كتاب عربي 21

سقوط بوتفليقة وهجوم حفتر على طرابلس.. أية علاقة؟

1300x600

تمكن الجزائريون أخيرا من إجبار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على الاستقالة وإسقاط العهدة الخامسة، وهم مستمرون في المطالبة بتغيير النظام في مظاهرات مليونية سلمية غير مسبوقة في الجزائر طيلة العقدين الماضيين.

وبالجوار من الجزائر قرر خليفة حفتر، القائد العام لقوات شرق ليبيا، التقدم نحو طرابلس، وأمر قواته بالتوجه للسيطرة عليها، داعيا حكام طرابلس إلى إلقاء السلاح ورفع الراية البيضاء.

 

سلوك حفتر باتجاه غرب ليبيا، التي تديرها حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، يطرح سؤالا عما إذا كان محاولة لاستثمار الانشغال الجزائري بالشأن الداخلي


وإذا كان التطور العسكري في ليبيا جزءا من تدافع لإنجاز تحول ديمقراطي، لازال متعثرا منذ الإطاحة بحكم القذافي مطلع العام 2011، فإن الجزائريين دشنوا بحراكهم موجة ربيع عربي ثانية لازالت فصولها غامضة المكونات والمآلات.

وما يثير الانتباه ويدفع إلى الحيرة، أن التحرك العسكري الذي أعلنه حفتر في ليبيا جاء مفاجئا للجميع، لا سيما أن الأمم المتحدة تستعد لرعاية مؤتمر للحوار الوطني بين الليبيين منتصف الشهر الجاري، تمهيدا للحل السياسي المرتقب أن ينتهي بانتخابات تشريعية ورئاسية تنهي الانقسام السياسي في ليبيا، وتؤسس للدولة الليبية الديمقراطية الحديثة.

 

تعامل النظام الجزائري بشكل سلبي مع حفتر منذ بروزه كطرف أساسي سنة 2014 وتقدمه في الغرب.


عنصر المفاجأة في سلوك حفتر باتجاه غرب ليبيا، التي تديرها حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، يطرح سؤالا عما إذا كان محاولة لاستثمار الانشغال الجزائري بالشأن الداخلي من أجل فرض أمر واقع جديد في الجزائر، استعدادا للحل السياسي المأمول في ليبيا.

ويمكن الإشارة إلى جملة من الحقائق التي تؤيد هذه المقاربة: 

أولا، تعامل النظام الجزائري بشكل سلبي مع حفتر منذ بروزه كطرف أساسي سنة 2014 وتقدمه في الغرب. من المعروف أنه دعا السلطات الجزائرية للاتصال به في أيار (مايو) 2014 "للتنسيق على الأمن الحدودي". لكن رد وزير الخارجية الجزائري أنذاك رمطان العمامرة كان حادا، حيث ذكر أن دولته لا تتعامل إلا مع الأطراف الرسمية. 

ثانيا، في كانون أول (ديسمبر) 2016، نقلت تقارير إعلامية أنباء عن رفض السلطات الجزائرية استقبال حفتر بلباس عسكري، إذ أبلغته رغبتها في أن يُجري لقاءاته بالمسؤولين الجزائريين بلباس مدني. كما لم يستخدم البيان الرسمي الصادر عن رئاسة الحكومة الجزائرية بعد لقاء حفتر برئيس الوزراء عبد المالك سلال، أو حتى البيان الصادر عن وزارة الخارجية الجزائرية عقب اجتماع اللواء مع مساعد وزير الخارجية عبد القادر مساهل، صفة قائد الجيش الليبي في تعريف حفتر.

ثالثا، في كانون أول (ديسمبر) 2017 أعلنت الجزائر رفضها الشديد لقرار حفتر وقف العمل باتفاق الصخيرات، الذي شمل أطراف الصراع في ليبيا وتم توقيعه تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة في مدينة الصخيرات بالمغرب في كانون أول (ديسمبر) 2015 بإشراف المبعوث الأممي مارتن كوبلر لإنهاء الحرب الأهلية الليبية. ونص الاتفاق على تشكيل حكومة الوفاق لمدة عام قابلة للتمديد مرة واحدة.

رابعا، تناقلت مصادر إعلامية عديدة أن الجزائر تعتبر وجود حفتر على تخومها وجودا مصريا ـ إماراتيا على حدودها. وكان تقرير بتاريخ 3 حزيران (يونيو) 2017 ترجمته "عربي21" عن نشرية "موندافريك" الفرنسية قد نقل هذه المواقف، وأشار إلى أن الضربات العسكرية التي وجهها السيسي لمعسكرات التدريب الجهادية في مدينة درنة شرقي ليبيا دون التشاور مع باقي الدول المعنية بالأزمة الليبية، قد أثارت قلق الجزائر، التي لا زالت تنتهج مبدأ عدم التدخل العسكري في ليبيا، رغم استنفار جيشها على طول الحدود المتاخمة للجارة المضطربة. وأكدت الصحيفة أن الجزائر رفضت في السابق تدخل فرنسا عسكريا في مالي سنة 2013، كما أنها ترفض أيضا أي تدخل عسكري أجنبي في ليبيا.

 

الجزائر تعتبر وجود حفتر على تخومها وجودا مصريا ـ إماراتيا على حدودها.


خامسا، منذ حوالي ثمانية أشهر، وتحديدا في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي وخلال لقاء مسجل بين حفتر وأعيان قبائل ليبية، أعلن أنه هدد الحكم في الجزائر بأنه "قادر على تحويل الحرب من ليبيا نحو الجزائر في لحظات". وكشف حفتر أن "السلطات الجزائرية اعتبرت ذلك فعلا معزولا ولن يتكرر"، وذلك ردا على ما قال إنه تسلل قوات جزائرية إلى الداخل الليبي. كانت تلك التصريحات آنذاك مبعث عديد التعليقات السلبية والغاضبة بين الجزائريين، الذين طالبوا حكومتهم بالرد على ما اعتبروه إهانة بالغة. وتساءل عديد المراقبين آنذاك إن كانت تهديدات حفتر للجزائر رسالة من قبل قوى إقليمية، وليس تهديدا عفويا.
 
سادسا، من البديهي أن المحور السعودي ـ الإماراتي ـ المصري يستشعر الخطر مجددا من الحراك الجزائري والانتقال الديمقراطي هناك. 

ولعله من اللافت للانتباه، ونحن بصدد الحديث عن العلاقة بين ما يجري في الجزائر وليبيا من تغيرات سياسية، أن اللواء الليبي السابق خليفة حفتر كان قد اجتمع منذ أسبوع في الرياض مع العاهل السعودي الملك سلمان وولي عهده محمد بن سلمان.  

أسوق هذه المعطيات، ليس لتأكيد وجود علاقة آلية سطحية بين الحدثين الجزائري والليبي، وإنما الإشارة إلى أن تحرك قوات حفتر يأتي في سياق ضرب عصفورين بحجر واحد: انتهاز الانشغال الجزائري والسيطرة على طرابلس، بما يحقق واقعا جديدا لموازين القوى ويفرض نسقا مختلفا في أي مفاوضات قادمة بشأن مسار الحل السياسي في ليبيا.

 

المحور السعودي ـ الإماراتي ـ المصري يستشعر الخطر مجددا من الحراك الجزائري والانتقال الديمقراطي


وكان تقرير لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى أنجز في تشرين أول (أكتوبر) 2018، قد انتهى إلى تأكيد محورية الدور الجزائري في حلّ الأزمة المتفاقمة في ليبيا، وأنه ليس من مصلحة حفتر ولا باقي الفرقاء أو الدول التي لها نفوذ في المشهد الليبي استعداؤها أو محاولة إقصائها من أي حل للأزمة.

وأشار التقرير إلى أن جهود حفتر لدفع الحكومة الجزائرية للاعتراف به ممثلا للمؤسسة العسكرية الليبية فشلت في أن تؤتي ثمارها، ولذلك نصح التقرير الجنرال حفتر بأنه إذا كان مهتما بالانخراط في التسوية السياسية، فعليه التركيز على الأعمال التصالحية وليست التصريحات العدائية."

كما دعا التقرير الجنرال حفتر إلى القناعة بأن توحيد السلطة في ليبيا بقوة السلاح أصبح أمرا صعبا، وأن انقسام المليشيات ليس ضمانة لذلك. 

والأهم أن أي انتقال ديمقراطي حقيقي في الجزائر سيجعلها أقوى ومن ثمة قاطرة لإعادة تشكيل الاتحاد المغاربي بحضور ليبيا ديمقراطية. ولعل تونس ستكون أكثر الأطراف الإقليمية تهيبا من عدم الاستقرار السياسي والأمني على جانبيها الشرقي والغربي.