صحافة دولية

فايننشال تايمز: ما أسباب تصاعد الوطنية المتطرفة بالسعودية؟

فايننشال تايمز: وطنية متطرفة متزايدة في السعودية- جيتي

نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا أعده كل من أندرو إنغلاند وأحمد العمران، يتحدثان فيه عن زيادة المشاعر القومية في السعودية، التي يحاول المواطنون من خلالها التعبير عن هويتهم وإن بطريقة عدوانية.

 

ويبدأ الكاتبان تقريرهما بالإشارة إلى المسلسل الدرامي المعروف "لعبة العروش"، الذي كانت عروضه ستبدأ، حيث قامت شركة فيديو في السعودية بنشر صورة رجل يجلس على عرش حديدي، مرتديا الثوب الأبيض. 

 

ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الصورة كانت محاولة خفيفة من الشركة "يوتيرن"، لكنها تحولت في نظر متابعي وسائل التواصل الاجتماعي إلى تحريض للسعوديين الذين هاجموا الشركة على وسائل التواصل الاجتماعي، فيما اعتبرته تغريدة "سخرية واضحة من الملك"، وقال آخر: "من فعل هذا يجب محاسبته"، و"سحب جنسيته هو الحل". 

 

وتقول الصحيفة إن الهجوم على شريط الفيديو، ومدته عشر ثواني، وبث على "سناب تشات"، هو آخر مثال على موجة وطنية متطرفة غمرت المملكة منذ صعود ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قبل ثلاثة أعوام، لافتة إلى أنه في الوقت الذي أدى فيه صعوده لمنح الشباب السعوديين الأمل بالتغيير الاقتصادي والاجتماعي الجذري، فإنه ألهم في الوقت ذاته الحماس الوطني بين المواطنين الذين يحاولون تحديد الهوية الوطنية من خلال المواجهة. 

 

ويفيد الكاتبان بأنه بالنسبة لأنصار ولي العهد فهم يعبرون عن فخرهم وثقتهم في القيادة الجديدة، وطريقة الحكم الصارخة والجريئة في المملكة المعروفة بتقليديتها ومحافظتها، مشيرين إلى أنه بالنسبة للآخرين فهي طريقة مثيرة للانقسام وموجة مثيرة للقلق، تقوم على ثنائية عدوانية "معنا أو ضدنا".

 

وينقل التقرير عن أكاديمي سعودي، لم يرغب في ذكر اسمه، قوله: "هذه نظرة إقصائية، حتى بالنسبة للسعوديين، وعلى المدى البعيد فإنها ستكون خطيرة"، وأضاف الأكاديمي: "لو عبر (سعودي) عن رأي لا يتفق مع رأيهم فعندها يقوم المتصيدون على منابر التواصل بالبحث عن أسباب أخرى تظهر بأنه ليس سعوديا أصليا".

 

وتقول الصحيفة إنه في مناخ تقود فيه أي إشارة معارضة إلى السجن، فإن البعض يخشى أن استهدافهم على وسائل التواصل الاجتماعي؛ لعدم إظهارهم الولاء الكافي لولي العهد، ربما كلفهم سمعتهم ووظائفهم وحتى حريتهم. 

 

ويورد الكاتبان نقلا عن أحد المهنيين الشباب، الذي عانى من هجمات قاسية على الإنترنت، قوله: "لا يقتصر الأمر على التصيد، لكن هناك البلطجة على الإنترنت، وربما شنت علينا حملة على الإنترنت لسجننا". 

 

ويلفت التقرير إلى أن المراقبين يردون صعود الوطنية إلى مستشاري الديوان الملكي، الذين حاولوا وبقسوة الترويج لخطط الأمير للإصلاح الاقتصادي وسياسته الحازمة في الشؤون الخارجية، من قرار فرض الحظر على قطر، والخلاف "الغريب" مع كندا. 

 

وتبين الصحيفة أن النقد لسياسات الحكومة كان في البداية مدعاة للهجمات اللاذعة، لكن مع مواجهة الأمير محمد شجبا دوليا بعد مقتل جمال خاشقجي في تشرين الأول/ أكتوبر، فإنه تم تصنيف أي شخص بالخائن؛ لمجرد أنه لم يظهر دعما للحكومة بالشكل الكافي. 

 

وينوه الكاتبان إلى أن سعود القحطاني قاد الحملات على وسائل التواصل بصفته مستشارا لولي العهد، لكنه عزل بعد ذلك لتورطه في جريمة مقتل جمال خاشقجي، إلا أن الناشطين يخشون من استمراره في العمل من خلف الستار. 

 

ويكشف التقرير عن أن المنشورات على وسائل التواصل من العام الماضي يعاد إنتاجها لاستهداف أي شخص، ويقول الناشطون إن الهدف هو بناء جبهة موحدة لإسكات أي ناقد، مشيرا إلى قول المهني السعودي: "كلما حدثت كارثة، مثل قتل خاشقجي، يحاولون التأكيد بأننا معا". 

 

وتعلق الصحيفة قائلة إن "السعودية هي بلد واسع ومتعدد التجمعات السكانية والقبائل، وحاولت التعامل مع الهوية منذ إنشاء الملك عبد العزيز المملكة عام 1932، ودرست المدارس لعقود الأطفال بأنهم مسلمون أولا، ثم عرب ثانيا، وسعوديون ثالثا".

 

ويشير الكاتبان إلى أنه بعد هجمات 2001 والمؤامرات الإرهابية على البلد، حاولت الحكومة تعزيز الحس الوطني لمكافحة الإرهاب، وتبنت إجراءات، بدأت بمؤتمرات "الحوار الوطني"، لافتين إلى أن البلد بدأ في الاحتفال بالعيد الوطني منذ عام 2005. 

 

وبحسب التقرير، فإنه في العهد الجديد يضع معظم السعوديين صورة الملك سلمان وولي عهده على حساباتهم في وسائل التواصل الاجتماعي، فيما هناك يافطات ضخمة تحمل صورة الملك وولي عهد وضعت على خلفية العلم السعودي، ودخلت الشركات على الخط، حيث بدأت في وضع إعلانات في المناسبات الوطنية. 

 

وتنقل الصحيفة عن الأكاديمي، قوله: "هذا كله جديد.. لم نعتد على الوقوف عند عزف النشيد الوطني"، وعبر المحاضر عن دهشته من غياب المعارضة ضد العدوانية الوطنية من "الشخصيات المؤثرة.. تم تحديدها من أشخاص لديهم متابعون كثر على وسائل التواصل، الذين يرسلون تغريداتهم دون صورهم أو أسمائهم، وهذا أمر خطير". 

 

ويضيف الأكاديمي: "هذا أمر يعود لقيادة الدولة لمحاولة التحديد.. ما الفرق بين السعودي وغير السعودي؟ وما هي القيم التي يجب أن يحملها السعودي وتوحد السعوديين كلهم مهما كانت أصولهم". 

 

ويلفت الكاتبان إلى أن البعض يرون أن صعود الوطنية أضاف إلى دوار التغيير المحمل بالتناقضات، فقد نالت إصلاحات ولي العهد دعما، مثل فتح الباب للمرأة لقيادة السيارة، والحد من سلطة الشرطة الدينية، وفي الوقت ذاته فإن سياساته نفرت البعض. 

 

وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول امرأة مهنية في الأربعينيات من عمرها: "لقد نشأت في جيل نظر للأمور من منظور الدين، حلال أم حرام؟ وفي ليلة وضحاها تخلينا عن الدين دون تقديم قيم اجتماعية جديدة، وهذا يقلقني"، مضيفة أنه ينظر إليها في يوم على أنها إسلامية وفي يوم آخر ليبرالية.

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)