ملفات وتقارير

هل تتحول الحدود الأمنية المؤقتة في سوريا لحدود إدارية؟

طبع كل طرف المناطق التي يسيطر عليها بطابعه الخاص من حيث القوانين والوظائف والمناهج التعليمية- جيتي

بعد مرور ما يزيد على ثمانية أعوام على اندلاع الثورة السورية، أضحت الخارطة السورية مقسمة أمنيا إلى ثلاث مناطق بنفوذ دولي مختلف، نتيجة اختلاف الطرف المحلي المسيطر (نظام، معارضة، قسد).

ووفق مراكز بحثية متخصصة، يسيطر النظام السوري المدعوم روسيا على 61.92 بالمئة من مساحة سوريا (جنوب ووسط وأجزاء من الشمال والشرق)، فيما تسيطر قوات سوريا الديمقراطية "قسد" ذات الغالبية الكردية المدعومة أمريكيا على 27.84 بالمئة من مساحة سوريا (شمال شرق)، في حين تسيطر المعارضة السورية المدعومة تركيا على 10.24 بالمئة من مساحة سوريا (شمال غرب، وجيب في البادية- التنف).

وبحسب معلومات رصدتها "عربي21" من مصادر متنوعة، فقد طبع كل طرف المناطق التي يسيطر عليها بطابعه الخاص من حيث القوانين والوظائف والمناهج التعليمية، حيث تحولت كل منها إلى أشبه بالمنطقة المستقلة، التي تربطها بالمناطق المجاورة معابر برية مخصصة لعبور البضائع التجارية والأشخاص.

وباستثناء المعارك المحتدمة على أجزاء من الخطوط الأمنية الفاصلة بين مناطق سيطرة المعارضة في ريف حماة ومناطق سيطرة النظام، تشهد بقية الخطوط حالة من الاستقرار النسبي، الأمر الذي يؤشر إلى حالة من الاستكانة لدى كل الأطراف إلى نسب خارطة النفوذ الحالية، باستثناء بعض التصريحات التي يطلقها عدد من مسؤولي النظام السوري من حين لآخر، حول عزم الأخير استعادة كل المناطق الخارجة عن السيطرة.

من جانبه، قال الباحث بالشأن السوري، فراس فحّام، إن الخطوط الأمنية التي تفصل مناطق النفوذ الثلاث (نظام، معارضة، قسد) عن بعضها، هي في الواقع أشبه ما تكون بالحدود الإدارية السياسية المعترف بها، مؤكدا في حديثه لـ"عربي21" أن "الولايات المتحدة رسمت حدود مناطق شرق الفرات الخاضعة لسيطرة "قسد"، وحددتها مناطق محرمة على باقي القوى، منذ قرابة ثلاثة أعوام".

 

اقرأ أيضا: إلى أين وصلت المباحثات حول "اللجنة الدستورية" السورية؟

ثبات على المدى المتوسط

وما يؤكد ذلك، وفق فحّام، قيام طائرات "التحالف الدولي" بقيادة واشنطن باستهداف رتل تابع لمليشيات روسية (فاغنر)، وذلك خلال محاولة الأخيرة تجاوز الحدود المتفق عليها في الضفة الشرقية لنهر الفرات بدير الزور، في أيار/ مايو 2018".

وتابع بأن التحركات السياسية التي تقوم بها الولايات المتحدة بالتنسيق مع بعض الأطراف العربية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، تشي بأن هناك توجها أمريكيا لإبقاء المناطق السورية على وضعها الراهن، على المدى المتوسط على أقل تقدير"، وذلك في إشارة إلى زيارة الوزير السعودي لشؤون الخليج العربي، ثامر السبهان، إلى دير الزور رفقة وفد أمريكي، الشهر الماضي.

وبموازاة ذلك، أشار فحّام كذلك إلى الخطط الأمريكية الرامية إلى زيادة التنسيق مع العشائر العربية لإخراج المليشيات الإيرانية من دير الزور بشكل كامل، الأمر الذي من شأنه توسيع رقعة سيطرة "قسد"، ما يعني بقاء الحدود وليس ذهابها، على حد تأكيده.

واعتبر أن "من الواضح أن الولايات المتحدة باقية في المنطقة إلى فترة غير معلومة، ما يقفل الباب على حدوث تغييرات على الوضع الحالي للمناطق السورية".

ومتفقا مع الرأي السابق، أشار المحلل الاقتصادي منذر محمد، في حديثه لـ"عربي21"، إلى ازدياد المؤشرات على تحول الحدود الأمنية المؤقتة إلى حدود إدارية وسياسية، نتيجة الجمود السياسي والعسكري.

وقال إن "فرض الرسوم على حركة البضائع فيما بين هذه المناطق من كل الأطراف حتى من جانب النظام، يعكس اعترافا من كل الأطراف بشرعية الحدود".

وقال إن "النظام السوري اليوم يشتري النفط المنتج في مناطق سيطرة "قسد"، والقمح وغيرها من المواد الغذائية".

وتابع محمد بأن السكوت وعدم الاعتراف علنيا من جانب الأطراف السورية بالواقع التقسيمي الذي تعيشه سوريا، لا يعني نفي ذلك، وأضاف ساخرا: "لم يعد ينقص المواطن السوري الذي يريد التنقل بين هذه المناطق إلا جواز السفر، ويبدو أن هذا الأمر سيطبق قريبا".

 

اقر أ أيضا: تعرف على أبرز المستفيدين من تواصل الدمار في سوريا

ومدللا على ذلك، أشار إلى منع النظام للأهالي بالتوجه إلى مناطقهم، من بينهم أهالي عفرين الذين مُنعوا من دخول مدينة حلب.

وبحسب أنباء مؤكدة، أطلقت دورية تابعة للنظام، مطلع الأسبوع الحالي، النار على حافلة ركاب من عفرين عند مدخل مدينة حلب من الشمال، ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص من الركاب الذين كانوا يريدون دخول حلب من الطرق الفرعية، بعيدا عن أعين حواجز النظام. 

من جانب آخر، أشار محمد إلى فرض "قسد" على الأشخاص الراغبين دخول مناطقها، اصطحاب كفيل كردي من سكان مناطق سيطرتها.

وتساءل محمد: "ماذا يعني كل ما سبق"، وأجاب: "ألا يعني أن الحدود الأمنية الآن هي حدود سياسية أيضا، تفصل مناطق مستقلة تماما"؟.  

بوابة للحل السياسي

ويبدو أن تثبيت هذه الحدود الأمنية بات مطلبا دوليا لتجميد الصراع العسكري، تمهيدا لإطلاق العملية السياسية للحل في سوريا، جاء ذلك وفق ما أكده الكاتب الصحفي والباحث يحيى الحاج نعسان لـ"عربي21".

وأوضح أنه "بحسب تسريبات غير مؤكدة، فإن من بين الخيارات التي طرحت خلال الاجتماع الثلاثي الأمني (الأمريكي، الروسي، الإسرائيلي الأخير في القدس المحتلة، الذي تناول الشأن السوري، خيار تثبيت الوضع على ما هو عليه، والعمل على كل منطقة وحدها، وحكمها من قبل مجالس محلية، إلى حين الوصول إلى حل سياسي ناجز لجميع هذه المناطق معا".

وسبق أن نشرت صحيفة "هآرتس" العبرية أن قمة أمنية ثلاثية لروسيا وأمريكا وتل أبيب، استضافتها إسرائيل، أواخر حزيران/ يونيو الماضي في مدينة القدس المحتلة، لمناقشة الوضع في سوريا.

ويأتي حديث المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسن، قبل أيام، عن رغبته تجميد المصادمات المسلحة، وتعزيز العملية السياسية، ليؤكد حرص الأمم المتحدة على بقاء الحدود الأمنية دون تغييرات، وذلك لتهيئة المناخ للدخول في العملية السياسية.

هل هو التقسيم؟

وفي السياق ذاته، رأى يحيى الحاج نعسان، أنه إن "صحت التسريبات عن نية الأطراف الدولية والإقليمية تثبيت وضع المناطق السورية على حاله، وموافقة الأمم المتحدة على ذلك، فإن سوريا ذاهبة نحو منعطف تاريخي جديد".

وتابع: "قد تكون البلاد ذاهبة فعلا نحو التقسيم من دون شك"، وعلق بقوله: "لربما هذه المسألة بعيدة عن تصورنا كسوريين لمستقبل بلادنا، رغم أن التقسيم اليوم صار واقعا على الأرض".

 

اقرأ أيضا: هكذا أثرت الأزمة المتواصلة بسوريا على قطاعي النفط والغاز

واستدرك الحاج نعسان: "قبل نحو 100 عام من الآن، صُدم أجدادنا بخريطة سوريا الحالية، التي كانت جزءا من فضاء إسلامي واسع ممتد من إسطنبول إلى اليمن"، مضيفا: "كل تلك التصورات كانت مستبعدة في أذهان أجدادنا، لكنها حدثت".

ونبه الكاتب الصحفي إلى خطورة الذهاب نحو هذا السيناريو، معربا عن أمله في ألّا يحدث ذلك، داعيا في ختام حديثه لـ"عربي21" إلى عدم استسهال الدعوات إلى التقسيم.

يذكر أن كل الأطراف السورية تشدد على رفضها التقسيم، وتعلن أنها تريد سوريا دولة موحدة لكل السوريين.