مقالات مختارة

النيران بإدلب.. والدخان بليبيا

1300x600

شظايا إدلب في كل مكان، عند حدود أوروبا وفي جنوب العاصمة الليبية؛ فبعد افتكاك حليفة أنقرة على أرض سوريا مدينة استراتيجية وهي سراقب، دخلت موسكو في وصلة "رقصة الديك المذبوح" وقصف -بيد حليفها- أعمى قتلت إثره 33 جنديا تركيا، وبدأت تصعيدا عسكريا بليبيا.

ردّت تركيا الصاع بأكثر من ألفين من جنود نظام بشار الأسد، بين جرحى وقتلى، كما يقول الرئيس التركي رجب طيب، مع غارات كثيفة على أكثر من 200 موقع، بحسب الوسائل التركية، التي أكدت أن مواقع نظام الأسد باتت أهدافا تركية مباشرة.

خرجت معركة إدلب من حدود سوريا إلى أوروبا، وخرج في أعقابها آلاف اللاجئين إلى بلغاريا واليونان، بعد ضوء أخضر تركي أطلقته أنقرة في أعقاب إنذارها أوروبا من أن تجاهلها مسؤولياتها تجاه اللاجئين سيدفع تركيا لفتح حدودها.

من سوريا إلى أوروبا، من ثَمّ إلى شمال إفريقيا، وصلت شظايا إدلب. فحدّث ولا حرج عن أذرع موسكو، فليبيا ساحة من ساحات نفوذها الجديد.. «ابتعدوا من أمامنا» يخاطب الرئيس التركي الروس في إدلب، ولعلّه يقصد ذلك في ليبيا، غير أن الظهور الروسي في ليبيا يبقى خفيا أمام ظهورها هناك.

تدعم روسيا علنا بشار الأسد، وفي ليبيا تدعم -خفية- حفتر، ومن تحت الطاولة تمدّه بالأسلحة والعتاد والسلاح، وهي لا تنكر ذلك، وضمنيا اعترف رئيسها بوجود روسيين بليبيا، غير أنهم لا يمثلون الدولة، وفق تعبيره.

ويتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان روسيا بأنها تدير النزاع الدائر في ليبيا "على أعلى مستوى"، وهو ما نفته موسكو. وجاءت تلك الاتهامات في خضم توتر متصاعد مع أنقرة.. "لا نريد نفطا ولا أرضا من سوريا، بل نريد حدودا آمنة لدولتنا"، يقول أردوغان.

تتبادل البلَدان الاتهامات بتحمّل مسؤولية تدهور الأوضاع في سوريا؛ حيث يدعمان جهات متحاربة، وكذلك الأمر في ليبيا، فالجهة المدعومة تحديدا من أنقرة هي حكومة "الوفاق" التي يرأسها فايز السراج، وتعترف بها الأمم المتحدة، ومقرها طرابلس. أما في المقابل، فإن حليف روسيا على الأرض هو اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يتخذ من الشرق الليبي مقرا له.

أردوغان وبوتن حليفان بالاسم -وفق تقدير "نيويورك تايمز"- لكنهما نشرا قوات ودعم عسكري آخر في حربين دمويتين، كانتا سببا في معاناة إنسانية كبيرة، بشكل هدّد بتفكيك الاستقرار الهش في الشرق الأوسط، وربما فتح الباب أمام وصول مئات الآلاف من اللاجئين إلى أوروبا، وفق تقرير للصحيفة.

ويستدرك التقرير بأن "مسؤولي الخارجية عبّروا عن موقف واضح، وهو اتهام روسيا بإثارة المشكلات، خاصة في سوريا"، مشيرا إلى أن "المسؤولين الأتراك يعرفون أنه يُنظر إلى بلدهم في "الكونجرس" وداخل حلف "الناتو" بنوع من عدم الثقة، لكنهم يحاولون استخدام النزاعين لدفع واشنطن للتخلي عن عام من الدبلوماسية المتوترة، والعمل معا ضد العدو المشترك: موسكو". هذه بتلك، وجزاء الرد رد أثقل وخسائر أكبر، تقول أنقرة، وترفع الغطاء عن أي مواقع لبشار، ويدفع أحد الطرفين صاحبه إلى مساحة الأمر الواقع، لتثبت مكاسب معينة قبل أن يجلسا على طاولة المفاوضات.. هي معركة الغريمين الحليفين، لا تعرف أين تتقاطع مصالحهما أو تتباعد، وإلى مدى لهما القدرة على فصل الملفات بعضها عن بعض.

عن صحيفة "العرب" القطرية