ملفات وتقارير

في مصر.. صراع مصرفيين كبار يكشف فسادا بالمليارات

مراقبون يرون أن تتابع ظهور قضيتي الفساد لكبار المصرفيين بالبلاد هو تصفية حسابات بين طرفين- جيتي

فجر البنك المركزي المصري، الأربعاء، قضية فساد مالي كبير، حيث وجه محافظ البنك، طارق عامر، اتهاما للعضو المنتدب للبنك العربي الأفريقي الدولي السابق، حسن عبدالله، بإهدار 9.2 مليار جنيه، وارتكاب مخالفات، وصفها البنك المركزي بالجسمية.

القضية تأتي بعد أيام من كشف قضية فساد مالي طالت محافظ البنك المركزي ذاته طارق عامر، وزوجته الوزيرة السابقة للاستثمار داليا خورشيد.

مراقبون رأوا أن تتابع ظهور قضيتي الفساد لكبار المصرفيين بالبلاد هو تصفية حسابات بين طرفين، وحسب موقع "القاهرة24"، فإن طارق عامر يتهم حسن عبدالله بالوقوف وراء حملة ممنهجة لتشويهه أمام الرأي العام.

كما أن تفجير عامر قضية فساد حسن يأتي بعد فترة من إطاحة الأول بالثاني من إدارة البنك العربي الأفريقي، حيث لم يتم فتح أي ملفات فساد له بعد الإطاحة به حتى بدأت أزمة داليا خورشيد، زوجة عامر.

وأزمة خورشيد، تفجرت عندما منعت مؤسسة "الأهرام" المصرية طباعة عدد الأربعاء الماضي من صحيفة "الأهالي"؛ بسبب تحقيق صحفي عن شركة "إيجل كابيتال" للاستثمارات المالية المملوكة لجهاز المخابرات، التي تسيطر على سوق الإعلام والدراما بمصر، وتديرها خورشيد.

وإثر منع طباعة الصحيفة، تسرب محتوى التحقيق، كاشفا عن عمليات فساد تقوم بها الوزيرة السابقة ومتورط بها زوجها المسؤول المصرفي الأكبر بالبلاد، وصاحب قرارات "تعويم الجنيه" التي أغرقت العملة المصرية أمام العملات الأخرى، وكانت أحد أسباب وصول نسب الفقر بمصر لـ60 بالمئة.

وكشف تحقيق "الأهالي" أن خورشيد ارتكبت مخالفات جسيمة، مستغلة نفوذ زوجها للضغط على البنوك لمنع الحجز على إحدى شركات الكيماويات المتعثرة، والتابعة لنجل أسامة الباز السياسي الأشهر بعهد حسني مبارك، والمديونة بـ450 مليون جنيه، نحو 25 مليون دولار، عن طريق شركة استشارات تديرها الوزيرة السابقة.

 

وفي تعليقه، قال أستاذ التمويل والاقتصاد بجامعة "إسطنبول صباح الدين زعيم"، الدكتور أشرف دوابه، إن "الفساد يرتبط بعدم وجود الشفافية وغياب الإفصاح"، مضيفا أن "الشفافية والإفصاح عاملا نجاح لا يتواجدان في ظل الاستبداد".

وفي رده على تساؤل: كيف تدار مصر مع هذا الفساد؟ أكد رئيس الأكاديمية الأوربية للتمويل والاقتصاد الإسلامي بحديثه لـ"عربي21" أن "الفساد بكل أنواعه والاستبداد السياسي وجهان لعملة واحدة، حتى أن القرآن الكريم لما تكلم عن فرعون وفساده قال: (الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد)".

وبشأن وقوع عمليات الفساد المليارية تلك في ظل أجهزة الرقابة وجهاز الرقابة الإدارية صاحب الصيت مؤخرا، قال الأكاديمي المصري إن "كشف الفساد كما حدث في واقعتي طارق عامر وزوجته، وحسن عبدالله ومجموعته؛ مرتبط بحدوث الصراعات بين القوى أو اختلاف المصالح بينهم"، مشيرا إلى غياب دور الأجهزة الرقابية.

وتساءل: "هل توجد إرادة حقيقية لدى النظام ولدى الأجهزة الرقابية للإصلاح في البلاد؟"، مجيبا: "هذه الإرادة غير موجودة، والدليل على ذلك وقائع الفساد تلك"، مؤكدا أنه "ما دام هناك عسكرة للاقتصاد فسيظل هناك فساد".

ويرى المحلل الاقتصادي، محمد نصر الحويطي، أن فساد القطاع المصرفي، وتحديدا لرؤساء البنوك الكبرى، لم تتم إثارته من قبل بهذه الطريقة، معتقدا أنها "حرب بالوكالة، وكل طرف يضرب الثاني تحت الحزام، وكل طرف معه ناسه وسدنته وأدواته وإغراءاته".

وبشأن غياب الأجهزة الرقابية وأنظمة الدولة عن كشف ذلك الفساد، أشار الحويطي في تعليقه لـ"عربي21" إلى قلة المعلومات وضعف الشفافية حول القضيتين، مؤكدا أنها "معركة بين الفريقين، ولا أستطيع حشر الدولة بهذا الحوار، لأنها معركة وثأر ونزاع على الكراسي".

وحول ارتباط أسماء نجل أسامة الباز بقضية فساد داليا خورشيد، ونجل الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل بقضية فساد حسن عبدالله، وما لذلك من دلالة حول سيطرة نظام مبارك على ما تبقى من الاقتصاد، علق الحويطي بقوله: "يا ليت النظام القديم يعود ليسيطر على الاقتصاد"، مؤكدا أن "ذلك أهون بكثير".

وبشأن فساد محافظ البنك المركزي وزوجته، قال أستاذ الاقتصاد، مجدي ماجد، إنهما كانا "يبيعان الهواء بزجاجات لرجال الأعمال والبنوك"، موضحا أنهما "يقومان بعمليات وساطة عبر شركة استشارات مالية، ويقدمان تسويات مالية بين شركات مدينة وبين بعض البنوك، تقوم خورشيد بدور الوسيط، وعامر، بتمريرها مع البنوك".

وقال صحفي مصري مطلع على القضية لـ"عربي21" إن هناك "تكهنات بعدم تمديد النظام لمحافظ البنك المركزي طارق عامر لمدة جديدة، خاصة أن مدته الحالية تنتهي بعد شهرين فقط".

 

وفي توصيفه للقضيتين، قال الباحث الاقتصادي، محمد النجار، إنه "عندما يختلف الشركاء تظهر الرائحة العفنة.. طارق عامر، وحسن عبد الله"، مضيفا أن هذا "أمر يشكل فضيحة تضارب مصالح واضحة".

النجار قال عبر صفحته بـ"فيسبوك"، إن الخلاف بين عامر وعبد الله، الذي كان صديقا شخصيا لعلاء مبارك، بدأ عندما أقال الأول الثاني من رئاسة مجلس إدارة البنك العربي الأفريقي، ومؤخرا اتهم عامر عبدالله بأنه استولى على مكافآت 24 مليون دولار بعام واحد، وحصل مع مجلس إدارة البنك على 112 مليون جنيه مكافآت بعام واحد، وحول 9 مليارات جنيه للخارج.

وأكد النجار أن عامر لم يتهم عبدالله إلا عندما نشرت بعض المواقع وجريدة الأهالي تقارير بأن زوجة عامر استخدمت سلطات زوجها لتأجيل سداد وجدولة قرض لإحدى الشركات، كما فعلت ذلك مع شركات أخرى.

وختم بالقول: للأسف الشكل يوحي بأننا نقوم بالتطهير، لكن الحقيقة منطق العزبة ما زال يعمل.