كتاب عربي 21

جائحة كورونا وحرب طرابلس.. قليل من الإنسانية والمسؤولية

1300x600

قصف عشوائي مكثف ومروع لم يتوقف منذ أسابيع وضحاياه كلهم من المدنيين وآخرها فاجعة بنيات عائلة الرقيعي بحي عين زارة، إضافة إلى محاولات اختراق دفاعات قوات الوفاق التي تتجدد كل يوم، والمجتمع الدولي لا يحرك ساكنا؟!

الأغرب من ذلك أن العدوان، بل الإجرام، مستمر حتى مع الخطر الذي يتهدد البلاد مع ظهور فيروس كورونا والذي إن تفشى سيشكل كارثة في ظل الحرب القائمة والإمكانيات المحدودة لمواجهته، والمجتمع الدولي الذي صدَّع رؤوسنا بخطة وقف إطلاق النار لم يُدن العدوان المستمر، وليس في تفشي المرض في بلدانهم حجة، فالإدانة الصريحة واتخاذ إجراءات صارمة تجاه المعتدي لن تنقص من جهود مكافحة الفيروس ولن تطيل عمره.

لعل منهم رجل رشيد

لا رجاء في حفتر والمتطرفين من أنصاره، فقد تعدى سلوكهم السياسي والعسكري حدود المعقول والمقبول وانحدر إلى مستوى متدني من اللاإنسانية.

إن الإصرار على استمرار الحرب وتعمد إشاعة الرعب وقتل الأبرياء وفي مقدمتهم الأطفال يكشف عن عقل مريض لا يرجى منه خير ولا يمكن أن يكون أداة بناء، بل هو معول هدم والحقائق هي التي تتحدث وليس المواقف والآراء.

غير أني ملزم أن أوجه خطابا إلى من أظن أنهم عقلاء وتورطوا في تبرير العدوان على طرابلس سواء من سكان الشرق أو أولئك الذين ينتمون للعاصمة وينحدرون منها، فأقول لهؤلاء في الكوارث والجوائح يوقف الناس شرهم ويكفوا أذاهم بل تتكاتف جهودهم لمواجهة الخطر الداهم الذي لن يفرق بين الشرق أو الغرب أو الجنوب، وشواهد التاريخ تكشف أن الأعداء جنحوا للسلم في أوقات النكبات.

منتظم دولي متورط بشكل أو آخر

أما المجتمع الدولي، فإن المماطلة والتسويف في مواجهة التصعيد الذي تورط فيه حفتر تحول إلى ما يمكن وصفه بالمداهنة، وصار يفسر من قبل شريحة واسعة من الرأي العام الرافض للعدوان على العاصمة بأنه تواطؤ ممنهج، وتغليب للحل العسكري على الحل السياسي، وأن بيانات الأطراف الدولية وتصريحات المسؤولين الغربيين بأن لا حل عسكري للأزمة لا تعكس الواقع ولا تمثل الحقيقة.

 

نجحت حكومة الوفاق بتعاونها مع تركيا في تحييد طيران حفتر بعد أن هيمن به على سماء العاصمة لعدة أشهر، وتستطيع الوفاق أن تحيد مدفعيته بكافة أنواعها من خلال عملية عسكرية واسعة


لا يمكن أن تلوم الرأي العام المناهض للحرب إذا جنح لهذا التفسير واقتنع بأن الأطراف الدولية في معظمها تتورط في المؤامرة على الدولة المدنية وعلى المسار الديمقراطي وتسعى حثيثا ومن خلف الكواليس لإعطاء الفرصة تلو الأخرى لحفتر ليحقق غايته بقوة السلاح.

إن السكوت عن عدوان حفتر الذي أخذ شكلا مروعا بقصفه أحياء العاصمة بشتى أنواع الأسلحة لا يفسر بالانشغال، فقد سبق تورطه في استهداف الآمنين وقتل المدنيين قبل مرض كورونا، ولم يفعل المجتمع الدولي إزاء إجرامه شيئا، وهو اليوم مستمر ويتورط أكثر وأكثر في سفك دماء الأبرياء، فيما انحصرت مواقف البعثة والأطراف الدولية في دعوة الأطراف المتصارعة إلى وقف التصعيد حتى يتسنى الاستعداد لمواجهة الوباء!!
 
مسؤولية حكومة الوفاق

هذا الوضع المختل لا يمكن التعاطي معه بالشكوى أو مجرد فضح الاعتداءات، إذ أنها في هكذا وضع لا تجدي نفعا ولا تجد لها صدى، والخيار الوحيد اليوم هو التصدي بحزم للاعتداءات والرد بقوة على الانتهاكات.

الشرع والقانون والعقل والعرف جميعها تدعو بل تلزم حكومة الوفاق ببذل كل الوسع واستفراغ كافة الجهد واستخدام ما يتاح لها من قوة لضرب قوات حفتر وملاحقة مسلحيه في حدود طرابلس والمناطق التي ينطلقوا منها إلى أن تأمن العاصمة ويسلم سكانها من قصفه.

لقد نجحت حكومة الوفاق بتعاونها مع تركيا في تحييد طيران حفتر بعد أن هيمن به على سماء العاصمة لعدة أشهر، وتستطيع الوفاق أن تحيد مدفعيته بكافة أنواعها من خلال عملية عسكرية واسعة تنتهي بطرد قواته إلى المدى الذي تراه الوفاق آمناً.

هذا أقل الواجب والحد الأدنى من المسؤولية المناطة بحكومة الوفاق، وإخفاقها في ذلك لا يؤهلها لتكون حكومة المرحلة، والتأخير في تأمين العاصمة وسكانها من اعتداءات قوات حفتر وقصفها العشوائي هو دليل قاطع على أنها عاجزة تماما في مرحلة خطيرة من مراحل الحرب على طرابلس.