سياسة عربية

مقال في MEE: مناصرة الصهيونية ومعاداة السامية لا ينفصلان

مسعد: يريد أنصار إسرائيل تصحيح السجل، والتأكيد على أن معاداة السامية لم تعد أيديولوجيا يمينية

نشر أستاذ سياسة العرب الحديثة وتاريخ الأفكار في جامعة كولومبيا، جوزيف مسعد، مقالا في موقع "ميدل إيست آي"، تحدث فيها عن معاداة الصهيونية، وارتباطها بفكرة مناصرة الصهيونية.

 

وقال في مقالته إن "مناصرة الصهيونية ومعاداة السامية لا ينفصلان، وهكذا كانا دوما".

 

وفيما يلي المقال كاملا الذي ترجمته "عربي21":

 

مناصرة الصهيونية هي الشكل الوحيد المحترم لمعاداة السامية اليوم، حيث يرحب بها من قبل الحكومة الإسرائيلية وأنصار الصهيونية من القوميين البيض في كل مكان في السنوات الأخيرة، وفي خضم النجاح المتزايد لحركة بي دي إس لمقاطعة إسرائيل، راحت الأصوات المناصرة لإسرائيل تعبر عن كثير من القلق بشأن الدوافع المعادية للسامية لدى جميع الحركات المناهضة للاستعمار الاستيطاني ولعنصرية الدولة وللاحتلال العسكري الإسرائيلي.

يريد أنصار إسرائيل تصحيح السجل، والتأكيد على أن معاداة السامية لم تعد أيديولوجيا يمينية وإنما أيديولوجيا مستشرية في داخل اليسار. 

ليست هذه استراتيجية جديدة، وإنما مخطط إسرائيلي ترعاه الدولة لمهاجمة الفلسطينيين وتشويه صورة منتقدي إسرائيل في أوساط منتسبي اليسار في الولايات المتحدة وفي أوروبا والذين بدأوا يوجهون النقد لإسرائيل ما بعد عام 1967. 

قمع الفلسطينيين

خلال العقدين ما بين قيام الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي وغزو إسرائيل في عام 1967 لكل من سوريا والأردن ومصر، كان اليسار الأمريكي والأوروبي متيما بالبلد، يدافع عنها في كل مناسبة ويدفع عنها المزاعم بأنها طردت وقمعت أهل البلاد الأصليين من الفلسطينيين الذين اغتصبت منهم أراضيهم ومعايشهم. 

ولكن ما بعد اجتياحات عام 1967، ومع صعود حركات الحقوق المدنية والنضال من أجل الحرية في الولايات المتحدة، وتفجر انتفاضة الطلاب في فرنسا وفي غيرها، بدأ الوضع يتغير. بدأت أقلية من اليساريين البيض في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية في رفع صوتها منتقدة إسرائيل للمرة الأولى، الأمر الذي بث الذعر في القيادة الإسرائيلية وفي الدوائر المناصرة للصهيونية في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية. 

مقارنة بالوضع الحالي، حيث كرست الحكومة الإسرائيلية موارد مالية ضخمة لتحدي مثل هذا النقد – بما في ذلك تخصيص 72 مليون دولار لمواجهة حركة بي دي إس للمقاطعة – كان ردها في عام 1972 أقل حسماً، إن لم يكن أقل فاعلية. ففي مؤتمر سنوي في إسرائيل برعاية المؤتمر اليهودي الأمريكي، عرض وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك، أبا إيبان، الاستراتيجية الجديدة، قائلاً: "لا يخطئن أحد، فاليسار الجديد هو مؤلف معاداة السامية الجديدة وأبوها ... وإن التمييز بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية ليس تمييزاً على الإطلاق. فمعاداة الصهيونية ما هي ببساطة سوى معاداة السامية الجديدة".

ولئن كان النقاد من الأغيار قد وبخوا على أساس أنهم معادون للسامية، ذهب أبا إيبان إلى اعتبار أن اثنين من النقاد الأمريكيين اليهود (ناعوم شومسكي وآي إف ستون) يعانيان من عقدة "الذنب بشأن نجاة اليهود وبقائهم على قيد الحياة". وقال إن قيمهم ومعتقداتهم – ويقصد بذلك معاداتهم للاستعمار وللعنصرية – "تتناقض وتصطدم مع عالمنا نحن من القيم اليهودية".


حينما اعتبر أبا إيبان أن الاستعمار الإسرائيلي والسياسات العنصرية الإسرائيلية ما هي إلا تقليد يهودي، فقد كان ذلك جزءا أساسيا من سعي الحركة الصهيونية لتوريط جميع اليهود فيما عليه إسرائيل من ممارسات ومثل. 

تحالف قديم

إن استراتيجية مساواة معاداة الصهيونية بمعاداة السامية ما هي في حقيقة الأمر سوى استراتيجية تستهدف إخفاء وصرف الانتباه عن معاداة السامية الحقيقية والقديمة والتي كانت دوماً حليفا للحركة الصهيونية – ذلك التحالف الذي يعود إلى العقد الأخير من القرن التاسع عشر ومازال قائما حتى يومنا هذا. 

فهذا مؤسس الصهيونية ثيودر هيرتزل يشرح في كتيبه الذي صدر في عام 1896 بعنوان "الدولة اليهودية" أن الصهيونية مشروع يشترك مع المعادين للسامية في الرغبة في تفريغ أوروبا من سكانها اليهود حتى يتسنى إرسالهم إلى أرض مستعمرة خارج أوروبا. 

واشتهر عنه الإعلان بأن "حكومات جميع البلدان المبتلاة بمعاداة السامية سوف تكون مهتمة جدا بمساعدتنا في الحصول على السيادة التي نريد" وأنه "ليس فقط اليهود الفقراء" هم الذين سيساهمون في صندوق لدعم هجرة لليهود الأوروبيين، وإنما سيفعل ذلك أيضا المسيحيون الذين يرغبون في التخلص من هؤلاء اليهود".

وأضاف في مذكراته: "سوف يصبح المعادون للسامية أصدقاءنا الذين نعتمد عليهم أكثر من غيرهم، وستصبح البلدان المعادية للسامية حلفاءنا".


وحينما ارتفعت فورة من معاداة السامية في بريطانيا في مطلع القرن العشرين بسبب السماح للمهاجرين اليهود بالفرار إلى بريطانيا هربا من المذابح المدبرة في روسيا، كان هيرتزل هو الذي أشار على المسؤولين البريطانيين المعادين للسامية بأن دعم الاستعمار الاستيطاني الصهيوني في فلسطين سوف يعفيهم من الحاجة إلى السماح للاجئين اليهود بالقدوم إلى بريطانيا. 

كان حليف هيرتزل البريطاني آنذاك هو وزير المستعمرات السابق جوزيف تشامبرلاين، والذي كان يعتقد بأن المال "اليهودي" بإمكانه مساعدة الإمبريالية البريطانية إذا ما دعمت بريطانيا المشروع الصهيوني. 
وحينما تزعم رئيس الوزراء البريطاني آرثر بلفور عملية تمرير قانون الأجانب لعام 1905 عبر مجلس العموم بهدف حظر هجرة اليهود من شرق أوروبا، كان كل همه إنقاذ البلاد من "الشرور التي لا شك فيها" للهجرة اليهودية. 

ومثله مثل تشامبرلاين، كان بلفور يفكر بوجهة أخرى للمهاجرين اليهود. والأمر هنا لا يتعلق بأن بلفور كان بادئ ذي بدء معاد للسامية ثم أصبح مناصرا لليهود عندما أصدر إعلان (وعد) بلفور في عام 1917، وإنما يتعلق بحقيقة أن رؤاه المناصرة للصهيونية كانت تتغذى على معاداته للسامية.


الدمج الذي قام به تشيرشيل

يعتبر الصهاينة وينستون تشيرشيل بطلا آخر من أبطال "الشعب اليهودي". هذا على الرغم من أن معاداة تشيرشيل للسامية كانت أسطورية كذلك. فقد كان يرى أن الشيوعية مؤامرة يهودية تهدف إلى السيطرة على العالم، ولكنه في نفس الوقت دعم الصهيونية، وذلك لأنه كان يرى فيما تقدمه من حل استعماري استيطاني "للمشكلة اليهودية" وسيلة ناجعة لتحجيم الشيوعية. 

يمكن للمرء أن يجادل، في الظاهر، بأنه فيما عدا المواقف الأيديولوجية والانتهازية لهيرتزل، ربما كان الرواد الصهاينة في حالة من الضعف واليأس ألجأتهم إلى التحالف للأسف مع الشيطان في سبيل إنجاز مشروعهم، الأمر الذي جعلهم يتسامحون رغما عنهم مع معاداة السامية التي كان يتسم بها حلفاؤهم. 


إلا أنه من الصعب القبول بمثل هذه الحجة أو المبرر، ليس فقط لأن القيادة الإسرائيلية اليوم وحلفاءها المناصرين للصهيونية في أوروبا وفي الولايات المتحدة ما يزالون يحتفون بشخصيات مثل تشامبرلاين وبلفور وتشيرشيل، ولكن أيضا – والأهم من ذلك – لأن قادة إسرائيل، مثل القيادة الصهيونية في الفترة التي سبقت قيام الدولة، استمروا في التحالف مع المعادين للسامية ومع المستوطنين المستعمرين البيض منذ إقامة الدولة في عام 1948.

والأكثر من ذلك أن قادة البلد، مثل الصهاينة في فترة ما قبل قيام الدولة، استمروا في تجاهل معاداة السامية عندما تصدر عن قوى مناصرة للصهيونية، أو على الأقل عندما تصدر عن قوى ليس معادية للصهيونية. خذ على سبيل المثال صمت إسرائيل على معاداة السامية المكارثية في خمسينيات القرن العشرين في الولايات المتحدة، والتي استهدفت اليهود على اعتبار أنهم شيوعيون واستهدفت الشيوعيين على اعتبار أنهم يهود، وذلك في شكل مشابه لما كان يصدر عن تشيرشيل من الدمج بين ما هو يهودي وما هو شيوعي.

اختارت الحركة الصهيونية أن تطلق على دولتها الاستيطانية الاستعمارية اسم "إسرائيل" وهو الاسم الذي منحته التوراة ليعقوب، بحيث يصبح أبناء إسرائيل هم "الشعب اليهودي". لم يكن هذا الاختيار اعتباطياً. بل من خلال إطلاق هذا الاسم على دولتها، أدخلت الحركة الصهيونية جميع اليهود في مشروعها الاستيطاني الاستعماري، حتى حينما لم تكن أغلبية اليهود في العالم تدعم الحركة وعلى الرغم من أن معظمهم مازالوا حتى يومنا هذا يرفضون العيش في إسرائيل.

المضي على خطا هيرتزل

إذا ما أصبحت الصهيونية كلمة أخرى مرادفة لليهودية واليهود، وإذا كانت إسرائيل هي الشعب اليهودي – وليس فقط دولتهم المزعومة – فإن جميع مناصري الصهيونية تزول عنهم بحكم الواقع صفة معاداة السامية. وبالفعل، إذا كانت معاداة السامية الكلاسيكية هي ممارسة العنصرية ضد يهود الشتات، فبالتالي لا يوجد لدى الحركة الصهيونية ما يقلقها، حيث أن هدفها المعلن كان، وما يزال، هو إنهاء الشتات اليهودي.

ولهذا السبب فإن المعادين للسامية، إذا كانوا مناصرين للصهيونية، تعتبرهم إسرائيل مؤيدين لها أو مناصرين لليهود، أما من يعادون الصهيونية وينتقدون دولة إسرائيل، ويعارضون في نفس الوقت معاداة السامية الكلاسيكية التي تستهدف يهود الشتات، فإنهم يطعن بهم على اعتبار أنهم معادون حقيقيون للسامية. 


ما يبعث على القلق أن الإقرار الرسمي الأخير من قبل الولايات المتحدة وأوروبا وبريطانيا بالمساواة من قبل الحكومة الإسرائيلية بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية يغيب فيه أي ذكر لمعاداة السامية المستوطنة في الدوائر المناصرة لإسرائيل ما قبل عام 1967 وما بعده.


كما هو متوقع، عند التعامل مع المعادين للسامية من أنصار إسرائيل وأنصار الصهيونية، لم يتم بتاتا التعبير عما أبداه أبا إيبان من قلق تجاه "معاداة السامية الجديدة".


يذكر في هذا الصدد أن إسرائيل دعمت دكتاتور الباراغواي ألفريدو ستروسنر، الذي شن حملات معادية للسامية ضد يهود الباراغواي الذين عارضوه، ولكنه في نفس الوقت كان يدعم إسرائيل التي كانت تزوده بالسلاح.

بالإضافة إلى ذلك، تحالفت إسرائيل مع زعماء الانقلاب في الأرجنتين في أواخر سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين وزودتهم بالمساعدات العسكرية بينما كانوا يستهدفون المعارضين اليهود الذين تعرضوا للإخفاء القسري وللتعذيب والقتل.

هجوم لفظي

وكذلك كان موقف الحكومة الإسرائيلية من التبشيريين الإنجيليين في الولايات المتحدة. خذ على سبيل المثال جيري فولويل، مؤسس "الأغلبية الأخلاقية"، وهي منظمة مسيحية أصولية يمينية غدت أشد مؤيدي إسرائيل في اليمين المسيحي. كان فولويل يعتبر أن المسيح الدجال يهودي. ومع ذلك، حينما توفي فولويل في عام 2007، أشاد زعماء إسرائيل وقادة المنظمات اليهودية الأمريكية السائدة بدعمه لإسرائيل "على الرغم" من بعض "الاختلافات" التي كانت بينه وبينهم.

إذا كان أبا إيبان قد عبر عن قلقه إزاء جميع النقاد الأغيار ومن مفكرين يهوديين كانا ينتقدان إسرائيل في عام 1972، فبحلول عام 2007 أصبح القلق الصهيوني يمتد ليشمل عدداً أكبر بكثير من منتقدي إسرائيل اليهود داخل الولايات المتحدة.

نشر دافيد هاريس، المدير التنفيذي للجنة اليهودية الأمريكية، مقالا صرح فيه بما يلي: "لعل من أغرب وأفجع مظاهر هذا التوجه الجديد هو المشاركة العلنية لبعض اليهود في شن هجوم لفظي على الصهيونية وعلى الدولة اليهودية." وأضاف أن أولئك الذين يعارضون حق إسرائيل في الوجود "سواء كانوا يهودا أو أغيارا، ينبغي أن يواجهوا".


في الماضي القريب جدا، لم يكتف زعماء إسرائيل بتبني مواقف غير منتقدة للحركات الأوروبية والأمريكية اليمينية التي تعتقد بتفوق العنصر الأبيض والتي تتحالف إسرائيل معها، وإنما استمروا أيضا في تجاهل ما يصدر عنها من معاداة للسامية، وهو السلوك الذي يتم التسامح معه، كما هو متوقع، لمجرد أنها تدعم إسرائيل والصهيونية.

تكررت الحكاية مؤخرا من خلال دعم إسرائيل للمعادين للسامية في أوكرانيا وفي المجر وفي بولندا، بل وحتى للمعادين للسامية في ألمانيا والنمسا. حيث كان ذلك مهما بالنسبة للسعي الإسرائيلي مؤخرا لتجريم الانتقاد الموجه لإسرائيل في كل من أوروبا والولايات المتحدة.

تسليح المليشيات النازية الجديدة

بدأ ذلك بتبني الائتلاف الدولي لذكرى المحرقة لتعريف عملي لمعاداة السامية في عام 2016، والذي تضمن "تجليات .... تستهدف دولة إسرائيل، التي تشكل اجتماعاً يهوديا". وعندما تبنى الاتحاد الأوروبي في شهر ديسمبر الماضي إجراءً يعرف معاداة السامية ليتضمن مواقف معادية للصهيونية ومواقف منتقدة لإسرائيل، كان الذي دفع باتجاه تبني الاتحاد الأوروبي لهذا الموقف هي حكومة النمسا اليمينية والتي تشتمل على أعضاء في الحزب النازي الجديد.

وفي المجر ذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنجامين نتنياهو إلى حد توبيخ السفير الإسرائيلي في بودابست لإصداره تصريحا عبر فيه بلطف عن قلقه من عنصرية أوربان ضد اليهود. ثم بأوامر من نتنياهو بادرت وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى سحب التصريح الصادر عن السفير.

وفي أوكرانيا، تُسلح إسرائيل مليشيات النازية الجديدة، وبشكل خاص كتيبة أزوف، والتي كان زعيمها أندري بيلتسكي قد أعلن في عام 2014 أن "الرسالة التاريخية لأمتنا ... هي تزعم الأعراق البيضاء في العالم في حملة نهائية صليبية تشن من أجل الحفاظ على بقائها، وهي حملة صليبية ضد الشعوب السامية المتخلفة".

وفي ألمانيا، دب الذعر في أوساط الجالية اليهودية بسبب تصريحات ومواقف حزب البديل لألمانيا، وهو حزب يميني متطرف فاز بمئة مقعد في الانتخابات العامة الألمانية التي جرت في سبتمبر، ويقول منتقدوه إنه يروج لأفكار النازية الجديدة. يدعم حزب البديل لألمانيا إسرائيل أيضا، وقد قال نائب زعيمه بيتريكس فون ستورش، وهو حفيد آخر وزير مالية في حكومة هتلر، في تصريح للجيروزاليم ريبورت إن "إسرائيل يمكن أن تكون نموذجاً يحتذى لألمانيا" كبلد "يبذل جهودا للحفاظ على ثقافته وتقاليده المميزة".

وفي هذا صدى لما يقوله الغوغائي النازي الجديد في الولايات المتحدة ريتشارد سبنسر، والذي أشار إلى أن رسالته "نوع من الصهيونية البيضاء". وأضاف إن إسرائيل هي "أهم وربما أكثر دولة إثنية ثورية، وهي التي أتوجه إليها للاسترشاد". لم ترد إسرائيل وزعماؤها بعد على تصريحاته تلك.

هجمات على المعابد اليهودية

عندما خاطب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اليهود الأمريكان أثناء حفلة مهرجان النور اليهودي في البيت الأبيض في ديسمبر من عام 2018 قائلا إن نائبه يكن حباً عظيماً "لبلدكم"، لم تعترض إسرائيل – كما لم تعترض على ترامب عندما أخبر جمعاً من اليهود الأمريكيين قبل ذلك بأسابيع قليلة إن نتنياهو هو "رئيس وزرائكم".

إن الدعم الذي تحظى به إسرائيل في أوساط الجماعات الأمريكية التي تعتقد بتفوق العرق الأبيض لا ينفصل عن معاداتهم للسامية سواء في تشارلوتسفيل، أو في أكتوبر الماضي في بيتسبورا عندما أقدم شخص أبيض من جماعة التفوق العرقي على ارتكاب مذبحة راح ضحيتها أحد عشر مصل في معبد يهودي، أو الشهر الماضي في سان دييغو، مع وقوع هجوم آخر على معبد يهودي نجم عنه قتل شخص وشرح عدد آخر.

تستمر معاداة السامية اليمينية المؤيدة للصهيونية في تهديد أرواح اليهود في الولايات المتحدة وأوروبا. وبينما ينضم التقدميون في أمريكا وأوروبا من يهود ومسيحيين ومسلمين ومن جميع الملل والأديان إلى الحركات المعادية للصهيونية والحركات المعارضة للعنصرية الإسرائيلية وللسياسات الاستيطانية الاستعمارية، معربين عن التزامهم بمحاربة معاداة السامية، تجد أن اليهود والأغيار من المؤيدين لإسرائيل يشكلون جزءاً من الحركات المؤيدة للصهيونية التي تهدد معاداتها للسامية الوجود الفعلي لليهود في الولايات المتحدة وفي أوروبا.


لقد آن الأوان لأن تصدر المنظمات اليهودية الأوروبية والأمريكية المؤيدة للصهيونية تقارير عن معاداة السامية المؤيدة للصهيونية كما تفعل لدى استهدافها للمعادين للصهيونية. ليست معاداة السامية ومعاداة الصهيونية شيئا واحدا كما كان يفضل اعتقاد ذلك أبا إيبان وتفضل اعتقاده الحكومة الإسرائيلية ومناصروها. وإنما الحقيقة التي شك فيها هي أن معاداة السامية ومناصرة الصهيونية والعنصرية ومناصرة الاستعمار رفقاء درب لا ينفصلون. 


الاحتفال بجرائم الحرب


بالفعل، مناصرة الصهيونية هي الشكل الوحيد المحترم لمعاداة السامية اليوم، حيث يرحب بها من قبل الحكومة الإسرائيلية ومن قبل أنصار الصهيونية في كل مكان محاباة لدولة إسرائيل.


عندما يحتفل أنصار الصهيونية بالاجتياحات وجرائم الحرب الإسرائيلية على اعتبار أنها إنجازات يهودية، تجد إسرائيل وأنصارها يصفقون لهم، ولكن عندما يهاجم مناهضو الصهيونية الجرائم والاجتياحات الإسرائيلية على اعتبار أنها جرائم ترتكبها الحكومة الإسرائيلية، وبالتأكيد هي ليست جرائم الشعب اليهودي، تسارع إسرائيل وأنصارها من مؤيدي الصهيونية إلى نعتهم بالمعادين للسامية.

تعرف إسرائيل نفسها على أنها "الدولة اليهودية" وتصر على أن سلب وطن الشعب الفلسطيني، واحتلال أراضيهم وطردهم من ديارهم وقصفهم، كل ذلك يُرتكب باسم "الشعب اليهودي". وتزعم أن ما تقوم به إنما تمليه الأخلاق "اليهودية"، ثم بعد ذلك كله تزعم أن من ينددون بإسرائيل فإنما هم ينددون باليهود أنفسهم.

تكمن المفارقة في أن معظم منتقدي إسرائيل، مقارنة بأغلبية مؤيديها، هم من يرفضون ادعاء إسرائيل بأنها تمثل جميع اليهود ويصرون على أن قوانين إسرائيل العنصرية وسياساتها الاستعمارية تمثل الحكومة الإسرائيلية وليس الشعب اليهودي.

وعندما يقاوم الفلسطينيون الاحتلال والعنصرية الإسرائيلية فهم لا يقاومون الصفة "اليهودية" لإسرائيل وإنما يقاومون طبيعتها ومؤسساتها وقوانينها وممارساتها الاستعمارية العنصرية.

إن دمج أنصار الصهيونية ما بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية لا يعتبر فقط معادلة باطلة لمحاربة منتقدي إسرائيل، بل هو أولا وقبل كل شيء تبرير لمعاداة السامية التي يمارسها أنصار الصهيونية وأنصار إسرائيل. وعلى كل من تهمهم سلامة يهود الشتات وسلامة الشعب الفلسطيني أن يردوا على هذه الحملة الدعائية من خلال الإعلان بكل ثقة أن مناصرة الصهيونية هي نفسها معاداة السامية، وأنه لا يمكن التمييز بينهما إطلاقا. 


نقلا عن "ميدل إيست آي"