قضايا وآراء

الجيش الأبيض والأسلحة الفاسدة في مواجهة كورونا بمصر

1300x600

"جميع الأطباء من مدرسين مساعدين ونواب (أطباء مقيمين) في وحدة الصدر بكلية الطب من جامعة عين شمس، أصيبوا بفيروس كورونا"، جملة صادمة كاشفة، قالها دكتور عوض تاج الدين مستشار الصحة الوقائية برئاسة الجمهورية في مصر، وجاءت بالتزامن مع إعلان نقابة الأطباء عن تزايد أعداد ضحايا فيروس كورونا المستجد من الأطباء، ووجود آلاف من المصابين بين الأطباء وجميع أعضاء الأطقم الطبية.

وإصابة جميع الأطباء بذلك القسم الجامعي المتخصص، يعني أن السبب أحد ثلاثة احتمالات، تشمل انعدام الخبرة وقلة التدريب، أو نقص التجهيزات والمستلزمات، أو توفير احتياجات لمنع العدوى ولكنها من نوعيات فاسدة وغير مطابقة للمواصفات القياسية والمعتمدة عالميا.

الاحتمال الأول هو انعدام الخبرة وقلة التدريب على طرق منع انتشار العدوى لفيروس سريع العدوى مثل كورونا المستجد، الذي يخرج مع السعال والعطس من المصاب لينتشر الرذاذ في الهواء ويتساقط على الأسطح، وبالتالي ينتقل إلى الإنسان السليم مباشرة عبر الاستنشاق أو بطريقة غير مباشرة من خلال ملامسة الأسطح الملوثة. وهذا الاحتمال بانعدام الخبرة يعتبر ضعيفا نسبيا، خاصة أنهم في الجامعة يمثلون أعلى مستوى طبي في البلاد.

والاحتمال الثاني هو نقص توفير الاحتياجات والمستلزمات وواقيات الحماية الشخصية في أماكن تقديم الخدمات الصحية في الجامعة. وهذا الاحتمال أيضا قد يكون من الصعب افتراض وجوده في صرح علمي مشهود له بالكفاءة، والقدرة المالية لدرجة أن جامعة عين شمس كان لها المبادرة بالتبرع بإنشاء أول مستشفى ميداني بالجهود الذاتية لمواجهة كورونا في مصر منذ عدة أشهر، وتوفير كافة الاحتياجات الفنية والمادية والقوى البشرية عالية الكفاءة للتشغيل.

ويبقى الاحتمال الثالث وهو توفير فعلي لجميع احتياجات لمنع العدوى ولكنها من نوعيات فاسدة وغير مطابقة للمواصفات القياسية والمعتمدة عالميا. ويبقى هذا الاحتمال واردا وبقوة، خاصة أن السيسي قد قام في شهر نيسان/ أبريل 2020 باستعراض إمكانية هيئة الإمداد والتموين للقوات المسلحة. وفي مؤتمر تم بثه على الهواء مباشرة، فوجئ الجميع بأن السيسي يقول: "أنا بقول لكم متقلقوش عندنا احتياطي كفاية مش قصدي احتياطي وزارة الصحة أو الدولة أو حتى احتياطي الجيش لا أبدا"، ثم نادى على شخص يجلس خلفه؛ وقال له "يا بهاء مفيش أي حاجه تتصرف من الاحتياطي اللي عندك من غير ما ترجعلي"!! واتضح بعدها أن السيسي كان يتحدث مع اللواء بهاء الدين زيدان، مدير مجمع الجلاء الطبي للقوات المسلحة، ورئيس الهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد والتموين الطبي وإدارة التكنولوجيا الطبية.

هيئة الشراء الموحد تستحوذ على توريد جميع الاحتياجات الطبية للحكومة:

وبناء على القانون رقم 151 لسنة 2019؛ فإن هيئة الشراء الموحد هي هيئة عامة اقتصادية واسمها "الهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد والتموين الطبي وإدارة التكنولوجيا الطبية"، وتتبع مجلس الوزراء، ويمنح رئيسها مخصصات وسلطات الوزير، وتعفى من جميع أنواع الضرائب والجمارك وسداد التأمينات، ولها موازنة مستقلة تشمل الاعتمادات المالية من الموازنة العامة ومقابل الخدمات التي تؤديها والعائد من الاستثمارات والهبات والتبرعات والمنح حسب القوانين المنظمة لذلك. وتتولى دون غيرها شراء جميع المستحضرات والمستلزمات الطبية البشرية لجميع الجهات و الهيئات الحكومية.

 

جاء ظهور اللواء بهاء زيدان على رأس الهيئة في مؤتمر علني بحضور السيسي ليعطى دلالة قوية على أن التبعية الأساسية للهيئة ترجع في المقام الأول إلى الجيش؛ ويشير ذلك إلى طبيعة التعامل الحكومي مع تلك الهيئة باعتبارها ضمن إحدى الهيئات السيادية

وجاء ظهور اللواء بهاء زيدان على رأس الهيئة في مؤتمر علني بحضور السيسي ليعطي دلالة قوية على أن التبعية الأساسية للهيئة ترجع في المقام الأول إلى الجيش؛ ويشير ذلك إلى طبيعة التعامل الحكومي مع تلك الهيئة باعتبارها ضمن إحدى الهيئات السيادية، تماما كما هو التعامل مع شركات جهاز الخدمة الوطنية التابعة للجيش المصري. ومنها على سبيل المثال "شركة وادي النيل"، والتي يتم إسناد أغلب المشروعات الصحية لها، وذلك يعني استمرار المعاناة من سوء الإنشاءات وفساد التوريدات، كما حدث عام 2011 في زمن حكم المجلس العسكري، حيث تم توريد تجهيزات طبية وغير طبية كاملة لأحد المستشفيات الكبرى بمحافظة دمياط الساحلية، ولأنها لم تكن مطابقة للمواصفات القياسية المعتمدة، فقد تم رفضها من لجنة الاستلام بمديرية الصحة بتلك المحافظة، وكان المثير للدهشة وقتها هو أن يصدر الأمر الفوري بإرسال لجنة مختصة من وزارة الصحة لتكون مسؤولة عن الاستلام الفني لكامل التوريدات، على أن يقتصر دور المستشفى على الفرش والتشغيل فقط، رغم الفساد الواضح للجميع.

 

تكتمل الصورة واضحة من وجود جميع احتمالات ولكن بنسب متفاوتة من قلة الخبرة بالعدوى، أو نقص توفير الاحتياجات، أو فساد أسلحة المواجهة مع فيروس كورونا المستجد، ثم يخرج علينا السيسي ليتنصل من المسئولية ويعلن بكل بساطة عن أهمية "لقاح الوعي"

وإذا كانت وزارة الصحة تعلن باستمرار عن إصدار بروتوكولات الوقاية من العدوى، وعن تدريب الأطقم الطبية على إجراءات التحكم في منع انتشار العدوى وطرق الوقاية الشخصية، وأنها تحرص على توفير الاحتياجات بالمستشفيات (رغم شكاوى الأطباء المتكررة من نقص الاحتياجات)، فإن هذا يعني بكل وضوح أن إصابة أفراد الأطقم الطبية بفيروس كورونا المستجد، وسقوط الضحايا بأعداد كبيرة، قد يرجع أساسا إلى أن جميع الواقيات والمستلزمات والمطهرات ضد العدوى؛ جميعها غير مطابقة للمواصفات القياسية العالمية، وبالتالي لا تعدو كونها نوعا من الأسلحة الفاسدة والتي تتسبب في هلاك أفراد الجيش الأبيض في مصر.

وبذلك تكتمل الصورة واضحة من وجود جميع احتمالات ولكن بنسب متفاوتة من قلة الخبرة بالعدوى، أو نقص توفير الاحتياجات، أو فساد أسلحة المواجهة مع فيروس كورونا المستجد، ثم يخرج علينا السيسي ليتنصل من المسؤولية ويعلن بكل بساطة عن أهمية "لقاح الوعي".

الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع