قضايا وآراء

كراهية الذات كميراث استعماري

1300x600

"لا تعد العنصرية هي الجريمة الأكبر التي ارتكبها المستعمر الأبيض ضد السود، ولكن تعليم السود كيف يكرهون أنفسهم".. هذه هي كلمات المناضل الأمريكي الأسود الشهيد مالكوم إكس، أو الحاج مالك الشباز. وهو الخيط الذي التقطه المفكر الأمريكي الفلسطيني جوزيف مسعد ليسقطه على الحالة العربية والإسلامية الراهنة والتي يرى أن هذه الجريمة الاستعمارية منطبقة، بل وممتدة في عالمنا حتى الآن، حتى أصبحت المنظومة الاستشراقية هي الحَكم على أنفسنا وثقافتنا.

تمجيد الذات مذموم، تماما ككره الذات على المستوى الشخصي والجمعي، وخير الأمور الوسط. لكن المتأمل للخطاب الثقافي المنتشر في لحظة التحديات العربية والإسلامية الراهنة، يجد أن كره الذات هو القاسم المشترك بين الفئات المختلفة؛ حكومة ومعارضة. فأصحاب الأنظمة السلطوية في دولنا العربية والإسلامية يشتركون مع اليمين المتطرف الغربي في إحالة مشاكلنا الحضارية إلى مشكلة ثقافية تحتاج إلى إصلاح ديني. وبذلك نخرج من إشكالية تغيير الواقع إلى تغيير النص التراثي أو الفكري وتحميله وزر ما أفسده ذوو المال والقوة والنفوذ، وهذا يختلف عن الاجتهاد المعروف مساراته وشروطه.

على مستوى المستضعفين، يسود خطاب يحملهم أنفسهم، من الرجال والنساء والولدان الذين يكدحون من أجل لقمة عيش يومية، كل مآسي السياسة والاقتصاد، وأن عليهم مثلا أن يقوموا بثورة تلو الأخرى كل بضعة سنوات ليستقيم أمر معيشتهم. وكأن الشعوب هي المسؤولة عن الانحطاط والانقلابات، وليس المجرمين الذين يمتلكون السلاح ويصادرون إرادتها.

 

المثال الأبرز على هذه الفكرة الاستعمارية الفاسدة هي مطالبة المهاجر في الدول الغربية أن يكون الرجل الخارق المتميز في كل المجالات، ليتم الاعتراف به في وطنه الجديد الذي لجأ إليه

المثال الأبرز على هذه الفكرة الاستعمارية الفاسدة هي مطالبة المهاجر في الدول الغربية أن يكون الرجل الخارق المتميز في كل المجالات، ليتم الاعتراف به في وطنه الجديد الذي لجأ إليه أو هاجر إليه لأسباب اقتصادية أو اجتماعية أو شخصية. يقول لاعب كرة القدم الألماني من أصول تركية، الشهير مسعود أوزيل: "يتذكرون أني ألماني عندما نفوز فقط، أما عندما يخسر فريقنا فيتذكرون أنني من أصول تركية".

 

هذا بالنسبة للاعب منتخب ألمانيا الذي وُلد وتربى ونشأ هناك، فما بالك ببقية الملايين من المهاجرين العاديين من غير المشاهير؟ هؤلاء غير مسموح لهم، طبقا لهذا المنطق، أن يكونوا أفرادا عاديين ذوي قدرات عادية من عمال وفنيين وحرفيين، وحتى عاطلين عن العمل. هذه النزعة البشرية الإنسانية يتم إسقاطها عنهم لصالح فكرة القيام بمجهود مضاعف، لمجرد أنهم ينتمون إلى عرق أو لون أو دين مخالف لأغلبية السكان.

 

 

هناك فارق كبير بين نقد الذات الموضوعي المبني على تشخيص الأزمة أو المرض وتخصيص مواطن العطب، ومن ثم اقتراح وصفات العلاج، وبين جلد الذات القائم على التعميم الشديد
اقشت مرة أحد أساتذة الجامعات العرب ممن يقيمون ويعملون في الغرب؛ حول العنصرية ضد المهاجرين، فأحال المسألة فورا إلى أن هناك فئات مجرمة تسيء لسمعة المهاجرين. فسألت عن نسبة هؤلاء مقارنة بنسبة المجرمين بين أهالي هذا البلد، فأجاب بأن هذه هي بلدهم. حديث الرجل المثقف بكل جدية كاشف عن نظرية كثيرين من العرب والمسلمين لأنفسهم وللعالم.

هناك فارق كبير بين نقد الذات الموضوعي المبني على تشخيص الأزمة أو المرض وتخصيص مواطن العطب، ومن ثم اقتراح وصفات العلاج، وبين جلد الذات القائم على التعميم الشديد وترك جوهر المشكلة والتحليق في فضاء صبغ الأمم والشعوب والثقافات بالصفات السيئة والدونية. إن المنهج الاستشراقي المعرفي، كما يرى جوزيف مسعد، لا يزال قائما حتى اليوم في النظرة المتبادلة بين الإسلاميين والعلمانيين مثلا. وهذه الظاهرة بمفهومها الشامل هي التي دعت المفكر اللبناني مهدي عامل، مثلا، لإصدار كتابة "أزمة الحضارة العربية أم أزمة البرجوازيات العربية"، وذلك في إطار انتقاده للمؤتمر الذي انعقد في الكويت عام 1974 حول "أزمة الحضارة العربية".

نحن مقبلون على عصر تعاد فيه صياغة العلاقة بين الشمال والجنوب والشرق والغرب والمسلمين وغير المسلمين والعرب وجيرانهم من الإيرانيين والأتراك. وإذا لم ندخل هذه العصر بمفهوم جديد متوازن عن الذات والآخر، فلن يكون لنا مكان فيه وستتضاعف خسائرنا.