نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا لمراسلتها كلير باركر قالت فيه إن التداعيات الاقتصادية بسبب جائحة كورونا تدفع بآلاف التونسيين إلى القيام بالرحلة البحرية الخطيرة عبر البحر الأبيض المتوسط بحثا عن ظروف معيشية أفضل حيث وصلت أكبر موجة منذ عقود إلى الشواطئ الإيطالية.
وكان الإغلاق الصارم الذي فرضته تونس في آذار/ مارس ناجحا بشكل كبير في احتواء التفشي ولكن الإجراءات دمرت اقتصاد البلد المتداعي أصلا.
وخلال الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام قام حوالي 8000 تونسي بعبور البحر الأبيض إلى إيطاليا، أكثر بست مرات من العام الماضي، بحسب مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والتونسيون اليوم أصبحوا أكثر جنسية تصل إلى إيطاليا. ويغادر ما معدله قاربان من بلدة جرجيس كل مساء خلال الصيف باتجاه الجزيرة الإيطالية لامبيدوسا بحسب صيادي السمك في البلدة.
وقال عامل صباغة بيوت يبلغ من العمر 23 عاما من جرجيس إنه قام مع ثمانية رجال آخرين وخمسة أولاد بمن فيهم أخوه الصغير برحلة استغرقت 25 ساعة عبر البحر الهائج وقال إن فرحته كانت كبيرة عندما وصلوا إلى الجزيرة.
وقال الشاب، الذي تحدث في مقابلة على فيسبوك بشرط عدم ذكر اسمه كي لا يجلب المزيد من اهتمام السلطات الإيطالية، إنه قضى شهرا في الاعتقال في البحر قبل أن يطلق سراحه. وكثير من زملائه المهاجرين في الغالب سيتم ترحيلهم حيث تم استئناف رحلات الترحيل المنتظمة من إيطاليا إلى تونس الشهر الماضي.
وبلغ مجمل المهاجرين الذين وصلوا إلى الشواطئ الإيطالية هذا العام – حوالي 20 ألف الشهر الماضي – أقل بكثير من مئات الآلاف الذين سجلوا في 2016 و2017، بحسب الأمم المتحدة. ومع ذلك يقول الخبراء بأن الارتفاع المفاجئ في المهاجرين التونسيين مقدمة لموجة جديدة بعد تداعيات فيروس كورونا على اقتصادات الدول النامية.
وقالت أوليفيا صندبيرغ دييز، محللة السياسات في مركز السياسات الأوروبية في بروكسل: "على المدى المتوسط، أعتقد أن من المعقول أن نفترض أنه سيزيد الضغط على جبهة الهجرة إلى أوروبا".
وقال أيمن حسين، 25 عاما ويعمل في مطعم في جرجيس، بأن الطقس السيء في الأيام الأخيرة كان الشيء الوحيد الذي يمنع محاولات اللاجئين عبور البحر. وتوقف المطعم عن العمل خلال الإغلاق والآن يقول إن الأجر المتدني الذي يتقاضاه لا يكفي لشراء الأغذية التي يرتفع سعرها ويستطيع بصعوبة إيجاد تكاليف الحياة.
وقال خويلدي سيف، 25 عاما ويعمل في جرجيس إن زملاءه يواجهون خيارات صعبة: "أن أموت في الوطن أو أموت في البحر"، مضيفا أنه هذه الأيام يفضل الكثير المغامرة بركوب البحر.
والحصول على تأشيرات إلى أوروبا مكلف وصعب لمعظم التونسيين. وعلى مدى سنوات لجأوا إلى رحلات البحر الخطيرة عبر البحر الأبيض المتوسط في ما يعرف في شمال أفريقيا بـ "الحراقة" حيث يقوم المهاجرون بحرق الحدود بحثا عن حياة أفضل في أوروبا.
ووسط إغلاقات الحدود غير المسبوقة خلال الربيع بسبب القيود الصحية توقفت الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا تقريبا. ولكن بعد رفع القيود عبر أكثر من 4000 تونسي إلى إيطاليا في تموز/ يوليو فقط، بحسب الأمم المتحدة. ويشكل التونسيون خمسي القادمين عبر البحر هذا العام، وهي نسبة يعتبرها خبراء الهجرة أعلى من العادة.
وأثار هذا التدفق قلقا في جنوب إيطاليا ووتر العلاقات الدبلوماسية بين إيطاليا وتونس. بعض الإيطاليين من اليمين المتطرف نشروا الرعب بأن المهاجرين يجلبون معهم فيروس كورونا للبلد، بالرغم من بيانات المسؤولين الإيطاليين بأن الإصابات بين المهاجرين غير الشرعيين لا تشكل إلا نسبة ضئيلة من حالات الكورونا القادمة من الخارج.
وعندما تم الإبلاغ ابتداء عن حالات في تونس في آذار/ مارس كان رد السلطات سريعا حيث أغلقت الحدود مع الخارج وتوقفت معظم الأعمال وفرضت حظرا على التجول ومنعت السفر بين المناطق المختلفة وكانت تلك الإجراءات فعالة. ومع إعادة فتح حدودها سجلت تونس 1064 حالة إصابة و50 وفاة فقط.
ولكن القيود أضرت بالاقتصاد الذي كان يعاني أصلا من البطالة العالية وتراجع القوة الشرائية والتباين الكبير، ومعظم التونسيين لا يستطيعون العمل من البيت وتأثروا بشكل خاص.
وقال ماكس غاليين، الباحث في الاقتصاد السياسي في جامعة ساسكس: "هذه الإغلاقات لها آثار مختلفة جدا في البلدان النامية عنها في البلدان المتقدمة، حيث العمل من البيت أسهل وهناك عدد أكبر من الموظفين بشكل رسمي".
كما أن السياحة الضرورية جدا لاقتصاد البلد توقفت وتراجع الدخل منها بنسبة 61% مع حلول آب/ أغسطس، بحسب إحصائيات البنك المركزي التونسي. وفي مثل هذا الوقت العام الماضي كان زوار الشواطئ الفرنسيون والروس يملأون شواطئ جرجيس بحسب صابرين كيلان، التي تعمل في بار ومطعم لي دوفين، وبينما نظرت إلى القاعة الفارغة من الزبائن وقت الغداء قالت إن هذا الموسم السياحي كان "صفرا".
وبسبب فيروس كورونا يتوقع أن يتقلص اقتصاد البلد بنسبة 4.3% هذا العام بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، وهو ما يمثل أكبر ركود اقتصادي منذ أن استقلت تونس عن الاستعمار الفرنسي عام 1956.
كما أن عدم الاستقرار السياسي فاقم الأزمة. واستقال رئيس الوزراء، إلياس الفخفاخ، وسط تهم فساد في تموز/ يوليو وترك تونس دون حكومة في وقت حرج مما أضعف ثقة الجمهور.
ولكونها تقع جنوب شرق تونس بعيدا عن رادارات خفر السواحل لطالما استخدمت جرجيس كمنطلق للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا. ويفتخر صيادو السمك فيها بأنهم أنقذوا مئات المهاجرين الذين انطلقوا من السواحل الليبية وغرقت قواربهم قبالة السواحل التونسية.
وذكرت تقارير مفوضية شؤون اللاجئين أن هناك أكثر من 300 شخص ماتوا أو فقدوا في وسط البحر الأبيض المتوسط هذا العام. وفرص التونسيين المعدين بأجهزة تحديد الموقع من نوعية جيدة ومعرفة بالبحر أفضل من فرص المهاجرين الذين ينطلقون من ليبيا. ومع ذلك يقدر الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر أن العشرات اختفوا في البحر هذا العام.
وقال صلاح الدين مشارك، رئيس اتحاد صيادي السمك في جرجيس إن كل قارب يغادر جرجيس لإيطاليا هذه الأيام يأخذ واحدا أو اثنين من صيادي السمك من صفوفهم. وقال: "كصيادي سمك كنا ننقذ الناس واليوم نقوم بالحراقة".
وقال الصباغ الشاب الذي أطلق سراحه مؤخرا إن خططه في الحياة لم تشتمل على رحلات خطيرة غير قانونية لأوروبا. ويقول إنه بعد إنهاء دراسته الثانوية حصل على قبول من جامعة في باريس عام 2016، ولكن طلب التأشيرة رفض مرتين. وانتهى به الأمر أن يعمل في طلاء البيوت في جرجيس وجمع ما يكفي ليجد مكانا له على قارب الحراقة عام 2019. وأفشل خفر السواحل التونسي المحاولة الأولى.
وعندما تفشى مرض كورونا وأصبح التكسب من طلاء البيوت مستحيلا قرر الصباغ أنه ليس أمامه خيار إلا أن يحاول مرة أخرى في أقرب فرصة، فاستدان مبلغا من المال وقامت أمه ببيع قطعة ذهب لتمويل هذه الرحلة.
وبعدما وصل هو وزملاؤه إلى لامبيدوسا قضوا 12 يوما في مركز استقبال مليء بالمهاجرين من مختلف القوميات بمن فيهم نساء وأطفال. ثم وضع على قارب حجر بالقرب من سواحل صقيلية.
ويأمل معظم التونسيين الذين يصلون إلى إيطاليا، بمن فيهم صباغ جرجيس، أن ينتهي بهم المطاف في فرنسا. ولكن وبحسب نظام اللجوء في الاتحاد الأوروبي فإن البلد الذي يصل إليها مقدم اللجوء أولا هي المسؤولة عن القيام بالنظر في طلب اللجوء أو إعادته.
ويوم الأربعاء اقترح الاتحاد الأوروبي تحسين النظام لتسريع الإبعاد والسماح لطالبي اللجوء أن يوزعوا بشكل متساو على البلدان الأوروبية.
وقال وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو بشكل متكرر إن إيطاليا تعتبر تونس بلدا آمنا وستعيد التونسيين الذين يدخلون إيطاليا بشكل غير شرعي. وفي أواخر تموز/ يوليو هدد دي مايو بوقف مساعدات التنمية لتونس حتى توافق السلطات التونسية على خطة لوقف التدفق. وذهب مسؤولون إيطاليون وأوروبيون إلى تونس في آب/ أغسطس لمناقشة القضية مع الرئيس التونسي قيس سعيد.
ووعدت إيطاليا تونس بمبلغ 13 مليون دولار لإجراء سيطرة حدودية. كما سيمدد الاتحاد الأوروبي برنامج إدارة الحدود الموجودة مع تونس لمدة 20 شهرا و11.8 مليون دولار، كما أكد المتحدث باسم وفد الاتحاد الأوروبي، هشام ظاهري.
وقال سعيد إن المقاربة الأمنية لمشكلة الهجرة ليست كافية وأكد أن على تونس أن تولد وظائف وتنمية.
وفي الأشهر الأخيرة زادت حالات كورونا بشكل كبيرة ولكن هناك إجماع على أن البلد لا تستطيع أن تغلق.
السعودية تخفف قيود السفر.. وتخطط لاستئناف رحلات العمرة
برلمان العراق يقر موازنة 2020 "المعلقة" خلال أيام.. تفاصيل
مصرف الإمارات المركزي يحذر من تدهور قدرات البنوك الائتمانية