قضايا وآراء

العنصرية "الطبقيّة" تواجه الفلسطينيّين والسوريين

1300x600
"أيّ تمييزٍ أو استثناءٍ أو تقييدٍ أو تفصيلٍ يقوم على أساس العرق أو اللّون أو النّسب أو الأصل القوميّ أو الإثنيّ، ويستهدفُ أو يستتبعُ تعطيلَ أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريّات الأساسية أو التّمتّع بها أو ممارستها، على قدم المساواة، في الميدان السّياسي أو الاقتصاديّ أو الاجتماعيّ أو الثّقافي، أو في أيّ ميدان آخر من ميادين الحياة العامّة".

هكذا جاء تعريف العنصريّة في الاتفاقيّة الدوليّة للقضاء على جميع أشكال التّمييز العنصري، الصّادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1965م.

ومع تعاقب السّنين، نلحظُ أنَّ البشريّة ما تزال موغلة في العنصريّة في جوانب شتّى، فمن عنصريّة عرقيّةٍ هنا، إلى عنصريّة اجتماعيّة هناك، وعنصريّة دينيّة في موضع آخر، وعنصريّة اقتصاديّة في مكان غيره؛ وهلّم جرّا.

بل إنّنا نلحظُ حالة من استحداث أنواعٍ جديدة من العنصريّة، حتّى إنَّ المرء ليحارُ في توصيفها أو تصنيفِها.

وفي السّنوات الأخيرة اشتدّت وطأة تصرّفاتٍ تندرج تحت التّمييز العنصريّ بحقّ اللاجئين الفلسطينييّن في لبنان على وجه الخصوص، وبحقّ اللاجئين السّوريين في لبنان وتركيا ومصر بشكلٍ أوضح من غيرها من المناطق والبلدان.

ولطالما تساءل الفلسطينيّون والسّوريّون الذين يعانون من قسوة وأذى هذه التّصرّفات العنصريّة عن الدّافع لها بحقّهم، وعن سبب هذه التّحيّزات التي تستهدفهم من بعض شرائح المجتمع اللبناني، ومن بعض فئات المجتمع التركي، ومن بعض الجهات في المجتمع المصري؛ ممّا أنتج تنميطات معينة يراد تعميمها على المجتمع عبر خطابٍ يفيضُ بالعنصريّة والشيطنة، ليغدو الفلسطينيّ والسّوريّ ملفوظا ومنبوذا في مجتمع لجأ إليه تحت وطأة القهر، وبفعل آلة الحرب الإجراميّة من الكيان الصّهيونيّ والنّظام السوريّ.

ومن خلال التدقيق في هذه الصّور والتّصرّفات العنصريّة، نجد أنّها لا تستهدفُ السّوريين جميعا ولا الفلسطينيين كلّهم؛ بل إنّها تعمد إلى اجتزاء واقتطاع وانتقاء مجموعة الفلسطينيين والسّوريين اللّاجئين الكادحين الذين يعيشون في مخيّمات اللجوء في شرّ حال، أو يتناثرون في المدن الفسيحة بغيرِهم الضّيقة بهم، ويعانون القهر والفقر والشدّة، ويكافحون لأجل لقمة عيشهم بكرامةٍ وعصاميّة رفيعة.

إنَّها عنصريّة "طبقيّة" تستهدف هذه الطّبقة المسحوقة والكادحة والعاملة والمريدة للحياة، رغم كلّ مرارات اللّجوء والظّروف المحبطة التي يعاني منها هذان الشّعبان المكلومان، وتستهدف الذين لا تشعر الشرائح العنصريّة بمكاسب ماديّة مباشرة وعاجلة من وراء وجودها.

وممّا يؤكّد أنّها عنصريّة "طبقيّة" أنّ الشّرائح التي تمارسُ هذه العنصريّة في خطابها وسلوكها، وتستهدفُ بها اللاجئين الفلسطينيّين والسّوريين لا تتعرّض بهذه الممارسات العنصريّة للطّبقات ذات الثّراء أو المستوى المعيشي المتقدّم التي تجني من ورائها مكاسب ذاتيّة عاجلة أو أرباحا مباشرة.

 فالسيّاح السوريّون وغيرهم من العرب مرحّبٌ بهم من الفئات التي تمارس عنصريّتها على اللاجئين السّوريين في تركيا، ويسعى هؤلاء في غالبيتهم في خدمتهم وإكرامهم وتكريمهم.

كما أنَّ الفلسطينيّين والسورييّن من أبناء الطّبقة المخمليّة أو المرتاحة ماليّا يلقون بالغ الخدمة والحفاوة والسّعي في مصالحهم؛ من الفئات ذاتها التي تُذكي نيران هذه العنصريّة وتنفخُ في لهيب الفتنة والشّقاق.

إنّها عنصريّة "طبقيّة" تتجلّى فيها بشاعتان اثنتان؛ بشاعة التّمييز والخطاب العنصريّ القائم على الكراهيّة والتّنميط والتّعميم، وبشاعة الانتقاء الطبقيّ القائم على الاستعلاء الممجوج على أناسٍ كرامٍ ذاقوا ويلاتِ الحرب والتّهجير واللّجوء، وقرّروا مواجهتها بالكفاح والثبات وإثبات الذّات، ولم يكونوا عالة على أحدٍ من الدّول أو المجتمعات التي استقبلتهم.

وممّا يجبُ التّأكيدُ عليه؛ هو أنَّ العنصريّة عموما والعنصريّة الطّبقيّة على وجه الخصوص لا تنشأ إلّا على مقومين اثنين هما: الانحياز والإسناد.

فالعنصريّة بوصفها فكرة تقوم على الانحياز الاستعلائيّ والتّنميط والشّيطنة، فإنّها لا يمكن أن تتحوّل إلى ظاهرةٍ أو تؤتي أيّة ثمارٍ نكدة دون وجود سندٍ ودعم من جهاتٍ لها قدرتها ونفوذها، وهذا هو المقصود بالإسناد أي جهةٌ داعمةٌ ومساندة.

وهذا يدفعنا إلى القول بكلّ وضوح بأنَّ ما يعيشه اللاجئون الفلسطينيّون والسوريّون من ممارساتٍ عنصريّة طبقيّة في لبنان أو تركيا أو مصر لا يتحمّلون هم مسؤوليّتها، ولا يجوز على الإطلاق تحميلهم مسؤوليّتها أو الإلقاء باللائمة بالدّرجة الرّئيسة عليهم، رغم تحمّل بعضهم بعضا من المسؤوليّة بدرجاتٍ أقلَّ بكثير؛ فهم ضحايا ولا يليقُ بالمنصفين تحميل الضّحايا المسؤوليّة الرئيسة على ما يعانونه من تحيّزاتٍ عنصريّة بحقّهم.

ومن يتحمّل المسؤوليّة المركزيّة والرّئيسة هم العنصريّون الذين فقدوا أدنى معاني الإنسانيّة، فضلا عن فقدانهم معاني الأخوّة والمروءة، وكذلك يتحمّل مسؤوليّة هذه الممارسات من هيّأ لهم الإسناد والتّغطية أو شجّعهم على إذكاء عنصريّتهم الطّبقيّة؛ عبر الصّمت وغضّ الطّرف عنها لحساباتٍ مختلفةٍ، لكنّها يقينا حساباتٌ لا تقيمُ وزنا حقيقيّا لكرامة الإنسان ولا لإنسانيّة الإنسان.