نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا للصحافي إيشان ثارور، يقول فيه إنه إذا كانت هناك فكرة توحد السياسة الخارجية المتضاربة عادة للرئيس ترامب، فهي مفهوم "أقصى ضغط".
ويشير ثارور في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "ترامب استخدم مصطلح (أقصى ضغط) بشكل أساسي في الحديث عن فرض العقوبات القوية، وبالطبع التغريدات الرئاسية الحارقة ضد كوريا الشمالية، ما اضطر زعيم البلد كيم جونغ اون إلى التفاوض مع ترامب".
ويلفت الكاتب إلى أن "هذه السياسة تبرز أيضا في ضغطه الشديد على الفلسطينيين، في محاولة منه لإرغامهم على تقديم تنازلات جديدة لإسرائيل، وهي السياسة ذاتها التي يستخدمها البيت الأبيض في تعامله مع الأزمة في فنزويلا، حيث شجب بصوت عال نظام الرئيس نيكولاس مادورو، بالإضافة إلى أنه فرض عقوبات على مسؤولين كبار، ويستمر في محاولة الإطاحة بمادورو لصالح المعارضة السياسية".
وينوه ثارور إلى أن "هذا التكتيك واضح أيضا في حملة الأبيض ضد الجمهورية الإسلامية، في الوقت الذي يسعى فيه لخنق الاقتصاد الإيراني بمنع تصدير النفط الإيراني".
ويقول الكاتب إنه "في هذه الحالات (ودون ذكر لمشاحنات ترامب مع الصين وأوروبا والآن الهند أيضا)، يصر الرئيس على أنه يعوض التساهل الذي مارسه أسلافه، وفي نظر ترامب فإن معارضيه المحليين كانوا ولا يزالون سذجا جدا وبسطاء جدا ولينين جدا؛ وأن التحديات الجيوسياسية الشائكة التي تواجه أمريكا تحتاج إلى نمطه الخاص من الفعل القوي أحادي الجانب، ومع أن ذلك قد لا يعني الحرب -التي يصر ترامب على أنه لا يريدها- إلا أنه يعني أفعالا عدائية تفرض إرادة أمريكا على العالم".
ويستدرك ثارور بأن "ما يتكشف هو أنه مهما كان تهديد ترامب، فإن جهود (أقصى ضغط) لا تأتي بالنتائج التي يقول إنه يسعى للحصول عليها، وفي بعض الحالات فإنها تأتي بنتائج عكسية، ما يعقد الأمور بالنسبة لأمريكا وحلفائها الساخطين".
ويجد الكاتب أن "إيران تقدم أفضل مثال لمخاطر استراتيجية ترامب، فطهران ووشنطن واقعتان في مواجهة خطيرة في الخليج، وازداد التوتر فجأة بعد الهجمات المتفجرة على ناقلات النفط، التي تعتقد أمريكا وعدة حكومات أخرى بأن القوات الإيرانية هي من قامت بتلك الهجمات، وأرسلت إدارة ترامب 1000 جندي إضافي للمنطقة، في الوقت الذي دعا فيه بعض الصقور في واشنطن إلى ضربات انتقامية ضد البحرية الإيرانية".
ويفيد ثارور بأن الأمور زادت سخونة يوم الخميس، بعد أن اعترفت إيران بأنها أسقطت طائرة تجسس بحرية مسيرة أمريكية بالقرب من مضيق هرمز، وقال الحرس الثوري الإيراني في بيان له، بأنه استهدفوا طائرة مسيرة عندما دخلت المجال الجوي الإيراني، لكن القيادة المركزية الأمريكية قالت بأن الطائرة كانت فوق المياه الدولية.
وتنقل الصحيفة عن ترامب، قوله في تغريدة: "لقد ارتكبت إيران خطأ كبيرا!"، مشيرة إلى أنه قال في الوقت الذي كان يجلس فيه بجانب رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو في البيت الأبيض، إن أمريكا "لن تقبل بهذا الأمر".
ويستدرك الكاتب بأن "ترامب يبدو أيضا أنه يريد أن يهدئ الأمور، حيث أشار إلى أن الهجوم (خطأ جديد) قد لا يكون مسؤولية القيادة الإيرانية مباشرة، وربما كان فعل جنرال أو (شخص غبي وغير منضبط)".
ويرى ثارور أن ذلك كان تراجعا واضحا عن عدوانيته المعتادة، مشيرا إلى أن الخبير في السياسة الخارجية الأمريكية في جامعة جون هوبكينز، فالي نصر، غرد قائلا: "إن افتراضات ترامب حول أقصى ضغط خاطئة.. وكان يجب على ترامب أن يفكر أن (الإيرانيين) ارتكبوا خطأ، وإلا فإن عليه أن يعترف بأن إنجازه العظيم لم يكن استسلام إيران، لكنه وضع (أمريكا) على مسار الحرب".
ويقول الكاتب إن "البلدين ربما يبقيان على هذا المسار الخطير، وكانت إدارة ترامب قد تراجعت عن الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه بين إيران وقوى عالمية، وقامت بإعادة فرض عقوبات شاملة ضد الاقتصاد الإيراني؛ لإجبار النظام في طهران على الحد من أنشطته في الشرق الأوسط، لكن المؤشرات الحالية كلها تشير إلى زيادة في التصرفات الإيرانية الاستفزازية، مع وجود زمرة من الصقور في الجانبين -بينهم مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، جون بولتون- الذين يتمنون الدخول في حرب".
وتورد الصحيفة نقلا عن المسؤولة السابقة في وزارة الخارجية الأمريكية ويندي شيرمان، التي كانت مشاركة رئيسية في مفاوضات الاتفاقية النووية، قولها لمجلة (ذي نيويوركر): "ما نعيشه الآن هو دورة تصعيد بين المتشددين في كلا البلدين.. إنهم يدفعون بعضهم البعض إلى مسار قد يقود إلى حرب غير ضرورية، وفي نظري ستكون مدمرة للغاية".
ويلفت ثارور إلى أن رغبة ترامب المعلنة بعدم التورط في حروب الشرق الأوسط تصطدم الآن مع المسار الذي اتخذته إدارته، مشيرا إلى قول المسؤول عن القسم الأمريكي في مجموعة الأزمات الدولية ستيفين بومبر: "إن تفضيل الرئيس ترامب للبقاء خارج حرب مع إيران ليس ضمانة كافية إذا ما أخذنا في عين الاعتبار مدى حرص مستشاريه على جعل مثل هذه الحرب حتمية".
ويقول الكاتب إن "أمريكا تجد نفسها مع قليل من الأصدقاء المستعدين للتورط في أعمال عدائية، ويعد بعض المسؤولين الأوروبيين الكبار بأن هذا الوضع المعقد هو أزمة من صناعة أمريكا، التي دفعت إيران وحشرتها في الزاوية لتقوم الأخيرة بأفعال عنيفة".
ويورد ثارور نقلا عن مسؤول كبير سابق في وزارة الدفاع، قوله للكاتب ديفيد إغناطيوس: "ليس هناك رصيد في البنك"، فيما يتعلق بالثقة مع الحلفاء الأوروبيين والآسيويين، وأضاف: "لقد استطعنا أن نعزل أنفسنا، بدلا من إيران، إن هذا حيز خال من الاستراتيجية".
ويعلق الكاتب قائلا إن "هذا (الحيز الخالي من الاستراتيجية) يمتد إلى أبعد من الخليج، فممارسة أقصى ضغط على الفلسطينيين، بما في ذلك إغلاق بعض القنوات الدبلوماسية وقطع المساعدات، تسببت فقط بالحكم بالفشل على أي فرص للتعاون مع مبادرة ترامب للسلام، وبعد الحديث بحدة عن فنزويلا، يعتقد بأن ترامب بدأ يفقد صبره واهتمامه بحملة الضغط الأمريكية ضد نظام مادورو".
ويقول ثارور: "بحسب زملائي، فإن ترامب هاجم مؤخرا بولتون وغيره من المسؤولين في الإدارة؛ بسبب قيام المعارضة الفنزويلية بـ(التلاعب) بهم، وقال مسؤول سابق في الإدارة لـ(واشنطن بوست): (واضح أن ترامب محبط بشأن قضية سياسة كان (يظنها دائما.. ثمرة قريبة) ويمكنه أن "يلوح بها على أنها مكسب وانتصار كبير في السياسة الخارجية")، وبدلا من ذلك لا يزال مادورو آمنا في كاراكاس، ويمكنه أن يتحدث بغضب لمؤيديه عن الخطط الأمريكية ضد حكمه".
ويذهب الكاتب إلى أن "رغبة ترامب الجامحة في الفوز ميزت أيضا سياسته تجاه كوريا الشمالية، وهي قوة تمتلك القنبلة الذرية، وقام الديكتاتور الذي يحكمها بالتلويح بالحرب، ما أغضب ترامب ابتداء، لكن بمجرد أن بدأت المحادثات الثنائية أصبح صديق الرئيس الأمريكي المحبب".
ويختم ثارور مقاله بالقول إنه "تم التراجع عن حملة (اقصى ضغط) على بيونغ يانغ، ومع استضافة كيم للرئيس الصيني شي جين بنغ، فإن احتمال نزع سلاح كوريا الشمالية النووي -وهو هدف ترامب المعلن- لم يعد واردا".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
إغناطيوس: كيف سيحسم الوقت المواجهة بين أمريكا وإيران؟
ديلي بيست: هل يتورط ترامب بالدفاع عن ناقلات لا تحمل نفطه؟
واشنطن بوست: هذه سلسلة إفلاسات ترامب بالسياسة الخارجية