هالني ما رأيت وما قرأت عن التمثال المسمى "
مصر تنهض"، وقد هاج وماج الرأي العام ضده. وبالطبع للجمهور الحق كل الحق في هياجه وثورته على هذا النوع من
الفن الرديء.
أطل صانع التمثال ليعلن أن التمثال لم يكتمل بعد. هذا يثير علامات استفهام كثيرة على شاكلة:
ولماذا رفع الستار عنه وهو بهذا الشكل غير المكتمل؟
إذا افترضنا صحة هذا الكلام بأنه ما زال غير مكتمل، فلماذا الذي ظهر منه موسوم بهذا الشكل الأقرب إلى القبح؟
هل المسألة مجرد إلهاء عن أمور أكثر أهمية؟
ما هذا النوع من أنواع التبرير التبسيطي والمُضلل؟
ولكن تظل صورة التمثال القبيح تطل بقبحها علينا مثلها مثل الكثير من الأمور.
عندما أرجع بذاكرتي إلى الوراء، وأتذكر العظيم محمود مختار وإبداعه في تمثال "نهضة مصر" وكيفية معاناته في صنع تمثال بديع؛ التصور الأول لهذا التمثال كان، عبارة عن رجل بغطاء رأس عربي يحمل سيفا في يده، لكنه سرعان ما عدل عن هذا التصور، بل وكسر البروڤة الأولى؛ بحيث لم يبق من التمثال إلا صورة فوتوغرافية؛ احتفظ بها أحد المصورين.
وقتها قيل إن مختار عدل عن الصورة الأولى للتمثال، بعد انعقاد اجتماعات لعدد من المثقفين المصريين، كان على رأسهم عباس محمود العقاد الذي انتقد تأثر مختار بالغرب.
ومن ثم بدأ مختار في صنع تحفته الحالية: الفلاّحة التي تقف بجوار أبو الهول. إنها صيغة رمزية تقدم دور المرأة في التطور والزراعة. الفلاحة ترفع طرحتها بيد من أمام وجهها، واليد الثانية تضعها على تمثال أبو الهول؛ كأنها تستحثه على المضي قدما بالتعاون لوصل حضارة الماضي والحاضر لنهضة مصرنا الحبيبة.
المدهش في الأمر أنه عندما طُرح مشروع الاكتتاب للمساهمة بتمثال "نهضة مصر" اشترك المصريون بكافة طبقاتهم وشرائحهم بالتبرع.
ما هذا الوعي والانتماء البديع؟ بالفعل أكملت الحكومة باقي الاكتتاب الذي فاقت قيمته ما كان متوقعا له. أُنجزت هذه التحفة النادرة الإبداع والرمز. أتذكر كل هذا وينتابني مشاعر من الغيظ والمرارة. يعتصرني الألم، وأنا أرى تمثال "مصر تنهض" مقارنا الفرق الكبير بالفنية بين المَعلّمين.
بالتأكيد، الفرق شاسع بين تمثال "نهضة مصر" وبين تمثال "مصر تنهض". الفرق واضح وضوح الشمس. أعتقد أن شعبنا الحبيب وفنانيه يدركونه، أليس كذلك؟