قضايا وآراء

يني تركيا.. يني شامبيون

1300x600
يني تركيا يني شامبيون.. تركيا جديدة بطل جديد فكرت في هذا العنوان للمقال العام الماضي عندما كان نادي باشاك شهير منافس جدي على لقب الدوري التركي الممتاز لكرة القدم، قبل أن يتعثر في الأمتار الأخيرة، ثم عقدت النية على كتابته هذه السنة، أيضا مع تصدره لبطولة الدوري معظم الموسم الكروي قبل أن يتعثر في الأمتار، بل السنتيمترات الأخيرة، ليهدي اللقب لغلطة سراي، مع مساعدة من الحكم سيركان شانير، حكم مباراة ريزة سبور وغلطة الذي ارتكب أخطاء ساذجة، مهديا فوزا غير مستحق للأحمر والأصفر.

عموما، فإن فكرة المقال الجوهرية لم تتأثر بعدم فوز باشاك باللقب هذا العام، أيضا لأني متأكد من أن تركيا الجديدة شهدت ولادة ناد كبير في إسطنبول، إلى جانب الأندية الكبرى الثلاثة (فنار بخشة، بشكتاش، غلطة سراي)، وفوز ناد سادس بالدوري إلى جانب تلك الأندية وطرابزون سبور وبورصة سبور، الذي كان آخر ناد يفوز باللقب من خارج إسطنبول، يبدو لي حتميا، ومسألة وقت فقط، قياسا لما رأيناه في السنوات الأربع الماضية، حيث أنهى باشاك الدوري ثانيا مرتين وثالث ورابع مرة واحدة.

لا بأس من التذكير بما كتبته هنا منذ فترة عن مفهوم ومعنى تركيا الجديدة، التي لا تقوم على أنقاض، بل على أسس وقواعد تركيا القديمة، وتمثل تحديثا تطويرا وإصلاحا لها في كل المجالات، السياسية الاقتصادية الاجتماعية الإعلامية، وبالتأكيد الرياضية أيضا..

تركيا الجديدة تتضمن كذلك إشاعة الحريات بكافة جوانبها، ولا إقصاء فيها لأي فئة أو شريحة في كل المجالات، ولا احتكار لأي مجموعة للسلطة أو القرار النفوذ والموارد في أي من مناحي الحياة.

في السياق الرياضي، شهدت تركيا القديمة حضورا قويا ومركزيا لثلاثة أندية كبرى في إسطنبول، مع طرابزون سبور الذي فاز بتسعة ألقاب للدوري (كان يستحق العاشر طبعا في 2009)، مع هيمنة شبه كاملة لتلك الأندية الأربعة على بطولة الكأس أيضا، واستثناءات تثبت القاعدة ولا تنفيها.

مع تبلور أو اتضاح معالم تركيا الجديدة رياضيا، واتساع النهضة الاقتصادية الاجتماعية لتشمل مدنا وحواضر عديدة، وتطوير البنى التحتية الرياضية لتشمل الولايات كافة (تم بناء قرابة 35 ستادا ومدينة رياضية في العقدين الأخيرين) شهدنا حضورا لأندية أخرى، حيث فاز قونيا سبور بالكأس (وصل مالاطيا سبور إلى نصف النهائي هذا العام)، وتواجد باشاك شهير في القمة لأربع سنوات (وصل إلى نهائي الكأس أمام قونيا 2017)، وحقق المركز الثاني مرتين، وشارك طوال السنوات الثلاث الماضية بشكل متواصل في البطولات الأوروبية وفي دوري الأبطال (2017) كان على بعد سنتميترات من التأهل (بعدما خسر أمام إشبيلية بفارق هدف) لدوري لمجموعات في البطولة الأبرز، قبل أن يشارك العام التالي في نفس المرحلة، لكن في بطولة الدوري الأوروبي.

نادي باشاك شهير حديث العهد بمسماه الجديد (5 سنوات فقط)، بعدما كان قد تأسس في منتصف التسعينيات باسم بلدية إسطنبول، قبل أن يرتبط باسم واحدة من المؤسسات الطبية الكبرى والناهضة في البلد، ثم اسم ضاحية من ضواحي إسطنبول الجديدة التي تسكنها فئات اجتماعية متوسطة؛ نهضت ووجدت مكانا لها في تركيا الجديدة بفضل سياسة الانفتاح، وعدم التمييز الإنمائي، وهي منطقة تعتبر من معاقل حزب العدالة والتنمية (عراب تركيا الجديدة) التي ينال فبها نسبة تصويت عالية، حتى بالمعيار الوطني العام.

ثمة شعور بأن النادي نفسه قريب من حزب العدالة، رغم أن المنطقة تضم فئات سياسية اجتماعية مختلفة، طبعا ومشجعين للأندية الكبرى الثلاث، علما أن هذا الجانب السياسي الرياضي حضر ذات مرة العام الماضي عبر تعليق لافت لميرال أكشينر، زعيمة الحزب الجيد المعارض، عندما هزم غلطة الفريق، فغردت "غلطة اثنين رجب طيب أردوغان صفر"، علما أن أردوغان نفسه من مشجعي فنار بهتشه، بينما كان مؤسسو وقادة الحزب مشجعين لأندية أخرى أيضا (عبد الله غول وبولنت أرنتش من مشجعي بشكتاش)، أما الأجواء نفسها التي أفرزها الحزب عبر تجربته الممتدة، فكانت حاضرة قطعا في تجربة المنطقة والنادي على حد سواء.

بعد إعلان فوزه برئاسة بلدية إسطنبول، تحدث إكرام أمام أوغلو أيضا بشكل سلبي عن النادي، وقال إنه لن يدعم كرئيس بلدية إلا الأندية الكبرى الثلاث التي يعرفها العالم، وإنه لن يدعم باشاك بأي حال من الأحوال، علما أنه خاض معركة انتخابية لافتة ناجحة تقرب فيها من كافة الشرائح الفئات الاجتماعية، بما فيها التي تدعم باشاك، وكان عليه طبعا أن يعلن دعمه للنادي الذي يضيف حيوية وإثارة تنافسية على الساحة الكروية.

هنا يبدو باشاك كتعبير أصيل عن التطور السياسي الاقتصادي الاجتماعي في تركيا؛ أكثر بما لا يقاس من تجربة ليستر ومانشستر سيتي في إنجلترا، وحتى ليبزج الذي بقي لسنوات بالقمة في ألمانيا كونه (أي النادي التركي) ناديا محليا، وبقيادة محلية وتمويل محلي، وأراد أن يجد له مكانا بين الكبار، ويعمل بشكل احترافي ومسؤول ضمن اللوائح والقوانين المعمول بها محليا وأوروبيا.

رياضيا وفنيا، بأسماء مغمورة عموما بقي باشاك في القمة، مزاحما الكبار في السنوات الأخيرة مع مدرب مجتهد (عبد الله أفجي)، حقق نتائج لافتة مع منتخبات الناشئين والشباب التركية، وتجربة قصيرة في غلطة سراي مع لاعبين معروفين، لكن أتوا في منتصف الثلاثينيات (الكابتن أسطورة فنار سابقا، إيمرى بييزوغلو، والدولي التوغولي السابق إيمانويل أديبايور، والدولي الفرنسي السابق جييل كليتشي) مع قرب نهاية عمرهم الرياضي لإغناء التجربة، ونقل خبراتهم للشباب، وتكوين شخصية النادي. وجميعهم أتوا بصفقات انتقال حرّ وأفادوا شباب محللين واعدين، مثل جنكيز أوندرا، الذي انتقل إلى روما بديلا لصلاح، وعرفان جان قهوجي ومحمود بيكديمك، اللذين باتا دوليين، ولاعبين رائعين من البوسنة وملدوفا، غير معروفين خارجيا، وجاؤوا بأسعار مقبولة، لكنهم يملكون جودة فنية عالية جدا، مثل أدين فيسكا والكسندرو أمبريانو.

مع استمرار سيرورة قيام تركيا الجديدة على كل الأصعدة، ووجود رعاة من كبرى الشركات والمؤسسات الاقتصادية، وتجديد عقد المدرب لخمس سنوات قادمة كي يكتمل المشروع بتجديد عقود لاعبي الهيكل العمود الفقري للفريق، سيبقى النادي في القمة لسنوات وسيزاحم الكبار، كما فعل دائما، وسيفوز حتما ببطولة كبرى محلية، وسيعرفه الناس خارجيا مع حضوره الدائم في المسابقات الأوروبية، واستقطابه لاعبين كبارا على أبواب الاعتزال، لنقل الخبرة ومساعدة النادي على تكريس حضوره وشخصيته.