نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لمدير مكتبها في القدس ديفيد هالبفنغر، يقول فيه إن أمن إسرائيل لا يعتمد مباشرة على من يسيطر على الحدود التركية وشمال سوريا، التي تبعد أكثر من 500 ميل عن أراضيها.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه مع ذلك، فإن قرار ترامب المفاجئ بسحب القوات الأمريكية هناك، والتخلي عن القوات الكردية، التي كانت حليف أمريكا القوي في الحرب ضد تنظيم الدولة، تسبب بانطلاق أجراس الإنذار بين المسؤولين الإسرائيليين في القدس وتل أبيب.
ويقول هالبفنغر إن "السبب بسيط، فالإسرائيليون كلهم على مختلف أطيافهم السياسية يتساءلون: إن كانت مثل هذه الخيانة أصابت الأكراد، فما الذي يمنع من أن تصيب حليفا قويا آخر لأمريكا؟".
وتلفت الصحيفة إلى أن مقالا للكاتب شيمون شيفر في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، وهي أكبر صحف التيار الرئيسي، حمل عنوان "سكين في ظهرنا"، وقال فيه: " يجب أن تكون النتيجة التي نستخلصها لا لبس فيها: أصبح ترامب لا يعتمد عليه بالنسبة لإسرائيل، ولم يعد بالإمكان الوثوق به".
وينوه التقرير إلى أن ترامب يصر على أن الانسحاب ليس خيانة، وقال صباح الثلاثاء في تغريدة: "قد نكون في عملية مغادرة لسوريا، لكننا لم نتخلى بأي شكل من الأشكال عن الأكراد، الذين هم أناس متميزون ومقاتلون رائعون".
ويستدرك الكاتب بأن الكثير في إسرائيل يرون الانسحاب الأمريكي، الذي قد يكشف الأكراد لهجمات الأتراك، أنه تخل عنهم، فقال السفير الإسرائيلي السابق للأمم المتحدة وكبير المسؤولين عن السياسة الخارجية في حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، دوري غولد، قوله في مقابلة: "أشعر بأنني كردي اليوم".
وتبين الصحيفة أن مخاوف إسرائيل لا علاقة لها بتركيا، إلا أن العلاقة كلها بإيران، فاعتمدت إسرائيل تحت حكم نتنياهو بشكل كبير على دعم إدارة ترامب في مواجهة طهران بشأن طموحاتها النووية، وبخصوص طموحاتها التوسعية في لبنان وسوريا والعراق واليمن، مشيرة إلى أن إسرائيل تعتقد أن استراتيجية إيران بعيدة المدى هي نصب صواريخ في تلك البلدان يمكنها تهديد إسرائيل، بصفتها سلاح ردع ضد ضربة استباقية -سواء كانت من إسرائيل أو أمريكا- ضد مشروع الأسلحة النووية.
ويشير التقرير إلى أن البيت الأبيض وقف مع نتنياهو عندما سحب ترامب أمريكا من الاتفاقية النووية الايرانية، التي تفاوض عليها الرئيس أوباما، بالرغم من احتجاجات نتنياهو الصاخبة، لافتا إلى أن البيت الأبيض بدا ذا مصداقية "من وجهة النظر الإسرائيلية" ما دامت أمريكا تفرض عقوبات اقتصادية ضد إيران، وتهددها بالانتقام ان هي لجأت للعنف.
وينقل هالبفنغر عن الإسرائيليين، قولهم إن البيت الأبيض لم يعد موثوقا به مؤخرا، ففشل إدارة ترامب في الرد على ضربات إيران المتكررة ضد ناقلات النفط وحقول النفط السعودية، التي نسبت إلى طهران، قوض أي مصداقية للتهديدات العسكرية الأمريكية، بحسب المحللين الإسرائيليين.
وتفيد الصحيفة بأن انفتاح ترامب على التفاوض مع إيران عزز فكرة أنه كاره لصراع جديد في المنطقة، فيما عزز سحب قواته من الأراضي الكردية المفهوم الأعم بين الإسرائيليين بأنه يسعى للانسحاب من الشرق الأوسط، حتى على حساب النفوذ الأمريكي.
ويورد التقرير نقلا عن الخبيرة في السيطرة على الأسلحة في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، إيميلي لانداو، قولها: "هناك شعور متزايد بأن ترامب يتراجع عن التزاماته تجاه حلفائه.. لست متأكدة من كون إسرائيل في تصنيف السعودية والأكراد ذاته، ِفآمل على الأقل الا نكون في التصنيف ذاته، لكن التوقعات بنيت على خطابات ترامب وتصرفاته وبعض قراراته السياسية، والسؤال هو، إلى أي درجة سيستمر في ذلك، إن كانت إسرائيل بحاجة لأمريكا؟".
وينقل الكاتب عن محللين إسرائيليين، قولهم إن كون الإسرائيليين يتساءلون عن مدى الاعتماد على أمريكا قد يجرئ إيران في وقت خطير.
وتورد الصحيفة نقلا عن المحلل الإسرائيلي لمجموعة الأزمات الدولية عوفر زالزبيرغ، قوله: "نحن نعيش في فترة متقلبة بشكل كبير، حيث تقوم إيران بمهاجمة حلفاء أمريكا (مثل السعودية).. فالإسرائيليون يستعدون للهجوم الإيراني، وتعتقد المؤسسة الدفاعية بأن إيران ستضرب خلال شهرين، وسيكون الرد الإسرائيلي مختلفا جدا عن رد الفعل السعودي، وإيران تعلم ذلك، لكن من الخطورة بمكان تشجيع إيران على الشعور بأنها أكثر أمنا، وأن تعطى تشجيعا أكبر على قراراتها".
ويجد التقرير أنه بالإضافة إلى الدروس التي يمكن أن تتعلمها إيران من أفعال ترامب، فإن المسؤولين الإسرائيليين يراقبون كيف ستفسرها العاصمة السعودية الرياض، التي أبدت مؤشرات على الرغبة في تخفيض التوتر مع إيران.
وينقل هالبفنغر عن زالزبيرغ، قوله: "القلق الكبير في إسرائيل هو أنه إن كان السعوديون يشعرون بأنهم معرضون للهجمات الإيرانية، فإنهم سينتقلون من المعسكر الحالي" -حيث تحاول إسرائيل وأمريكا حرمان إيران تماما من الأسلحة النووية- "إلى المعسكر الذي يقول بأن أكثر ما نستطيع فعله هو احتواء طموحات إيران النووية دبلوماسيا، حتى وإن كان ذلك جزئيا".
وتورد الصحيفة نقلا عن نائب وزير سابق في ظل حكم نتنياهو والسفير الإسرائيلي لواشنطن تحت حكم أوباما، مايكل أورين، قوله: "لذلك تداعيات محتملة كبيرة بالنسبة لإسرائيل، التي سعت لتحويل معارضتها لإيران إلى اختراق دبلوماسي مع دول الخليج"، وأضاف: "فإن أبعد هذا الأمر، فأي قابلية تبقى لدول الخليج لعمل أي شيء مع إسرائيل؟".
وتابع أورين قائلا: "إن إمكانية ترامب في إحداث تقدم في العملية السلمية مع الفلسطينيين كان معتمدا على إمكانيته للوقوف في وجه الإيرانيين"، وما لم يستطع ذلك فإن تلك العملية ستكون في خطر، وتساءل قائلا: "فلماذا يكون السعوديون مع العملية السلمية؟ ولماذا يكون الإماراتيون؟.. فلا أحد يستطيع ربط النقاط، فإن كنت مع السلام بين إسرائيل والفلسطينيين يجب أن تكون مع سياسة أمريكية قوية تجاه إيران".
ويستدرك التقرير بأنه بالرغم من حجم الرهانات، إلا أن نتنياهو بقي صامتا إلى الآن، مبرزا محدودية رئيسية لسياسته الطويلة في احتضان ترامب، مشيرا إلى أن تلك الممارسة ولدت أرباحا سياسية، مثل الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل، والسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، وساعد ترامب في الانسحاب من الاتفاقية النووية الإيرانية، وكانت تلك العلاقة مركزية لنتنياهو حتى أنه استخدم صورته يبتسم مع ترامب على لوحات إعلان كبيرة في حملتيه الانتخابيتين الأخيرتين.
ويقول الكاتب إنه مع ذلك، فإن هذه العلاقة منعت نتنياهو أيضا من الضغط علنا عندما يرى أن الرئيس يتخذ قرارات سيئة، والنتيجة هي أن إمكانية ضغط نتنياهو على ترامب وصلت إلى أدنى مستوياتها، مشيرا إلى قول زالزبيرغ إنه مع ذلك "لا يستطيع الاعتراف علنا بأنه أعطى ترامب شعورا بالحصانة من انتقادات رئيس الوزراء الإسرائيلي، وهو شيء كان رؤساء أمريكا دائما يحملونه محمل الجد، ومع شخص يصعب التنبؤ بحركاته مثل ترامب، فإن هذا أمر خطير".
وتشير الصحيفة إلى أن ما زاد من التحسر الإسرائيلي على قرار ترامب بشأن الأكراد، هو أن يوم الثلاثاء كان مساء يوم الغفران، الذي يقوم اليهود بالاحتفال به ويحيون فيه ذكرى الحرب في عام 1973، التي شكلت صدمة، وكادت أن تنتهي بهزيمة لإسرائيل.
ويلفت التقرير إلى أن أورين، الذي كان مؤرخا قبل أن يصبح دبلوماسيا، أشار إلى أنه عندما طلبت إسرائيل المساعدة في الحرب من أمريكا، فإن ريتشارد نيكسون كان متورطا في فضيحة "ووترغيت"، التي أدت إلى توجيه التهمة له واستقالته، "وكان أعداء إسرائيل يعلمون ذلك"، وقال إنه الآن ومع وجود تحقيق يحتمل أن يؤدي إلى توجيه تهمة لترامب، واحتمال توجيه تهمة بالفساد لنتنياهو، "فإن الأمر يحصل هنا".
وينقل هالبفنغر عن أورين، قوله إن أوباما قال لنتنياهو في آخر لقاء له معه، بالرغم من خلافهما، "إن دخلت إسرائيل في حرب خطيرة فإن أمريكا بالطبع ستتدخل، لأن هذا ما يتوقعه الشعب الأمريكي".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى تعليق أورين قائلا: "لا أظن أن إسرائيل اليوم تستطيع أن تراهن على ذلك.. لا أعرف الآن.. ويكفي أن أقول إنني لا أعرف".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
توماس فريدمان: كيف قام ترامب وطهران بهز الشرق الأوسط؟
بوليتكو: اتهام إسرائيل بزرع أجهزة تجسس غامضة في واشنطن
إنترسيبت: جون بولتون حاول جر أمريكا إلى الحرب وفشل