسي فرنسي اتهم في قضية تهريب آثار عام 2016 وحكم عليه القضاء المصري بالحبس 15 عاما، ولكن تبدو النكاية وعدم الجدية واضحة في هذا المطلب، حيث مرت أربع سنوات دون أن يهتم النظام المصري بالقضية، على عكس إيطاليا التي أثارت قضية ريجيني منذ اختفائه ثم ظهور جثته.

لا يمكن الركون إلى موقف البرلمان الأوروبي لأنه قد لا يصمد أمام مواقف الحكومات الأوروبية الداعمة للسيسي، كما أنه قابل للتغيير مع أي تسوية في قضية ريجيني، ولكن من الواضح أن تلك القضية تعقدت لدرجة يصعب معها التسويات

من الممكن أن يتطور الموقف حال إصرار البرلمان الأوروبي على تنفيذ قراره وتوصياته التسع عشرة، وفي هذه الحالة قد نرى خطوات عملية ضد مسؤولين مصريين متهمين بانتهاك حقوق الانسان، وقد نرى قرارات أوروبية بوقف بعض المساعدات للنظام المصري ومنها بعض الأسلحة التي تستخدم ضد المصريين، وقد نرى عقوبات أوروبية تدفع السيسي للانصياع للمطالب الأوروبية بالإفراج عن دفعات من السجناء؛ بدءا بالقائمة المقدمة حاليا من البرلمان الأوروبي والتي ضمت 25 معتقلا من المدافعين عن حقوق الإنسان، وستتوقف النغمة التي أعلنها الرئيس الفرنسي ماكرون أن العلاقات الاقتصادية لن ترتهن بملف حقوق الإنسان، أو أن هذا الملف شأن داخلي كما يردد النظام المصري.

ما يمكن أن يمنح القرار الأوروبي ديناميكية جديدة هو تواصل الضغوط من قبل الشعب المصري ضد نظام السيسي، ورفض مظالمه وانتهاكاته، وكذا توحد المعارضة المصرية، وتواصلها مع البرلمان الأوروبي ومع مجلس الاتحاد أيضا لفضح المزيد من انتهاكات النظام، وتقديم صورة كاملة موثقة عن المعتقلين الذين يلامسون الستين ألفا، بينهم شخصيات سياسية وبرلمانية كبرى لم تشملها قائمة البرلمان الأوروبي، مثل رئيس البرلمان المصري السابق سعد الكتاتني، وعدد كبير من النواب، ورئيس ديوان رئيس الجمهورية محمد رفاعة الطهطاوي، ورئيس جهاز المحاسبات هشام جنينة، وصحفيون ومحامون وأساتذة جامعات ونساء وحتى أطفال.. الخ.

قرار البرلمان الأوروبي سيفتح الباب لمزيد من الضغوط ضد نظام السيسي الذي لا يزال يواصل انتهاكاته، وكان أحدثها اعتقال الكاتب الصحفي المعارض عامر عبد المنعم (58 عاما)، وقبلها وضع عدد من الإعلاميين في قوائم الإرهاب ومصادرة ممتلكاتهم، وتقديم تعديل تشريعي يمنع التصوير في المحاكم ويعاقب المخالف بالسجن والغرامة. ومع دخول الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن لمكتبه الرئاسي في 20 كانون الثاني/ يناير المقبل، فإن من المتوقع حدوث ضغوط أمريكية موازية للأوروبية.

twitter.com/kotbelaraby