أعلن الرئيس الأمريكي المنتخب
برنامجه في السياسة الخارجية، فأكد أن واشنطن ملتزمة بالمحافظة على أمن
إسرائيل. وهذه صيغة التزم بها كل الرؤساء الأمريكيين منذ أن ظهر هذا المصطلح بعد عام 1967.
وقد يبدو المصطلح مشروعا، فكل دولة يهمها أن تحافظ على أمنها، ولكن نظرا
لخصوصية إسرائيل، فان مصطلح أمن إسرائيل يعنى تسهيل مشروعها الصهيونى.
وقد حاول الجانب العربي أن يدخل الأمن العربي والفلسطيني إلى جانب أمن إسرائيل بالمعنى المعروف عند كل دولة، ولكن الرؤساء الأمريكيين فهموا أمن إسرائيل قريبا من الفهم الإسرائيلي، مع فارق أساسي وهو فلسطين لكل من الشعبين الفلسطيني واليهودي، وأن حل الدولتين هو المصير الذي ينتظر الصراع بين الجانبين. ولذلك عارضت الإدارات الأمريكية المتعاقبة قبل ترامب كل مشروعات الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، واعتبرت الخارجية الأمريكية في دراسة مهمة أن المستوطنات انتهاك لقانون الاحتلال الحربي والقانون الدولي الإنساني. كما التزمت واشنطن بأن قضايا الحدود والقدس ومصير المستوطنات كما نص عليها اتفاق أوسلو لا بد أن يُتفق عليها بالتفاوض، ولكن واشنطن اقتنعت دائما بأن إسرائيل لها حق البقاء وأنها تتصدى لكل ما يهدد وجودها، ولذلك تعتبر واشنطن تاريخيا المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي إرهابا وعدوانا. كما أن واشنطن تقبلت بصعوبة فكرة قيام مصر بتحرير سيناء بالقوة بعد فشل الدبلوماسية الدولية، ولكنها استدرجت مصر لدفع ثمن باهظ في كامب ديفيد، وفي المقدمة حرمان مصر من دورها العربي التاريخي مما أدى إلى تفتيت
العالم العربي. وهذا الخط ثابت في الموقف الأمريكي، ولكن بعض الرؤساء كانوا يميلون نحو إسرائيل أو يلتزمون بهذا الخط، وليس هناك فرق بين الحزب الجمهورى والحزب الديمقراطي.
ويمكن أن نحدد اثنين فقط من الرؤساء الأمريكيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة، واللذين مالا نحو إسرائيل وأساءا إلى وضع واشنطن كوسيط في النزاع، وهما الرئيس بوش الابن الذي زار إسرائيل قبيل انتهاء ولايته الثانية عام 2008، ووعد في كلمته في الكينست الإسرائيلي بأن يزور إسرائيل الكبرى بعد أن يتضاعف عمر إسرائيل، وذلك بمناسبة مرور ستين عاما على قيام إسرائيل. وبوش هو الذي شجع إسرائيل على اجتياح غزة (2008- 2009) ودافع عن حق إسرائيل في أن يصل أمنها إلى حيث تشعر بالأمان.
أما الرئيس ترامب فقد فاق موقفه كل التوقعات، حيث اعتبر إسرائيل هي بلده الثاني، فأقطع إسرائيل القدس والجولان، وحارب وكالة أنروا، واتفق مع نتنياهو على أن فلسطين لليهود وحدهم في ما سمي بصفقة القرن، كما سعى ترامب إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، ودخل في صفقات مباشرة مع هذه الدول، وكان يحلم بأن يحل دحلان محل أبي مازن حتى يوقع وثيقة تسليم فلسطين لليهود، وذلك بدعم من بعض الدول العربية المجاورة.
والنظر إلى مجمل الموقف الأمريكي يقطع بأن واشنطن تفهم تماما منذ البداية أن المشروع الصهيوني يريد كل فلسطين ويريد الهيمنة على كل المنطقة، وخاصة سحق مصر. كما أن واشنطن تتماهي مع الموقف الإسرائيلي وتتظاهر بأنها تخفف بحل الدولتين من انحيازها المطلق لإسرائيل. ولذلك نعتقد أن كل رئيس أمريكي ساهم بقدر ما يستطيع في المشروع الصهيوني، وكان أبرز الرؤساء الأمريكييبن إسهاما هو الرئيس كارتر الذي تمكن من استدراج السادات إلى كارثة كامب ديفيد. ولذلك فإن أي حكم مدني في مصر تعارضه واشنطن وإسرائيل، ويجب ألا ننخدع باتجاهات
بايدن، فالفرق بين ترامب وبايدن هو فرق بين من يعمل بهدوء ومن يعلن عن عمله للملأ.
ولما كان ترامب قد جاء من خارج المؤسسات فإنه تأثر بطريقته الشخصية في إدارة هذا الملف، ولم يكترث بسياسة الخطوة خطوة التي ابتدعها كيسنجر بعد عام 1967، ذلك أن بايدن سوف يتعامل مع هذا الملف بحذر وقد يحيي اتفاق أوسلو وهو من أهم محطات المشروع الصهيوني، كما أنه سعيد باختراق إسرائيل للمنطقة العربية، ولذلك لن يغير موقفه من مصر أو غيرها حرصا على التقارب مع إسرائيل.
والخلاصة أن التزام بايدن بأمن إسرائيل هو استمرار للخط الأمريكي حتى قبل قيام إسرائيل، وأن بايدن سوف يمكّن إسرائيل من الحصول على ما تريد، ولكن بالتدريج ودون حرق المراحل وإحداث الفجوات.
هذا الخط، وهو اعتبار إسرائيل جزءا من الأمن القومي الأمريكي، خط ثابت في السياسة الأمريكية ولا يستطيع أي رئيس أن يخرج على هذا الخط.
ونذكر أن كونداليزا رايس وضعت القاعدة صراحة، وهي أن الطريق إلى واشنطن يمر من تل أبيب، وتوصيه إسرائيل ورضاها عن أى طرف عربي هو شرط أساسي لكي تهتم واشنطن بهذا الحاكم أو ذاك. وقد ذهبت بعض التقديرات بعيدا وخلطت بين الواقع والتمنيات، سواء مع مصر أو مع السعودية أو الإمارات، وهذه هي الملفات الذي تحدث عنها بايدن خلال سباق الرئاسة، ولكن بايدن الرئيس يختلف جذريا عن بايدن المرشح للرئاسة.