نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريرا أعده كامل أحمد، تحت عنوان "الذهب والسلاح والمقاتلون طريق
الجنجويد إلى القوة الدولية"، يتحدث فيه عن صعود مليشيا الجنجويد
السودانية وتحولها إلى قوة دولية.
ويبدأ أحمد تقريره بالقول إن مظهر الشاحنات الصغيرة، التي وضع على ظهرها الرشاشات، كان غير مريح في العاصمة السودانية الخرطوم، خاصة عندما قام أفرادها التابعون لقوات
الدعم السريع بقيادتها في أنحاء العاصمة في بداية العام.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن هذه القوات سمعتها السيئة معروفة وسبقتها إلى العاصمة؛ لارتباطها بمليشيا الجنجويد "الشياطين على الخيول"، المتهمة بارتكاب إبادة في دارفور، مستدركا بأنها لم تعد تعيث الفساد في أطراف السودان، بل في قلب العاصمة.
ويفيد الموقع بأنه بعد اضطرابات استمرت لأشهر، أنهت حكم ثلاثة عقود لعمر البشير، برزت قوات الدعم السريع بصفتها أهم اللاعبين في الميدان السوداني، مشيرا إلى أن الكثيرين يرون أن قائدها محمد حمدان دقلو أو
حميدتي هو الحاكم الفعلي للسودان.
ويقول الكاتب إن إخراج عناصر الدعم السريع أصبح مستحيلا، خاصة أن المتظاهرين طالبوا بإخراجهم بعد العنف الذي ارتكبوه في العاصمة ضدهم، بل على العكس، فإن الاتفاق بين المدنيين والعسكريين أمن وضع زعيمها حميدتي بصفته لاعبا رئيسيا، ووضع عناصرها في وضع مساو للجيش.
ويلفت التقرير إلى أن ظهور قوات الدعم السريع ارتبط بالعمل الذي قامت به نيابة عن البشير، ثم تحولت إلى قوة داعمة للتحالف الذي تقوده السعودية في
اليمن، ما حولها من قوة تقوم بمداهمة القرى على ظهور الجمال والخيول إلى قوة إقليمية مهمة.
ويذكر الموقع أن اليمن لم يكن هو المكان الأول الذي أدت فيه الجنجويد دورا أبعد من دارفور، فقد اشتمل طريق الجنجويد إلى الثروة والقوة على نقل السلاح والمقاتلين عبر الحدود في ليبيا وجيران السودان الآخرين، وقاموا بتصدير الناتج من مناجم الذهب إلى الإمارات، واستفادوا من رغبة أوروبا في وقف تدفق المهاجرين الأفارقة إليها.
ويقول أحمد: "يبدو أن الميول الدولية لم تخفف على ما يبدو من العبء المتزايد للسيطرة على العاصمة السودانية، فتم خلال الأشهر الماضية نشر ألف مقاتل سوداني في ليبيا، وتصدير السلاح للمليشيات في جمهورية أفريقيا الوسطى".
وينقل التقرير عن المحاضر البارز في دائرة الدراسات الأفريقية في جامعة بنسلفانيا علي دينار، قوله: "قوات الدعم السريع هو اسم آخر للجنجويد، وتمت إعادة انتاجها في شكل جديد وبمصادر جديدة، التي حصلت عليها من الداخل ومن الخارج"، وأضاف أن "قوات الدعم السريع هي دولة داخل دولة، فلديها استثماراتها الاقتصادية الخاصة وعلاقاتها السياسية مع دول أخرى، وهناك الكثير مما يجري".
ويجد الموقع أن "حدود دارفور الطويلة مع ليبيا وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى ليست صعبة كما تبدو، فهي طويلة تتقاطع على جانبيها قوافل تجار المواشي والقبائل التي تمتد على جانبي الحدود، ولهذا عندما وقع حميدتي في أيار/ مايو على اتفاقية بـ 6 ملايين دولار مع شركة علاقات عامة، التي تم فيها اقتراح دعم قوات خليفة حفتر في ليبيا، فلم تكن هذه هي المرة الأولى التي نقل فيها المقاتلون عبر الحدود".
وينوه الكاتب إلى أن سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، وانقسام البلاد أديا إلى فائض في الأسلحة التي وجدت طريقها إلى الجنوب، وقبل هذا كان القذافي قد ربط في الثمانينيات من القرن الماضي بتدفق السلاح جنوبا إلى جنوب الصحراء.
ويورد التقرير نقلا عن الباحث في شؤون السودان إريك ريفيز، قوله: "كان القذافي قبل وبعد سقوطه منبع الأسلحة لمنطقة الساحل الكبرى"، مشيرا إلى أن معظم أسلحة قوات الدعم السريع جاءت من ليبيا.
ويذكر الموقع أنه عندما شن القذافي سلسلة من الحروب ضد تشاد في الثمانينيات من القرن الماضي، فإنه قام بوضع الفيلق الإسلامي في دارفور، وهو فصيل مسلح كان هدفه تعريب منطقة الساحل، واستقبلته قبيلة أم جلول ووالد زعيم الجنجويد في المستقبل موسى هلال.
ويشير الموقع إلى أنه بحسب برقية للمخابرات الأمريكية "سي آي إيه" عام 1986، فإن ليبيا أرسلت قافلة عسكرية وأسلحة وفنيين وقوات خاصة وأفرادا آخرين تم تقديمهم على أنهم عمال إغاثة، لكن لديهم خبرة عسكرية، لافتا إلى أن تقريرا أعدته "نيويورك تايمز" بعد عامين ذكر أن مسؤولين تشاديين اتهموا ليبيا "بتهريب البنادق في أكياس الطحين"، من خلال استخدام الطرق التي بنيت بذريعة الدعم، لكن لتصدير السلاح.
ويفيد أحمد بأنه التوتر كان في الوقت ذاته يتزايد بين المجتمعات القبلية العربية، مثل قبيلة هلال التي كانت تخسر مواقع الرعي التقليدية بسبب التغيرات المحلية والزراعة التي باتت تمارسها إثنية الفور، مشيرا إلى أن التوتر قاد بحلول عام 1987 إلى بناء ما عرف بالتجمع العربي، الذي أرسل رسالة إلى الرئيس السوداني، عبرت عن التفوق العربي بطريقة عكست مواقف القذافي.
وينقل التقرير عن دينار، قوله إن الحرب بين التجمعات العربية التي سكنت في المنطقة والفور كانت قائمة، وأضاف: "ظل هذا النزاع قائما طوال سنوات الثمانينيات من القرن الماضي، وأدى إلى تدمير مارسه الطرفان، وزاد من خلال الحصول على السلاح عبر الحرب التشادية"، مشيرا إلى أن الحكومة السودانية لم تفعل الكثير للتدخل، بل إنها استفادت من النزاع، وستقوم الحكومة لاحقا بالاعتماد على التجمعات العربية لإنشاء الجنجويد.
ويلفت الموقع إلى أن هلال كان واحدا من عناصر التجمع العربي، وبحلول الألفية الثانية كان يقول لعناصر الجنجويد التابعين له: "غيروا الوضع السكاني في دارفور، واجعلوها فارغة من القبائل الأفريقية"، وأدى دورا في الحملة التي دعمتها الحكومة السودانية التي قتل فيها 300 ألف شخص.
وينوه الكاتب إلى أنه بعد عقدين من حملة القذافي على تشاد ظهرت حركة تمرد أخرى من دارفور عام 2008، وأدت إلى تقوية علاقة حميدتي مع البشير، في وقت كانت جماعات الجنجويد الأخرى تتشرذم، بل تتمرد على الحكومة؛ نظرا لتراجع الحملة في دارفور، وانشق حميدتي لفترة قصيرة قبل أن يعود إلى الحكومة، ونشر مع 4 آلاف قرب الحدود لدعم المتمردين التشاديين للإطاحة بالرئيس إدريس ديبي، الذي وصل إلى السلطة بدعم الخرطوم.
ويورد التقرير نقلا عن برقية أرسلها القائم بالأعمال الأمريكي في الخرطوم، قولها إن الحكومة كانت بحاجة للمقاتلين لدعم الهجوم في تشاد، وهو ما جعلها توافق على شروط حميدتي التي رفضتها في الماضي، وشملت على دمج قواته في القوات المسلحة، وترفيع قادته، ودفع مبلغ 3 مليارات جنيه سوداني، أي ما يقرب 120 مليون دولار أمريكي.
ويشير الموقع إلى انه بحلول عام 2012 كانت الجنجويد تجند مقاتلين لمغادرة دارفور، والمشاركة في حرب خارجية، والقتال مع موسى عصيمة، وهو من أطلق على نفسه لقب جنرال عندما أصبح زعيما لمجموعة مسلحة في جمهورية أفريقيا الوسطى، باسم سيليكا، التي جندت المسلمين للإطاحة بالنظام في بانغي، لافتا إلى أن سيليكا حققت أهدافها، إلا أن العنف الذي مارسته ضد المسيحيين أدى إلى ردة فعل ضد المسلمين، وانهار تحالف سيليكا سريعا، وقتل حوالي 5 آلاف نتيجة للعنف بين التجمعات السكانية، بحسب إحصاءات وكالة أنباء "أسوشيتد برس".
ويستدرك أحمد بأنه مع أن عصيمة لم يكن جزءا من قوات حميدتي، إلا ان تقرير "أفريقيا كونفدنشيال" ذكر أن بعض قواته تم استيعابها لاحقا بقوات الدعم السريع، مشيرا إلى أنه بحسب تقارير للأمم المتحدة، فإن قوات الدعم السريع استمرت في بيع السلاح والمعدات والشاحنات لنقل مليشيات جمهورية أفريقيا الوسطى، رغم اتفاقية السلام التي وقعت مع الحكومة، وشارك في عمليات البيع عصيمة، وحتى هلال، رغم سجن الأخير في السودان منذ عام 2017.
ويلفت التقرير إلى أن التقارير تحدثت عن نقل المليشيات عرباتها للصيانة في مدينة نيالا في دارفور في وقت التقى فيه حميدتي بنور الدين آدم، الذي كان واحدا من قادة سيليكا المؤثرين، مشيرا إلى أنه عندما احتاج البشير لإرسال المقاتلين إلى اليمن عام 2015 لم يجد سوى حميدتي، وكانت قوات الدعم السريع في وضع جيد لتجنيد المقاتلين لليمن؛ نظرا لوجودها في دارفور، حيث جندت من المنطقة وحتى من تشاد.
وينقل الموقع عن دينار، قوله: "لم يكن سرا فقد تم التجنيد بشكل محدد من دارفور، من نيالا إلى اليمن، حيث وعدوا بمال كبير"، وأضاف: "عندما تنظر إلى نسبة البطالة في السودان بشكل عام وفي دارفور بشكل محدد، فبدلا من العمل مدنيا فإنك تذهب وقد لا تعود"، وزعم حميدتي أن لديه 30 ألف مقاتل في اليمن.
ويورد الكاتب نقلا عن الزميل غير المقيم في المجلس الأطلسي والمحلل السابق في "سي آي إيه" كاميرون هدسون، قوله إن البشير استخدم قوات الدعم السريع لتقوية علاقاته مع السعوديين والإماراتيين، لكنها ساعدت حميدتي على تقوية وضعه، وأضاف: "كان على الأرض في اليمن، وناقش بشكل روتيني خطط الحرب مع الرياض وأبو ظبي، والتقى مع القادة السياسيين والعسكريين ممن لهم علاقة بالحملة في اليمن، ما أعطاه الاحترام والثقة".
وبحسب التقرير، فإنه بعد أن قامت قوات الدعم السريع بالتحرك في الخرطوم ضد المعتصمين، وقتلت أكثر من 100 منهم، قيل إن بعض العناصر استخدموا عربات عسكرية إماراتية، لافتا إلى أنه بعد سيطرة الجيش على السلطة من البشير فإنه عين حميدتي نائبا لرئيس المجلس الانتقالي، وتعهدت السعودية والإمارات بدفع 3 مليارات دولار.
ويقول الموقع إن علاقة حميدتي مع دول الخليج لم تقم من خلال السلاح، بل عبر الثروة التي وجدها في مناجم الذهب في دارفور، مشيرا إلى أنه منذ عام 2010 جذب جبل عامر إليه عددا من الباحثين عن الذهب من المنطقة، ومن تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى أيضا، إلا أنه وقع في يد الجنجويد، واحتكرت قوات هلال الجبل، وفرضت ضريبة على التنقيب عن الذهب وتصديره.
وينوه أحمد إلى أن الأمم المتحدة قدرت أن 4.6 مليار دولار تم الحصول عليها بطريقة غير شرعية في الفترة ما بين 2010 – 2014، مشيرا إلى أن حميدتي سيطر على الجبل عام 2017، من خلال حملة للحكومة لنزع السلاح، وهزمت فيها قوات هلال.
وقال دينار للموقع: "الذهب هو المال وهو السلطة، ومن يسيطر على الذهب لديه ما يقوله في السياسة"، وأضاف: "مع أن حكومة السودان تعرف أنه بدلا من وضع قواتها فإنها تعهدت بالأمر لحميدتي، وعلى الاخير إظهار الولاء".
ويفيد التقرير بأن حميدتي لم يكن مفيدا في مجال اليمن فقط، بل من خلال مواجهة المهاجرين، ففي الطريق الطويل إلى الشمال عبر البحر المتوسط كان السودان ممرا ومصدرا للاجئين، وبدأ الاتحاد الأوروبي الراغب في وقف المهاجرين وعدد الذين يموتون من خلال محاولات العبور عملية الخرطوم عام 2015 للاستثمار في مشاريع في القرن الأفريقي.
ويشير الموقع إلى أنه في الوقت الذي كانت المشاريع تهدف لتحسين الظروف المعيشية للاجئين الهاربين من بلادهم، إلا أنها تضمنت على بنود للعمل مع قوات الحدود لوقف المهاجرين، ومنعهم من الوصول إلى ليبيا، التي تعد نقطة الانطلاق الرئيسية إلى أوروبا.
ويقول الكاتب إنه في السودان كانت قوات الدعم السريع هي التي تولت المسؤولية، مع أن الاتحاد الأوروبي نفى أن يكون تعامل مباشرة مع الدعم السريع أو الحكومة السودانية، مع أن موظفا في الأمم المتحدة قال إن الاتحاد الأوروبي فعل ذلك، وزعم حميدتي أن قوات الدعم السريع عملت نيابة عن الاتحاد الأوروبي لحماية أمن دوله، من خلال وقف آلاف المهاجرين.
ويلفت التقرير إلى أن تقريرا صدر في أيلول/ سبتمبر 2018 نشره المعهد الهولندي "كلينغندال" اعتمد على شهادات مهاجرين زعموا أن قوات الدعم السريع شاركت في تهريب أشخاص إلى ليبيا.
وينقل الموقع عن الباحث السوداني في المشروع الأوروبي سليمان بادو، قوله: "نظر الاتحاد الأوروبي إلى الجانب الآخر ولم يعبر عن الشكوى.. لم يشتك من تورط قوات الدعم السريع في عدد من الأمثلة من تهريب البشر"، وأضاف: "يجب على الاتحاد الأوروبي مراجعة نفسه والبحث في التداعيات السلبية وأهمها منح الشرعية لمليشيا".
وينوه أحمد إلى أن الاتفاقية التي وقعها حميدتي مع شركة العلاقات العامة الكندية "ديكنز أند ماديسون"، وعدت بتطوير علاقاته دولية أبعد من أفريقيا والشرق الأوسط، بما في ذلك محاولة ترتيب لقاءات مع المسؤولين الأمريكيين، بينهم الرئيس دونالد ترامب، ووعدت الشركة بمحاولة ترتيب لقاءات مع الروس، الذين تقيم السودان علاقات قوية مع دولتهم، لأنها تقدم تدريبات لقوات الأمن السودانية، وتعمل منذ عام 2018 في جنوب دارفور لتدريب قوات تابعة لجمهورية أفريقيا الوسطى، وذلك بحسب الراديو السوداني ومقره في هولندا "راديو دبانغا".
ويورد التقرير نقلا عن القائم بالأعمال الأمريكية في الخرطوم، قوله في برقية كتبها في شباط/ فبراير 2018، إن الجنجويد في دارفور أظهروا براغماتية في التعامل مع الحكومة السودانية، واهتموا أكثر بالحفاظ على المصالح الاقتصادية والسياسية، و"يعملون مع من يقدم العرض الأفضل".
ويقول الموقع إنه على مدى العقد واصلت فصائل الجنجويد القيام بمهام محلية وخارجية؛ بما يخدم مصالحها ومصالح الحكومة، مشيرا إلى أنه بالنسبة لهدسون، فإن قوة حميدتي الكبيرة بحاجة مستمرة للعمل ليحافظ على ولاء المقاتلين وإرضائهم، ما يعني استمرار عملهم في خارج السودان، "فهو بحاجة لجعلهم دائما راضين.. فلديه بالضرورة قوة مرتزقة مستعد لتأجيرها في المنطقة، وهو أمر يجب أن يثير قلق دول المنطقة"
ويختم "ميدل إيست آي" تقريره بالإشارة إلى قول هدسون: "أعتقد أن الرسالة للسعوديين والإماراتيين بأنه قد يكون الرجل الموثوق لكم في الخرطوم، لكن عليكم الحذر لأنه قد يبيع خدماته لمن يقدم عرضا أعلى".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)