قضايا وآراء

إنهم ينتخبون الحيوانات!

1300x600

يضيق صدر كثير من مناصري التيارات الرافضة للإسلاميين في عالمنا العربي، إذا حققوا أي فوز في انتخابات حتى لو كانت انتخابات في بلد محدود الموارد والإمكانات! 

وليت الأمر يتوقف عند ضيق الصدر فقط، وإنما يتعداه لوصف الناخبين بأقذع العبارات، فهم حمقى وجهلة وتارة حيوانات ومتخلفون، ناهيك عن التهمة الدائمة بأنهم رجعيون وإخونجيون -بمعنى اتهامهم بالانتساب  لأكبر جماعة إسلامية وسطية في العالم، وهي جماعة الإخوان المسلمين غير المصنفة بالإرهاب عالميا. 

وشاهدنا قبل أيام على إحدى القنوات المحلية الخاصة في تونس، كيف جن جنونهم لتقدم حركة النهضة وتصدرها للانتخابات التشريعية في البلاد، فهذه مايا القصوري على قناة الحوار التونسي، تصف أبناء بلدها الذين هم من أكثر الناس تعليما على المستوى العربي بحسب الإحصاءات الرسمية، بأنهم قطيع من "الخرفان" والحيوانات -قالتها هكذا حرفيا على الشاشة!!- فقط لأنهم اختاروا حركة النهضة.

وآخر قيادي بارز في الجبهة الشعبية في تونس اسمه الجيلاني الهمامي، عقب على خسارة حزبه الانتخابات باعتبار البرلمان المنتخب في واحدة من أكثر الانتخابات شفافية ونزاهة في عالمنا العربي، بأنّه برلمان غير شرعي، ويجب أن يرحل!! 

حيث أن خسارة حزبه -الرافض للإسلاميين- كذلك في الانتخابات كفيلة برأيه ببطلان عمل البرلمان، والعكس صحيح بطبيعة الحال!  

وزيرة الشباب في حكومة يوسف الشاهد في تونس، ماجدولين الشارني، التي عملت وزيرة في حكومة قامت على التحالف الوثيق مع حركة النهضة، رأت قبل أيام من الانتخابات في بلادها أن فوز النهضة بالانتخابات سيكون بمثابة كابوس بالنسبة لها.

وهي تلاحق زعيم حركة النهضة الأستاذ راشد الغنوشي -العدو اللدود لكثير من أنصار التيار السلفي ودعاة التيارات المتطرفة مثل القاعدة والداعش- بتهمة الضلوع بمقتل أخيها العسكري في هجوم إرهابي عام 2012!! لمجرد قول الشيخ الغنوشي ذات مرة أن بعض الشباب السلفي يذكره بشبابه، في إشارة للتشدد والانغلاق في بعض المواقف والأحكام، وليس بطبيعة الحال بتأييد أو قبول العنف بأي شكل من الأشكال.

فضلا عن عمل الشارني بحكومة واحدة جنبا إلى جنب مع وزراء النهضة بعد تلك الحادثة! ومع ذلك اختارت أن تقاضيهم وتصف فوزهم بالكابوس.

حركة النهضة التي فصلت العمل الدعوي عن السياسي، وعملت مع السبسي رئيسا، وهو المعروف بدعوته للمساواة في الميراث، وخاضت انتخابات 2011 و2014 و2018 و2019 وجربت الفوز والخسارة، وتقبلت ذلك بصدر رحب، واشتهر زعيمها الغنوشي بقوله: "إن خسرنا السلطة فسنعود إليها، ولكن إذا خسرنا الحرية فقد خسرنا كل شيء، لذلك نعتبر أننا ما زلنا على الطريق الصحيح، ما دامت تونس تحتكم إلى الحرية لا إلى الاستبداد". 

كل هذه التطمينات قولا مع تطبيقها فعلا بالأمثلة السابقة التي ذكرت، ولك أن تضيف عليها كيف تضم الحركة في صفوفها المتدين وغير المتدين والمحجبة وغير المحجبة، ومع ذلك فالنهضة  مرفوضة، ومن ينتخبها "حيوان؟"! كما أشرت لحديث مايا القصوري في البداية! 

مجددا يرفض هذا التيار المدعوم إقليميا الاعتراف بأن شعوبنا العربية -ومنها الشعب التونسي بطبيعة الحال- متدينة بالفطرة؛ التوانسة انتخبوا في برلمانهم الأخير قبل أيام شيخا جليلا يظهر على إحدى القنوات يقدم الوعظ للناس، لمجرد توسمهم الخير ونظافة اليد به.

ولأنهم عقلاء ملوا أولئك الذين تركوا قضايا البلد الأساسية من فقر وبطالة وتضخم، وانشغلوا بالمساواة في الميراث وما شابه، حتى أشعروك بسطوتهم الإعلامية أنها أكبر القضايا التي تشغل الناس، وهم لا يكترثون لها أصلا.

أعتقد أن هذا التيار المنتسب قولا للعلمانية والمتهم بممارسة الفاشية ضد خصومه السياسيين، لا يمكن أن يعود للمشهد السياسي في بلادنا عبر صناديق الاقتراع النزيهة والإرادة الحرة للناخب العربي، إلا إذا تفهم حضور الإسلاميين واحترامهم عربيا، وأدرك أن الحصول على شرف خدمته يكمن في إظهار الصورة الحسنة للمواطن، وخصوصا نظافة اليد واحترام قيم المجتمع والتركيز على خدمة المواطن، لا بالانشغال بمعارك "دونكوشوتية" مع الإسلاميين، إرضاء للبعض، على حساب الأجندة الوطنية وحاجات المواطن الأساسية. 

a.hmidan2009@hotmail.com