أفكَار

لماذا تتوسع دائرة اختلافات الإسلاميين فيزدادون تشظيا؟

الشنقيطي: ليس من اللازم ولا من الممكن أن تتوافق القوى السياسية الإسلامية في الاجتهادات الفقهية التي اختلف فيها المسلمون عبر العصور
امتدت ظاهرة اختلافات الإسلاميين على تعدد مدارسهم واتجاهاتهم إلى داخل الاتجاه الإسلامي الواحد، ما نتج عنه اتجاهات وتيارات تتصارع على أحقيتها في حمل اسم ذلك الاتجاه والانتساب إليه، وهو ما عمق ظاهرة التشظي والتشرذم في أوساط جماعات العمل الإسلامي المختلفة.  

ووفقا لمراقبين، فإن حالة التشظي والتشرذم داخل الاتجاه الواحد لم تقتصر على قطر بعينه، بل تعدت ذلك إلى عدة دول، وأصابت أشد تلك الجماعات تماسكا وصرامة في تنظيمها، وأتت على رموز كبيرة، وشملت قيادات مرموقة من الصف الأول، وبات الجمع الواحد أشتاتا متفرقين.

في رصده وتحليله لتلك الحالة، لاحظ القيادي السابق في الحركة الإسلامية في الأردن، الدكتور عبد الله فرج الله، أن "دائرة الاختلافات الحادة بين الإسلاميين آخذة بالتوسع، حتى وصلت إلى غالب ميادين الإسلاميين، بدل أن تنحصر وتتراجع مع مرور الزمن، ونضوج التجارب، إذ الحاصل عكس ذلك تماما".

وأردف لـ"عربي21" قائلا: "الخلافات الحادة بين الاتجاهات الإسلامية معروفة ومشهورة، والآن تقدمت بخطوات سريعة، وغير محسوبة، لتحتل حيزا داخل الاتجاه الواحد، الذي بات بسبب حدة تلك الاختلافات اتجاهات وتيارات شبه متصارعة متنازعة".

وأضاف: "وفي غمرة ذلك كله، يغيب التشخيص الحقيقي والجاد والمقنع لمحل الاختلاف وموضوعه، ما يشعرك في أحيان كثيرة أن الاختلاف نابع من الأهواء، ويدور حول الأغراض الشخصية".

وأرجع فرج الله ظاهرة الاختلافات الحادة، والتشظي المتسارع إلى عدة أسباب، من أبرزها "صرامة التربية والتوجيه التي يتلقاها أتباع تلك الاتجاهات على اختلافها، ما يورثهم غلظة وحدة في التعامل مع المخالف وعدم تقبله، وفي الوقت نفسه التعصب الشديد للتوجه والرأي الذي يمثله الاتجاه، واستسهال الطعن في الآخرين، واحتكار الفهم الصحيح للنص الديني".

ولفت إلى أن "اختلافات الإسلاميين الحادة والعميقة هو ما يفسر صعوبة التقائهم وتعاونهم رغم ما يحيط بهم جميعا من تحديات تستهدف وجود الإسلام من أصله، بل يزداد تعنتهم، وتتعمق خلافاتهم وهم يرون كيف يتحد أعداء الأمة على اختلاف مشاريعهم وأقطارهم، في المكر  بهم، والتآمر عليهم".

ورأى فرج الله أن "توسع دائرة اختلافات الإسلاميين، وتشظي جماعاتهم، يؤكد غياب المشروع الذي يؤسس لنهضة الأمة من جديد لدى هذه الاتجاهات، الذي يستوعب الجهود وينظمها، ويدفع صاحبه لفتح خطوط تواصل مع الآخرين، ويبحث عن سبل وأوجه التعاون فيما بينهم".

وتابع: "ونظرا لغياب المشروع العام، فإن أتباع تلك الاتجاهات ينخرطون في الجزئيات والفرعيات والتفاصيل، وهنا يكمن الشيطان، وعليه تتضخم الخلافات، وتزداد الانقسامات".

من جهته، رأى أستاذ الأخلاق السياسية بجامعة حمد بن خليفة في قطر، الدكتور محمد المختار الشنقيطي، أن "ما يميز القوى الإسلامية السياسية عن غيرها من القوى السياسية الأخرى في العالم العربي هو الإيمان بمكانة الإسلام في الشأن العام، والتمسك بالمرجعية التشريعية والأخلاقية الإسلامية، واعتبار الإسلام مصدرا للانتماء والولاء مقابل القومية وغيرها من الهويات".

وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "كما أن القوى السياسية الإسلامية -باستثناء جماعات سلفية جهادية هامشية على ضفافها- ديمقراطية الطابع والخيار، وهذه القضايا الكبرى تكفي لوحدة تلك القوى في إرادتها واستراتيجياتها الكبرى، مع احتفاظ كل منها بخصوصيته الفكرية (سلفي أو خلفي)، والتنظيمية (إخواني أو غير إخواني)".

وواصل الشنقيطي شرح فكرته بالقول: "ليس من اللازم ولا من الممكن أن تتوافق القوى السياسية الإسلامية في الاجتهادات الفقهية التي اختلف فيها المسلمون عبر العصور، ولا في المناهج الإصلاحية المرتبطة بسياقات الزمان والمكان والإمكان، ولا في استراتيجيات العمل، وهي مسائل تقديرية وذوقية".

وردا على سؤال حول إقدام بعض اتجاهات الإسلاميين على التعاون مع قوى علمانية وقومية ونفورها من التعاون مع اتجاهات إسلامية أخرى، وصف الأكاديمي الموريتاني ذلك بـ"قصر النظر"، مضيفا: "بل ربما يكون تعبيرا عن مركب نقص تجاه العلماني، واستعلاء على الإسلامي المخالف".

وتمنى الشنقيطي أن "يرى كل القوى الإسلامية الديمقراطية صفا واحدا في وجه الاستبداد والفساد، وضد الحرب الدائرة اليوم على الوجود الإسلامي، والهوية الإسلامية"، محددا "من لا يرى إمكان التلاقي معهم مطلقا، أنهم أولئك الذين يستهدفون الهوية الإسلامية، ويسعون إلى فرض الرهبانية السياسية على جماهير المسلمين، وسلخ الإسلام من رسالته في الشأن العام".

وتابع: "كذلك حلفاء الاستبداد الذين يتحالفون معه أو يسوغونه، ويرفضون خيار الشعوب في اختيار من يسوس أمرها، سواء كانوا جهاديين مغالين، أو علمانيين معادين".

وفي السياق ذاته، قال الأكاديمي والباحث الأريتري، الدكتور حسن سلمان، إنه "على الرغم من أن الاختلاف في الرأي والفهم أمر طبيعي لأسباب عديدة، إلا أن كثيرا من اختلافات الإسلاميين الراهنة لا علاقة لها بالفهم والاجتهاد العلمي، وإن أخذت طابعا علميا"، مرجحا أن تكون في معظمها "خلافات سياسية وليست علمية، مستذكرا ما قاله الكواكبي "واختلافهم في الدين بسبب اختلافهم في السياسة".

وأوضح سلمان لـ"عربي21" محل الخلاف في تلك الأمور السياسية "فالداخلي منها يرجع إلى الموقف من الأنظمة السياسية، وطبيعة التعامل معها، مع التأكيد على وجود دوافع سياسية مرتبطة بتفاهمات خارجية لها آثارها في الخلافات التي نراها في الحالة الإسلامية". وضرب مثلا لذلك "بتوظيف الغرب لورقة الخلافات بين الحركة الجهادية، وما يسميه بحركات الإسلام السياسي، فيقرب الثانية في مواجهته للتيار الجهادي، وغالبا ما يتم ذلك ضمن تفاهمات سرية أو معلنة".

وإجابة عن سؤال حول إمكانية تقارب الإسلاميين وتعاونهم على المشتركات مع احتفاظ كل اتجاه بخصوصياته، أكدّ سلمان أن بداية الطريق الصحيح تبدأ "من التحرر السياسي، ومن ثم مراعاة مصالح الأمة الكلية، وما أكثرها، في إطار ثوابت الشرع، ويسعهم بعد ذلك الاختلاف في الفرعيات، لأن معركة الأمة الكبرى هي تحرير الإنسان والأوطان من الاستبداد الداخلي والتبعية الخارجية".

وشدد سلمان في ختام حديثه على أن "إنجاز تلك المهام يتطلب توحيد صفوف جميع العاملين تجاه هذه المعركة الكبرى، وبعد عودة سيادة الأمة وحريتها، وبناء مؤسساتها، سنجد أن كثيرا من خلافاتنا هامشية وثانوية، وفي الوقت نفسه قابلة للحل، لأن وجود السلطة السياسية المركزية واجتهادها سيرفع الخلاف عمليا، لكن في غيابها يكثر الهرج".