ملفات وتقارير

لماذا حرض "المداخلة" على القتال بليبيا وامتنعوا عنه بسوريا؟

حفتر أنشأ تحالفا قويا مع المداخلة السلفيين وأمدهم بالمال والسلاح- جيتي

دعا شيوخ سلفيون في مصر إلى الانضمام لقوات اللواء الليبي المتقاعد، خليفة حفتر، والقتال إلى جانبها في هجومها الذي بدأته الخميس قبل الماضي للسيطرة على العاصمة طرابلس، التي تتولى زمام السلطة فيها حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا.


ووفقا لباحثين في شؤون الحركات الإسلامية، فإن كلا من طلعت زهران، وخالد عثمان (أبو عبد الأعلى)، وعلي عبد العزيز موسى، دعاة سلفيون مصريون ينتسبون إلى "السلفية الجامية المدخلية"، المعروفة بدعوتها الصارمة إلى "طاعة ولي الأمر". وبهجومها الشديد على الحركات الإسلامية السياسية، وتساهلها في إطلاق وصف "الخوارج" عليها.

من جهته، انتقد الداعية السلفي السوري، عبد الرزاق المهدي، تحريض شيوخ المداخلة على القتال إلى جانب قوات حفتر، وتساءل: "إذا كان شيوخ المداخلة في ليبيا ومصر يحرضون على قتال جماعة الإخوان المبتدعة، ويعتبرون ذلك من أعظم الجهاد، فلماذا حينما دُعوا لقتال النصيرية والروافض في سوريا رفضوا؟".

واستهجن المهدي في حديثه لـ"عربي21" تقريرات الجامية التي تذهب إلى "اعتبار القتال في سوريا قتال فتنة، بينما تصف القتال مع قوات حفتر قتالا واجبا لأنه ضد الخوارج"، واصفا ذلك بالأمر العجيب.

وأبدى المهدى استغرابه الشديد من "انتساب المدخلية إلى السلفية في مواقفها الغريبة تلك، وادّعاء متابعتها لابن تيمية"، مشددا أن تلك الدعوى "تدليس على ابن تيمية؛ لأنه رحمه الله قاتل وفي صفوف المسلمين أشاعرة وماتريدية وصوفية، بينما أفتى باستئصال النصيرية"، في إشارة إلى الطائفة العلوية التي تحكم سوريا حاليا.  

وتساءل المهدي: "من المسؤول عن إثارة الفرقة بين أهل السنة، وإشعال نار القتال بينهم، بينما نجد الشيعة وهم طوائف لا يقتتلون؟ فمن الذي يثير النزاع والقتال بين أهل السنة؟".  

وردا على سؤال حول تفسيره لسلوك الجامية في تحريضهم على القتال إلى جانب حفتر، واعتبار خصومه خوارج، وامتناعهم سابقا عن القتال في سوريا ضد النظام السوري (النصيرية) وأعوانه (الشيعة)، أكدّ المهدي أن "(المدخلية) ينفذون أوامر وتوجيهات ولي الأمر، فمواقفهم في حقيقتها سياسية، لكنهم يلبسونها ثوبا دينيا وشرعيا"، على حد قوله.


في السياق ذاته، رأى الأكاديمي الشرعي السعودي، الدكتور سعيد بن ناصر الغامدي، أن "من الخطأ التعامل مع ظاهرة المداخلة الجامية بوصفها ظاهرة علمية شرعية، معللا ذلك بقوله: "والسبب في ذلك أن هذه الجماعة بسائر أطيافها ليست في حقيقة الأمر إلا صنيعة النظم العربية القمعية، وأداة من أدواتها المناوئة لخيارات الشعوب وطموحاتها".

وأضاف لـ"عربي21": "بناء على ذلك، فإن النقاش معهم في قضايا شرعية هو نوع من إضاعة الوقت والجهد مع قوم لا يملكون من أمرهم إلا ما يملكه المخبر والجاسوس"، حسب عبارته.

وتابع: "نعم، يوجد فيهم من هو مستغفل مستعمل، وهو لا يدري، وأيضا لا يدري أنه لا يدري، وهو ما يسمى عند أهل العلم الجهل المركب، ومن تتبع هذه الظاهرة، وعرف بعض كبرائها علم هذه الحقيقة عنهم".

ولفت الغامدي إلى أن "أجهزة القمع العربية استفادت منهم منذ مدة طويلة، ففي زمن خالد نزار، إبان سنوات العشرية الجزائرية، تم التنسيق لتدريس بعض رجال المخابرات الجزائرية في جامعات إسلامية، ليتخرجوا بعد ذلك مفتين وخطباء، همهم الأكبر هو القضاء على أي حراك إسلامي ومستقل ومؤثر في الشارع".

وأردف: "وانتقلت خبرات رجال المخابرات إلى بلدان عربية عديدة، وفُتحت لهم القنوات، وطبعت لهم الكتب، وتم توظيفهم في وظائف شرعية كالخطابة والإمامة والوعظ والفتوى والتدريس في الجامعات".

وتوقع الغامدي أنه "بمجرد أن تزول الأنظمة القمعية، فإن ظاهرة الجامية المداخلة ستزول تبعا لذلك مباشرة، كما حصل لجامية ليبيا أيام القذافي وابنه سيف، فقد تلاشوا بسقوط النظام الذي استعملهم، ثم عادوا مع حفتر، وكذلك هم في جنوب اليمن، حيث كانوا يعملون مخبرين لصالح علي عبد الله صالح، ثم مع الحرب تحولوا إلى مليشيات خطف واغتيال تابعين للإمارات".

ولفت الغامدي إلى أن "تتبع تحركات الجامية، ورصد مواقفهم، يُظهر بوضوح أنهم يعملون في أي مكان يتواجدون فيه، بحسب خطة وبرنامج الجهاز السياسي والأمني الذي يوجههم ويمولهم".

بدوره، ذكر الكاتب والباحث الفلسطيني في شؤون الحركات الإسلامية، أحمد أبو فرحة، أن "السلفية المدخلية تعدّ الامتداد الفكري والعسكري للسعودية، وهي من السلفيات التي تحرم الخروج على ولي الأمر "السني" تحت أي ظرف من الظروف".

وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول: "كما تعتبر السلفية المدخلية نفسها أنها أهل السنة والجماعة، بمعنى أنها الطائفة المنصورة، وما عداها من الجماعات والحركات والأحزاب الإسلامية ضالة ومنحرفة، ومن الخوارج".

ووفقا للباحث أبو فرحة، فإن "السلفية المدخلية أشد ما تكون على الإخوان المسلمين، وتنظيم القاعدة والجهاديين عموما، انطلاقا من تصنيفاتها العقائدية التي تعتبر تلك الحركات والجماعات من الخوارج، وتوجب قتالهم؛ لأنهم كلاب أهل النار، وأخطر من يهدد الإسلام من داخله، وتحت رايته".

ونبه أبو فرحة إلى أن "ارتباط السلفية المدخلية بالحكام والسلطات العلمانية "السنية" في أي بلد هو ارتباط وجودي، بمعنى أنه في حال زوال السلطات الحاكمة فإن البديل سيكون إما إخوانيا أو جهاديا، وفي هذه الحال سيكون مصير هذه السلفية إلى زوال مع الأنظمة".

وختم كلامه بالإشارة إلى أن "الدعم السعودي المالي يجعل المداخلة أشبه ما يكونون بكتيبة متقدمة للسعودية، أو أي جيش لدولة عربية حاكمة إن كان الرأس محسوبا على أهل السنة كما في ليبيا"، وفق وصفه. 

 

اقرأ أيضا: "جون أفريك": تحالف حفتر مع "المداخلة" قد يعود عليه بالضرر