كتاب عربي 21

بين فيروس كورونا.. وفيروس السخافة وفيروسات أخرى!

1300x600

(1)

ثمة خطر أكبر من فيروس كورونا الذي يجتاح العالم الآن، ألا وهو فيروس الجهل!

 

هذا الفيروس سيتسبب للأسف بمزيد من الإصابة بالمرض وتعريض حياة الناس للخطر، لأن الحل الأول لمنع انتشار كورونا كما تقول كل الهيئات الصحية الرسمية وغير الرسمية حول العالم هو التصرف بعقلانية معه، واتباع تعليمات السلامة، والالتزام أولا وأخيرا بالإجراءات التي تمنع انتشاره وأهمها "التباعد الاجتماعي"، والحجر الصحي.

اتخذت دول كثيرة حول العالم إجراءات أشبه ما تكون بحظر التجول، مثل إيطاليا وإسبانيا، وبعضها وصل إلى حظر التجول تحت طائلة المساءلة القانونية، وخصوصا في بعض الدول العربية، لمنع احتكاك الناس، ونقل الفيروس من المصابين الذين لا يشعرون بوجود أعراض المرض، والتي قد لا تظهر لمدة 14 يوما من لحظة حمل الفيروس بحسب معظم الدراسات. التزم مواطنو إيطاليا وإسبانيا بتعليمات الإغلاق، والتزم معظم المواطنين العرب أيضا، ولكن البعض آثر "ركوب الرأس" وصار ينزل للشوارع في تحد للتعليمات.

ومن المثير أن بعض الناس في دول عربية مختلفة يتصرفون وكأن مخالفة الحظر هو نوع من التمرد أو البطولة في مواجهة القرارات الحكومية، وهذا هو فيروس الجهل المركب بعينه، ويزداد الجهل عند اولئك الذين يصورون المخالفين ويحتفون بهم ويعلقون بصوتهم بخطب "ثورية" على تمردهم، وكأنهم في معركة! المعركة الحقيقية هي مع الجهل، وليس مع إجراءات السلامة، وليت هؤلاء "المتمردين" يتمردوا على الظلم الحقيقي، لا على قرارات هي في مصلحتهم ومصلحة الآخرين!

 

لا يمكن النظر لمثل هذه التصرفات سوى أنها نوع من الأنانية المفرطة، فمن كان يعتقد أن صحته جيدة وأنه قد لا يتأذى كثيرا إذا أصابه المرض، فإن من الأنانية أن يساعد في نقل المرض لكبار السنة والضعفاء وأصحاب الأمراض المزمنة، والذين قد يكونوا من عائلاتهم وأحبائهم أصلا!


(2)


في مصر، ينتشر بين بعض "نجوم الصدفة" مرض أشد خطرا وإثارة للغثيان، وهو فيروس السخافة. يخرج هؤلاء النجوم و"الإنفلونسرز" في السوشيال ميديا أو في وسائل إعلامية تقليدية لتشجيع الناس على الجهل، بحجة أن المرض لا يمكن أن يرعب المصريين، وأن المصري أقوى من "كورونا". إنها خلطة عجيبة من السخافة والجهل والتسطيح وإيذاء المجتمع، والاستعراض البائس أمام الكاميرات. أحدهم "استخف دمه" وتبادل القبلات مع زميله باعتباره أقوى من المرض، وكأنه يشجع الناس على عدم الالتزام بما أقرته المنظمات الصحية في جميع أنحاء العالم.

لا يعرف هذا الفيروس اللئيم "كورونا" جنسية أو دينا أو قومية، ولو انتشر لا قدر الله في مصر فإن البلاد ستشهد كارثة في ظل نظام صحي مهترئ، وفي ظل انتشار أمراض أخرى مميتة، فكيف يجرؤ هؤلاء على إيذاء شعبهم وبلدهم في ظل مثل هذه الظروف، تحت ذرائع "شوفينية" جاهلة؟

لو كان هناك دولة تهتم بأبنائها في مصر لحاكمت مثل هذه الشخصيات التي تضر المجتمع وتثقل كاهل القطاع الصحي في البلاد، ولكن أجهزة الدولة مشغولة باعتقال الأبرياء والمتظاهرين والمعارضين السياسيين، بتهم لا تقل سخافة عن سخافة ممارسات "نجوم الصدفة" هؤلاء!

يحدث هذا في مصر، في الوقت الذي تدعو فيه هيئات متخصصة بنشر المعلومات الخاطئة على الانترنت حكومة بوريس جونسون في بريطانيا "أم الديمقراطيات" لاتخاذ إجراءات بحق المواقع والحسابات التي تنشر معلومات خاطئة ومضللة.

(3)

يستمر الحديث عن أن "كورونا" مؤامرة من دولة ما ضد دولة أخرى. لا بأس، لا نريد أن نناقش هذه النظرية في جدال لا ينتهي. دعونا نتفق أن كونها مؤامرة، لو صحت مزاعم أصحاب هذه النظرية، فإن الأفضل أن ننشغل بإجراءات السلامة، ومعرفة المعلومات الضرورية عن المرض لتلافي تداعياته، بدلا من البحث عن ما يدل أنه مؤامرة.

بعض المؤثرين يشاركون للأسف في إثارة هذا الجدل، بدلا من أن يستثمروا تأثيرهم بتوجيه الناس لما يفيدهم في مواجهة الكارثة.

(4)


كشفت وسائل التواصل الاجتماعي تآكل المعرفة والعقلانية عند كثير من النجوم بكافة أنواعهم، سواء كانوا إعلاميين أو فنانين أو "مؤثرين" في الفضاء الأزرق. وأكثر ما كشفت هذه الوسائل هو "فيروس اللايكات"! 

 


وإذا كان من الممكن تجاوز هذا الفيروس في أوقات الرخاء أو أوقات الخلافات السياسية، فإن الكارثة أن يستمر في أوقات حساسة كتلك التي يعيشها العالم هذه الأيام.


إذا كان من غير المستغرب أن يحرص النجوم على حصد المتابعات و"ضغطات الإعجاب" على حساب المعرفة والعلم والتحليل العقلاني في الأوقات العادية، فإن استمرار هذه الحالة على حساب صحة الناس هي أشبه ما تكون بالجريمة. والمقصود هنا نشر المعلومات المثيرة والشعبوية وغير الموثقة التي تحصد المتابعة والإعجاب على حساب نشر المعرفة والحقائق العلمية لمصلحة المتابعين، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يكون أخلاقيا في أي وقت، ولكنه غير أخلاقي خصوصا في هذه الأيام.

(5)

 

تمثل أزمة "كورونا" دروسا كثيرة للبشرية، ولكن أهم درس برأينا هو أن البشرية أضعف مما تظن، وأن الإنسان أكثر هشاشة مما يعتقد، وأن الحياة أقصر جدا من أن نضيعها بالكراهية.

 

 

ولعل من المؤسف والمؤلم أن كثيرين لا يزالون يجدون الوقت والجهد في ظل هذه الظروف العصيبة ليمارس "معاركه" الصغيرة، سياسية كانت أو اجتماعية. هؤلاء تمكن "فيروس الكراهية" من السيطرة عليهم، ومن الغريب جدا أن هذا الحدث الذي لم تشهده البشرية منذ قرن على الأقل لم يستطع أن يشفيهم من هذا الفيروس. أعانهم الله على أنفسهم، وأعان البشرية على تحمل أذاهم!