ملفات وتقارير

وضعها بن غوريون.. نتنياهو يعد وثيقة الأمن القومي.. لماذا؟

نتنياهو يرى أن إسرائيل لا تواجه اليوم أي تهديد وجودي حقيقي- جيتي

لأول مرة منذ عام 1953، يقوم رئيس وزراء إسرائيلي، بإعداد وثيقة خاصة بمفهوم الأمن القومي، ما يثير التساؤلات حول توقيت تلك الوثيقة، ودلالاتها، على الرغم من تولي بنيامين نتنياهو منصب رئيس الوزراء مرات عدة، ولم يقم بهذا الإجراء سابقا.

وبحسب صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية، فإن نتنياهو سيعرض مفهوم الأمن القومي لديه، وستكون الوثيقة في غالبيتها سرية ولن تخرج للعلن.

وأشارت إلى أن نتنياهو عرض في بعض المنتديات والجلسات المغلقة العديد من القضايا التي تتعلق بها الوثيقة.

وبحسب التسريبات الخاصة بالجزء العام من الوثيقة، فإن نتنياهو يرى من خلالها أن إسرائيل لا تواجه اليوم أي تهديد وجودي حقيقي، على الرغم من التهديدات الإيرانية.

حماية الجبهة الداخلية

ويرى نتنياهو أنه يجب الحفاظ على الوضع الحالي، والعمل بشكل أكثر نحو حماية الجبهة الداخلية والبنى التحتية والمؤسسات الحكومية الهامة، في ضوء تغيير عقيدة "العدو".

وتتضمن الوثيقة عنصرا مهما آخر، يتمثل في الانتقال إلى الحرب المستمرة، وليس فقط الاستعداد للحروب التي تتميز بموجات من العنف، كما كان سابقا.

 

اقرأ أيضا: نيويوركر: كيف حوّل تحالف ترامب نتنياهو سياسة بلديهما؟

وسينظر إلى الوثيقة، على أنها أداة أساسية للاتجاهات المركزية في بناء القوة من أجل الاستعداد للتعامل مع التهديدات الأمنية والرد في حالات الضائقة الأمنية.

تقليد لابن غوريون

ويتضمن هذا المفهوم جوانب سياسية واقتصادية مهمة، والطريقة الوحيدة للترويج لهذه الوثيقة ونشرها هي كتابتها بشكل شخصي، كما فعل بن غوريون في ذلك الوقت، وكما فعل نتنياهو الآن، الذي كتبه بمساعدة طاقم موظفين مقرب منه مثل السكرتير العسكري ورئيس مجلس الأمن القومي، وبالتشاور مع جهات مختلفة.

وكان آخر مفهوم أمني كامل لإسرائيل كتب من قبل أول رئيس وزراء إسرائيلي، ديفيد بن غوريون، وتمت الموافقة عليه من قبل الحكومة في عام 1953.

إسرائيل لن تذهب إلى حروب بالوكالة

وفي هذا الصدد، قال المختص في الشأن الإسرائيلي، حسن مرهج، إن الغرض من كتابة الوثيقة، أنها تأتي كرسالة موجهة من نتنياهو إلى الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، مفادها أن إسرائيل لن تذهب إلى حروب غير ضرورية، ويريد تبني مفهوم الحرب وخاصة مع سوريا وغزة.

وأضاف في حديثه لـ"عربي21"، أن الوثيقة أيضا تأتي في سياق الاستعراض الذي يقوم به نتنياهو أمام خصومه.

كما أشار مرهج إلى أنه بحسب الوثيقة، فإن نتنياهو وبالتزامن مع الحديث عن صفقة القرن الأمريكية، يسعى لتثبيت الوضع الراهن مع الفلسطينيين، ويمهد من خلالها للاستيلاء الرسمي على أراضي الضفة الغربية المحتلة.

ولفت إلى أن الوثيقة تتضمن العديد من الجوانب الاقتصادية والسياسية، خاصة أن نتنياهو دائما كان يتبنى أن الاقتصاد يمكن أن يكون من أجل السلام والحرب.

وبحسب المختص بالشأن الإسرائيلي، والمقيم في الأراضي المحتلة، فإن نتنياهو وعبر ترسيم الوثيقة، يريد أن يوصل رسالة إلى دول الخليج وخاصة السعودية، بأن إسرائيل لن تبادر لأي حروب بالمنطقة، وخاصة مع إيران من أجل أحد، أو بالوكالة، وفي ذلك يشكل طعنة لتلك الدول التي تسعى للتقرب لإسرائيل بسبب إيران.
 
من جهته رأى المختص بالشأن الإسرائيلي مأمون أبو عامر، أن نتنياهو تأخذه الثقة بالنفس، في أنه له دور في بناء صورة "إسرائيل الحديثة"، وقدرتها الاقتصادية والعسكرية، ومع تسارع التطور التكنولوجي وتغير طبيعة ومستوى التحدي، أصبح لزاما على القيادة في إسرائيل أن تضع تصور لهذه المخاطر الجديدة وكيفية مواجهتها.

 

اقرأ أيضا: صندي تايمز: هذه أولويات نتنياهو الأهم بعد فوزه بالانتخابات

غياب مفهوم محدث للأمن القومي 
 
وأضاف في حديثه لـ"عربي21"، أن هناك إشكالية غياب مفهوم متكامل للأمن القومي الإسرائيلي والذي نتج عن غياب رؤية للأمن القومي منذ عهد بن غوريون، وقد أعدت وثيقة على يد الوزير دان مريدور قبل 12 عام لكنها لم تكن كافية، ولم تجب عن الأسئلة والتحديات الكبيرة التي يواجهها الأمن القومي الإسرائيلي.
 
وأشار إلى أن تلك الوثيقة بقيت محصورة في الإجابة عن تساؤلات التي برزت في حرب 2006، ثم جاءت وثيقة إيزنكوت 2015، والوثيقة المعدلة والتي وضعت خطة لمواجهة التحديات العسكرية لكنها لم تعطي اجابات حول المسائل المتعلقة بالأمن القومي بشكل عام، لأن مسألة الأمن القومي أكبر وأوسع من المسألة العسكرية.
 
وأوضح، أن هناك غياب مفهوم إسرائيلي متكامل ومحدث للأمن القومي، إذ لا تزال دولة الاحتلال تتبع السياسة أو المنظومة العقائدية الأمنية، التي وضع أسسها دافيد بن غوريون قبل سبعة عقود.

تجاوز المسألة الفلسطينية
 
وقبل سيطرة الحكومات اليمينية على المشهد السياسي الإسرائيلي، يشير أبو عامر، إلى أنه كان التوجه السياسي لدولة الاحتلال يرى أن المشكلة الأساسية التي تواجهه هي حل القضية الفلسطينية، مضيفا أنه بعد التوجه الإسرائيلي العام نحو اليمين، فإنها باتت ترى المشهد إما بالمحافظة على الوضع القائم أو تجاوز المسألة الفلسطينية، والانتقال إلى حالة من الاستقرار القائم على تطبيع العلاقات مع الدول العربية، بدون اعتبار لحل المشكلة الفلسطينية.

لا تهديد وجودي
 
وأضاف أبو عامر، أنه في إطار آخر، تدلل الرؤية الجديدة لنتنياهو، في التعامل مع التهديدات، على أنها لم تعد ذات بعد عسكري وجودي قائم لدولة إسرائيل، فلا يوجد في المحيط الإقليمي ما يشكل تهديدا لدولة الاحتلال، وبالتالي فإن ما تقوم عليه نظرية الأمن القومي من التهديد الوجودي لم يعد قائما.
 
ولفت المختص بالشأن الإسرائيلي، إلى أن هناك مخاطر جدية على رأسها حروب السايبر، ووجود جماعات مسلحة تمتلك أسلحة خطيرة لا تقل عن أسلحة الجيوش، وهي قادرة على دخول مواجهة وتحدي الجيش الإسرائيلي، إلا أنها لا تستطيع هزيمة الجيش الإسرائيلي، وبذات الوقت وبسبب تركيبة هذه القوى لم يعد الجيش قادرا على هزيمة هذه القوى، وبالتالي فإن هناك حاجة لتغيير عقيدة الجيش من الرد والهجوم ثم الحسم، إلى منطق جديد وهي القدرة على الدفاع.

 

اقرأ أيضا: كاتب: نتائج انتخابات "إسرائيل" أفرزت دولة انتقلت نحو اليمين

متغيرات ومعطيات جديدة

وكل هذه المعطيات مع الوضع السياسي لنتنياهو في المشهد الإسرائيلي بتوليه منصب رئاسة الوزراء خمس مرات، وهي فترات أكثر من المرات التي تولاها رئيس الوزراء المؤسس بن غورين، وفي ظل التغيرات الكبرى، أوضح أبو عامر، أن نتنياهو يرى ضرورة وضع تصور لنظرية أمن قومي جدية تتلاءم مع الواقع الأمني والسياسي الجدي.
 
وأضاف أبو عامر، أنه لا يمكن إغفال المكتسبات التي حققتها إسرائيل في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، من الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، والاعتراف بالسيادة على الجولان، ثم الاستعداد لضم أجزاء من الضفة الغربية، "وهذا يعني أننا أمام مرحلة جدية تجاه الأوضاع في الضفة، وشكل العلاقة بين إسرائيل والسلطة، على أسس قواعد الأمن القومي الذي سيتم تبنيه".