حقوق وحريات

معتقلات بمصر يُضربن عن الطعام.. ومخاوف تعصف بأسرهن

تخشى أسر المعتقلات من تعرضهن لعقاب جماعي بسبب الإضراب- جيتي

دخلت عشر معتقلات مصريات بسجن "القناطر للنساء" (دلتا النيل)، في إضراب مفتوح عن الطعام السبت الماضي 14 كانون الأول/ ديسمبر، احتجاجا على أوضاعهن السيئة.

 

وتزامن مع إضراب المعتقلات انطلاق دعوات من قبل الشارع المصري والسجون الأخرى لدعمهن، وفي الجهة المقابلة تزايدت مخاوف ذويهن من تلك الخطوة.


ويأتي إضراب معتقلات سجن القناطر المفتوح عن الطعام محاولة منهن للفت الانتباه لقضاياهن المسيسة، وظروف اعتقالهن غير المبررة، وحبسهن بظروف غير آدمية، وحرمانهن من حقوقهن المشروعة.


وأعلن حقوقيون مصريون مشاركة المعتقلات إضرابهن، داعين لاستعادة فكرة إضراب النشطاء وذوي المعتقلين خارج السجون، ومشاركة المعتقلين بباقي السجون الإضراب أيضا، ودعمهن بهاشتاغ "#متضامنة_معهن" و"#مضرب_دعما_لإضراب_الحرائر".

 

إضرابات سابقة

 

وردا على الممارسات القمعية التي تقوم بها السلطات المصرية تجاه المعتقلين السياسيين، منذ الانقلاب العسكري منتصف 2013، لجأ المعتقلون لسياسة "الأمعاء الخاوية"، لتخفيف الضغوط عليهم.


ويعد أشهر الإضرابات هو الإضراب الجماعي لمعتقلي "العقرب"، والذي امتد تسعة أشهر بداية من تموز/ يوليو 2015، حتى آذار/ مارس 2016، ما أجبر السلطات الأمنية حينها على تخفيف قبضتها وفتح الزيارة، وهي الإجراءات التي لم تستمر إلا أشهرا قليلة.

 

اقرأ أيضا: منظمات تحّمل السلطات المصرية مسؤولية سلامة ناشط قبطي معتقل


وشهد العام 2019، عدة إضرابات جماعية وفردية عن الطعام بينها في آيار/ مايو الماضي، إضراب نحو 350 معتقلا بعشرة قضايا مسيسة بسجون "العقرب"  و"المحكوم"، و"وادي النطرون"، و"برج العرب"، و"النساء".


وفي 17حزيران/ يونيو الماضي، دخل 130 معتقلا بإضراب جماعي عن الطعام بسجن "العقرب"، لستة أسابيع رفضا للانتهاكات والأوضاع التي وصفتها منظمة العفو الدولية بأنها ظروف "احتجاز قاسية ولا إنسانية"، ما دفع السلطات للانتقام من المحتجزين بالضرب، وصعقهم بالكهرباء، واتخاذ إجراءات تأديبية لإنهاء إضرابهم.


وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وعلى إثر إضرابها الثاني عن الطعام احتجاجا على معاملتها غير الإنسانية، نقلت المعتقلة عائشة خيرت الشاطر، من زنزانتها بسجن "القناطر"، للمستشفى بعد تدهور حالتها الصحية.


ونظم المعتقلون أيضا، حملة "أنا مضرب عن الطعام"، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، قبل يومين من "المراجعة الدورية الشاملة" لملف مصر بالأمم المتحدة، وبالتزامن مع يوم "الأسير المصري"، وهي الحملة التي شارك فيها نشطاء وحقوقيون خارج السجون لأول مرة.


ومن أشهر المضربين عن الطعام بسجون مصر، والذين لاقوا تعاطفا حقوقيا عالميا، المعتقل محمد سلطان، صاحب أطول إضراب (مدة 495 يوما بدأه في 28 يناير/كانون الثاني 2014)، وسلمته القاهرة لواشنطن، بعد تنازله عن الجنسية المصرية في أيار/ مايو 2015.


كما دخل الصحفي بالجزيرة عبدالله الشامي بإضراب ناجح آخر عن الطعام لمدة 130 يوما بدأه في 21 كانون الثاني/ يناير 2014، وشاركته فيه زوجته، حتى تم إخلاء سبيله في 17 حزيران/ يونيو 2014.


وأدى إضراب الشيخ عبدالرحمن لطفي القيادي بحزب الاستقلال، لوفاته متأثرا بالإضراب في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، بعد رفض السلطات علاجه وإطلاق سراحه.


وكان إضراب الناشطة السياسية نرمين فتحي، عن الطعام في 14 آيار/مايو 2019، لخمسة أيام خطوة لإطلاق سراحها ومجموعة معتقلين بينهم السفير معصوم مرزوق.


ومن أشهر كبار السن المضربين عن الطعام، مساعد رئيس الجمهورية الأسبق عصام الحداد، والقيادي بالجماعة الإسلامية مصطفى حمزة، والأكاديمي بهندسة القاهرة عصام حشيش.

خوف من العقاب الجماعي


صحيفة "عربي21" تواصلت مع ذوي بعض المعتقلات المضربات وبينهن صحفيات ومحاميات وناشطات ومواطنة مصرية الأصل أمريكية الجنسية إلى جانب طالبة ومضيفة جوية، وأكد بعضهم على مخاوفهم الشديدة على المعتقلات من بطش النظام العسكري الحاكم.


وأعربت أسرة إحداهن عن تخوفها الشديد من الخطوة وانعكاسها المحتمل سلبا على ابنتهم التي ترعى طفلين من قبل "مجرمين لا يرقبون إلا ولا ذمة".


الأسرة التي رفضت ذكر اسم نجلتهم المعتقلة خوفا من التنكيل بها أكدت لـ"عربي21"، أنها حائرة بين ضرورة اتخاذ موقف تصعيدي وبين التهدئة لمصلحة ابنتهم وأحفادهم، مضيفة أننا "لا ندري الموقف الآن، وحقيقة هل سيستمر إضرابهن أم سيتوقف".

 

اقرأ أيضا: 10 معتقلات مصريات يدخلن إضرابا مفتوحا عن الطعام بسجن القناطر


وقال أحد أفراد الأسرة "أخشى أن يكون للتصعيد آثارا سلبية على القضية وعلى وضع ابنتنا، والحفيدين، والأسرة كاملة، حيث يمكن أن نتعرض جميعا للانتقام"، مشيرا لما تتعرض له أسر المعتقلين من "عقاب جماعي"، حيث تعتقل أسر كاملة من الأب والأم.


وأعربت شقيقة إحدى المعتقلات عن عدم تحمسها للخطوة مؤكدة لـ"عربي21"، أن "أمهات كثيرات يرفضن الإضراب الآن لأنهن قدمن التماسات بالإفراج قد يتم رفضها بعد الإضراب".


وقالت لـ"عربي21": "إذا كان الإضراب للتهديد وإزعاج النظام أو ليوم واحد لتحسين الأوضاع فنحن معه".
وأكدت أن أختها تواجه "قضية غير واضحة المعالم، ولا نعلم التهمة الحقيقية، ويتم تجديد حبسها بتهمة نشر أخبار كاذبة ولا نعرف ما هذه الأخبار".


وأوضحت أنها "تعاني معاناة شديدة مع الأمراض الروماتزمية، وتتأذي من الرطوبة بالمعتقل، والأسرة ككل وأولادها خاصة يعانون أيضا".

 

نتائج الإضراب


وقال الحقوقي المصري، أحمد العطار، إن "الإضراب الجماعي بسجن النساء؛ يوضح حجم معاناة المعتقلات السياسيات بالسجون"، مؤكدا أن "إضراب المعتقلات هي رسالة للتأكيد على ظروف احتجازهن غير الآدمية، ويكشف عدم اكتراث السلطات بأحوالهن السيئة".


وأكد الباحث الحقوقي أنه "منذ اللحظات الأولى لاعتقالهن، والدولة بأجهزتها مارست عليهن جميع أنواع التضييق والانتهاكات والممارسات التعسفية، بداية من تلفيق القضايا إلى اتهامات ليست عن أدلة واضحة وملموسة غير تحريات الأمن الوطني غير المحايدة، والتي لا تعبر عن الواقع".

وأوضح أن "الإضراب رغم قسوته وصعوبته على المعتقلات، فإنه قرار لا يأتي إلا بمرحلة متأخرة من تفكير المعتقل، وبعد أن يفقد الأمل بحصوله على أدنى حقوقه".

وقال العطار: "نجاح الإضراب يتوقف على عوامل منها التفاعل الإعلامي والحقوقي والقانوني القوي، فإذا ما نجحت تلك العوامل بإيصال رسالة المضربين للداخل والخارج، فسيكون هناك مردود قوي".

وتوقع على إثر ذلك أن تقوم أجهزة الدولة "بدراسة أسباب الإضراب وتعمل على تحسينها وتفاديها مستقبلا؛ مهما كان جبروت هذه الأنظمة وتوحشها، كما حدث بإضراب الصحفي عبدالله الشامي، ومحمد سلطان، حيث وجدوا الدعم الكامل وبالنهاية حصلوا على حريتهم بعد معاناة طويلة كللت بالحرية".

وختم الحقوقي المصري بالقول: "وبحالة إضراب معتقلات سجن القناطر، من المبكر القول بنجاحه من عدمه، فالإضراب بدأ فقط السبت، وبالتأكيد سيحتاج وقتا لبيان نتائجه".