أخطاء نمطية قاتلة يقع فيها تجمع قوى الحرية والتغيير في السودان وهي
القوى السياسية الأعلى صوتا اليوم. النخب السياسية ومنذ استقلال السودان في 1956
ظلت أسيرة أمراض وأخطاء تتكرر بشكل نمطي رتيب، فقد فشلت على اختلاف أيدولوجياتها
وتوجهاتها في إدارة البلاد التي حباها الله بموارد لا مثيل لها الأمر الذي يؤكد أن
الأشكال أشكال سياسي وليس اقتصاديا بدلالة توفر الموارد الطبيعية.
اليوم
تدخل قوى الحرية والتغيير (يضم تجمع المهنيين وعددا من الأحزاب المعارضة) في صراع
سلطوي مع المجلس العسكري الانتقالي الذي أعلن انحيازه للثورة حيث تبدو السلطة التي
أزيح عنها نظام عمر البشير غنيمة سائغ التهامها.
وبينما
يعلن المجلس العسكري زهده في السلطة، تعتقد قوى الحرية والتغيير أنها أمام فرصة
تاريخية لتشكيل المسرح السياسي وفقا لرؤيتها الخاصة دون اعتبار للقوى السياسية
الأخرى ودون أي تفويض انتخابي.
خارجيا
زادت محاولات التدخل في الشأن السوداني والمدهش أنه يتم بيدي لا بيد عمرو.
في
بريطانيا تحرك سودانيون مقيمون هناك صوب وزارة الخارجية البريطانية وقابلت المبعوث
البريطاني للسودان وجنوب السودان وقالت المجموعة التي وصفت نفسها بأنها تابعة لقوى
الحرية والتغيير إنها طلبت من بريطانيا التدخل والضغط على المجلس العسكري لتسليم
السلطة كل السلطة إلى قوى الحرية والتغيير. في موازاة ذلك وفي الولايات المتحدة
الأمريكية أعلن ناشط سوداني مقيم هناك مفتخرا أنه كان حاضرا لاجتماع للجنة الشؤون
الخارجية بمجلس الشيوخ التي دفعت بمشروع قرار يلزم المجلس العسكري في السودان
بتسليم السلطة لحكومة مدنية.
في
السابق قبل سقوط النظام قد يتقبل البعض وليس الكل، على مضض مثل تلك التحركات لكن
اليوم تغير الوضع وأصبح كل تغيير سياسي مطلوب يفترض أن يتم بقوة الدفع الثوري في
الداخل السوداني ولطالما قد أزيح النظام وتلك الخطوة الأصعب فمن الأيسر إجراء أي
ترتيبات سياسية دون الاستعانة بالأجنبي حيث تسديد الفواتير لاحقا يأتي بدون شك على
حساب السيادة والمصلحة الوطنية.
ولا
يبدو أن تحرك ذلك الناشط ومن وراءه وهو تحرك محفوف بالخفة له فعالية مطلقة كما يظن
صاحبه فكل سنة، تُقدّم الآلاف من مشاريع القوانين إلى الكونغرس الذي يضم مجلس
الشيوخ ومجلس النواب، لكن مئات قليلة منها تُقَرّ كقوانين.
وأمام
أي مشروع قانون طريق طويلة أي من مسودة قانون إلى التوقيع عليه كقانون على يد
الرئيس.
فإذا
أُقر المشروع على يد مجلس النواب أو مجلس الشيوخ، فيُحال إلى المجلس الآخر وإذا
أُقرّ المشروع بنفس الشكل في كل من مجلسي النواب والشيوخ، يرفع إلى الرئيس. وأمام
الرئيس الأمريكي عندئذٍ أربعة خيارات وهي توقيع المشروع ليصبح قانونًا؛ أو عدم
اتخاذ أي إجراء خلال فترة التئام الكونغرس في دورة عادية، وفي هذه الحالة يصبح
مشروع القانون قانونًا بعد انقضاء عشرة أيام.
أو
عدم اتخاذ أي إجراء خلال فترة انتهاء دورة الكونغرس، وفي هذه الحالة يموت مشروع
القانون.
أو
نقض مشروع القانون. وإذا نقض الرئيس أي مشروع قانون، بإمكان الكونغرس أن يحاول
تجاوز هذا النقض. يتطلب ذلك تصويت ثلثي أعضاء كل من مجلسي الشيوخ والنواب. وإذا
فشل أي منهما في تحقيق أكثرية الثلثين لصالح التشريع، يموت مشروع القانون.
إذا
نجح الاثنان، يصبح مشروع القانون قانونًا. فهل من الأفضل أن تنتظر الطبقة السياسية
الفاعلة الآن - قوى التغيير والحرية المدد من مجلس الشيوخ الذي من ورائه رئيس
مزاجي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، أم تنكفئ على عمل وطني سوداني خالص.
إن
مشروع حكم حزب المؤتمر الوطني السابق في السودان انتهى إلى دكتاتوريات قمعية،
ودولة شبه فاشلة.
وتقول
بعض النخب الإسلامية المعارضة التي اعتزلت المشاركة في ذلك الحكم، إن الحكم تم
اختطافه من قبل الرئيس السابق عمر البشير معه قلة قليلة من السياسيين والعسكريين
أصحاب المصلحة الشخصية. بيد أن الإشكال ليس في استئثار البشير بالحكم لاحقا وطرد
القيادات الإسلامية الفاعلة؛ بل الإشكال في طريقة الوصول للحكم من حيث المبدأ، ثم
الفشل الذريع في صياغة برنامج حكم واقعي مرتبط فكريا بشعار "الإسلام هو الحل".
عن
صحيفة الشرق القطرية