كتاب عربي 21

مرة أخرى.. حماس وإيران وتعزية هنية

1300x600

لا يزال الجدلُ مستمراً حول تعزية حركة حماس بالحاج قاسم سليماني الذي قضى في عدوان جوي أمريكي استهدفه داخل الأراضي العراقية، لكنَّ اللافت للأنظار هو أن أغلب من ينتقدون الحركة ويكيلون الشتائم لقيادتها الحالية هم إما من أبناء الحركة الاسلامية أو المقربين منها أو المحسوبين عليها، وهم بين النقد والنقد وبين الشتيمة والأخرى يقولون بأنهم "ناصحون محبون" وأنه "لا خير فينا إن لم نقلها ولا خير فيهم إن لم يسمعوها".

 

والحقُّ أنَّ حركة حماس كغيرها من الحركات والتنظيمات والعاملين في الشأن السياسي وفي العمل العام تصيب وتُخطئ، ويتوجب أن تتحمل النقد مهما علا سقفه، ومن حق الناس أن يدلوا بآرائهم فيما تفعله الحركة، خاصة إذا كنا نتحدث عن حركة شاركت في العملية السياسية وفازت بأصوات الناخبين وأصبحت مدينة لهم وبات من حق هؤلاء الناخبين أن يحاسبوها على أدائها، وهذا كله معلوم بالضرورة ولا خلاف فيه.

 

لكنَّ الجدل المستمر والمستعر بشأن التعزية تجاوز حدوده الطبيعية ووصل الى درجة توجيه اتهامات لا علاقة لها بالمنطق لقيادة الحركة، واللافت أن جملة من أبناء الحركة وأنصارها يشاركون في الحملة بحجة أنهم مناصرون لضحايا سوريا ومعارضون لايران، فيما يجري استغلال هؤلاء في حملة شيطنة ممنهجة تتعرض لها حركة حماس من قبل القوى التقليدية المناهضة للاسلام السياسي في المنطقة.

 

وبالنظر الى جملة الملابسات والانتقادات التي ثارت حول تعزية حركة حماس بالحاج قاسم سليماني، فانه يتوجب تسليط الضوء على ما يلي:

 

أولاً: الذين يعيبون اليوم على اسماعيل هنية وصفه لسليماني بأنه (شهيد القدس) لم يُسمع لهم صوت عندما قال خالد مشعل (شكراً سوريا)، فكيف اعتبروا بأن الأولى تجرح مشاعر ضحايا الحرب في سوريا بينما لا مشكلة في الثانية؟.. علماً بأن واقع الحال أن كلاهما لم يُخطئ، إذ من الطبيعي أن تقدم الحركة الشكر للدولة المضيفة، ومن الطبيعي أيضاً اعتبار الرجل الذي قضى في قصف نفذته طائرات الاحتلال على أرض عربية بأنه "شهيد القدس".

 

ثانياً: في سبتمبر 2017 زار وفد رفيع المستوى من حركة حماس العاصمة الروسية موسكو والتقى عدداً من المسؤولين الحكوميين هناك، وذلك على الرغم من أن القنابل الروسية كانت تتساقط حينها كالمطر على رؤوس السوريين، لكننا لم نسمع حينها من ينتقد الزيارة، ولا من يربط بينها وبين ما يجري في سوريا، وهذا هو الطبيعي، إذ لا علاقة لحماس بما يجري في سوريا، كما أن حماس ليست مكلفة بمحاسبة الدول على سياساتها.. فلماذا ينتفض الكثيرون اليوم من أجل انتقاد زيارة حماس لايران وتقديم التعزية بسليماني؟!

 

ثالثاً: ينشغل الكثير من المتعاطفين مع الثورة السورية والمتحمسين لمناصرة ضحاياها في إقناعنا بأن حزب الله "ميليشيا طائفية" وليس حركة مقاومة بسبب أنه تورط في الحرب بسوريا، والغريب أن هؤلاء أنفسهم ينسون بأن منظمة التحرير الفلسطينية تورطت في الحرب بلبنان خلال عقدي السبعينات والثمانينات لكننا لم نسمع أحداً يقول بأنها أصبحت "ميليشيا طائفية"، كما أن حركتي حماس وفتح اقتتلتا في غزة سنة 2007 وذهب في ذلك الاقتتال الكثير من الضحايا المدنيين الأبرياء ولم نسمع أيضاً من يقول أن فتح أو حماس تحولتا الى ميليشيات طائفية.. والحقيقة هنا هو أنَّ كل هؤلاء حركات مقاومة لكنهم ارتكبوا أخطاءً، وارتكاب الخطأ لا يجعل منك شيطاناً وإنما يجعل منك إنساناً طبيعياً عادياً يُصيب ويُخطئ.

 

رابعاً: الذين يطلبون من حركة حماس التخلي عن تحالفها مع إيران، أو ينصحون حماس بــ"أن لا تضع البيض في سلة واحدة"، هل لهم أن يكملوا نصائحهم ويوضحوا ما هي البدائل؟ ومن الذي يقبل اليوم بالتحالف مع حماس أو تقديم الدعم لها؟.. في الوقت الذي تقوم فيه العديد من الدول العربية والدول "السُنيَّة" بإدراج الحركة على قوائم الارهاب وتقوم باعتقال وتعذيب عناصرها ومصادرة أموالهم.

 

خامساً: الذين يتهمون إيران بالطائفية عليهم الكف عن ذلك لأنَّ هذا الاتهام ليس صحيحاً، فهي تقدم الدعم لحركات سُنية وأخرى يسارية وأخرى علمانية وسبق أن قدمت الكثير من الدعم للراحل ياسر عرفات ولمنظمة التحرير وللسلطة الفلسطينية ولم نسمع أحداً يقول بأن عرفات طائفي أو شيعي.. هذا مع الإقرار بأن من حق أي شخص أن يؤيد أو يعارض النظام السياسي في إيران، لكن تُهمة الطائفية لا تبدو منطقية ولا مقنعة.

 

والخلاصة التي نذهب اليها هي أن قراءة المشهد السياسي في فلسطين والمنطقة تؤدي الى نتيجة مفادها أن حركة حماس ليس أمامها سوى التحالف مع إيران واستئناف العلاقات مع سوريا وحزب الله، وهذا ليس معناه بالمطلق أنها تتخذ موقفاً من الحرب في سوريا وإنما لا علاقة بين هذا وذاك، تماماً كما أن الاتحاد السوفييتي كان خلال عقد الثمانينيات يُقدم السلاح والتدريب لقوى المقاومة الفلسطينية ولم نسمع حينها من يعيب عليهم ذلك لأن السوفييت يذبحون الأطفال في أفغانستان.

 

كما أنَّ حركة حماس لم تًخطئ من الناحية السياسية يوم أن منحت سليماني لقب "شهيد القدس"، كما لم تُخطئ يوم قالت "شكراً سوريا"، وإنما يُخطئ من يتمترس خلف شاشات الهاتف أو الحاسوب لتوجيه سهام اللوم والنقد وتقديم النصائح المثالية غير القابلة للتطبيق.