صحافة دولية

"إندبندنت" تنشر رثاء لوالدة الشهيدة الممرضة رزان النجار

رزان النجار- جيتي

نشرت صحيفة "ذا إندبندنت" البريطانية الأربعاء مقالا لصابرين النجار والدة الممرضة الفلسطينية رزان النجار التي قتلها قوات الاحتلال الإسرائيلية في حزيران/يونيو من العام الماضي خلال عملها بإسعاف المصابين في مسيرات العودة بغزة.


وقالت النجار في المقال الذي ترجمته "عربي21" إن قوات الاحتلال قتلت ابنتها على الرغم من ارتدائها لمعطفها الأبيض، مضيفة: "لقد حولها موتها إلى رمز لكل الشعب الرازح تحت الهيمنة الإسرائيلية".


وتابعت أن استشهاد رزان لم يكن "شهادة على شجاعتها وعزمها فحسب، بل وأيضا على قدرتها كمسعفة طبية وكممرضة، إذ تنقلت تحت وابل الرصاص من مكان إلى آخر تهدئ من روع الرجال والنساء والأطفال وتعالجهم وتساعد في إخلائهم".


وأضافت: "الرحمة التي تحلت بها رزان لنموذج حري بنا جميعاً أن نقتدي به. علينا أن نتعلم من أولئك الذين يخاطرون بحياتهم في سبيل الآخرين، كما فعلت ابنتي، باسم السلام والعدالة والحرية".

 

وتاليا نص المقال كاملا مترجما:


بعد مرور عام على انطلاق مسيرة العودة الكبرى مازلت في حداد على ابنتي رزان التي قتلت بدم بارد

 

كانت في العشرين من عمرها عندما أرديت قتيلة بالرصاص.


كان ذلك في الأول من يونيو/حزيران، ويومها كانت رزان – كبرى أطفالي الست والمتطوعة الفلسطينية في الإسعاف والتمريض – تساعد في تضميد جراح المتظاهرين الذين شاركوا في مسيرة العودة الكبرى والتي بدأت في الثلاثين من مارس/ آذار من العام الماضي.
 
على الرغم من ارتدائها لمعطفها الأبيض، إلا أنها غدت هدفا للقوات الإسرائيلية. وبينما كانت تحاول مد يد العون للمساعدة في إخلاء الجرحى بالقرب من السياج الإسرائيلي، أطلقت عليها النيران.
 
لقد حولها موتها إلى رمز لكل الشعب الرازح تحت الهيمنة الإسرائيلية. هذا بالرغم من أن وجودها في مسيرات عام 2018 – حتى بصفتها الطبية – لم يكن مضموناً. حالت إمكانياتنا المادية دون دخولها مهنة الطب، ولذلك درست التمريض، ومساهمة منها في مسيرة العودة الكبرى باعت هاتفها وخاتمها لتشتري بثمنهما معدات طبية.
 
وتحدت من كانوا يرون داخل مجتمعنا الغزي أنه لا ينبغي للفتاة أن تشارك، ومنذ اليوم الأول للاحتجاجات عكفت على رعاية المصابين وتضميد جراحهم. وكما يحدث في كثير من الأحيان في حياة من تكون آجالهم قصيرة، تحلت بعزيمة ولدت من تحت أنقاض غزة التي خلفها الهجوم الإسرائيلي عليها في عام 2008.


أصرت رزان على دعم أبناء وبنات وطنها في المسيرة الكبرى. فمن وجهة نظرها لم تكن مجرد مسعفة طبية، بل كانت عضواً فاعلاً في المقاومة. فانضمت إلى النشطاء والكتاب والصحفيين ومجموعات الشباب، لتجد نفسها بينهم وفي حنايا القوى الجماهيرية السلمية التي كانت تتجلى فيها معاً روح فلسطين.

 

ومثلها مثل الكثيرين منهم، تعلقت رزان بحلم بسيط وهو أن تعود يوماً إلى وطنها – والمتمثل في حالتها بالقرية التي انحدرت منها عائلتها قريباً من يافا. كانت متفائلة بأنها ستتمكن من رؤية أجدادها الذين فرق الحصار الجائر بينها وبينهم. إلا أن الذين يفرضون الحصار أرادوا ضمان ألا يتحقق لها ذلك الحلم.
 
لم تكن الرصاصة التي أصابتها في مقتل هي الأولى التي تطلق تجاهها. فقد حاول قناصو القوات الإسرائيلية الجالسين بأمان في الأبراج العسكرية، منعها من القيام بعملها في الميدان. لم تكن تلك شهادة على شجاعتها وعزمها فحسب بل وأيضاً على قدرتها كمسعفة طبية وكممرضة، إذ تنقلت تحت وابل الرصاص من مكان إلى آخر تهدئ من روع الرجال والنساء والأطفال وتعالجهم وتساعد في إخلائهم.
 
في ذلك اليوم، وفي انتهاك سافر وغير مسبوق للحقوق الإنسانية الدولية وللقانون الإنساني الدولي، تم قنص المسعفين والصحفيين وحتى المقعدين وأصحاب الاحتياجات الخاصة، وبدم بارد.
 
إن الرحمة التي تحلت بها رزان لنموذج حري بنا جميعاً أن نقتدي به. علينا أن نتعلم من أولئك الذين يخاطرون بحياتهم في سبيل الآخرين، كما فعلت ابنتي، باسم السلام والعدالة والحرية.

وما الذي انبعثت عنه مسيرة العودة الكبرى سوى تمسكنا بتلك القيم وصرختنا من أجل العدالة. فنحن مجموع بشري يبلغ تعداده 1.8 مليون نسمة، نعيش بكثافة في بقعة صغيرة المساحة، حالنا أشبه ما يكون بالمساجين، يحيط بنا الحصار الإسرائيلي والجدران التي أقاموها الإسرائيليون، وقد نسينا العالم وتجاهل أننا نعيش تحت نير الظلم.

 

وهذا هو الذي بسببه نخرج للتظاهر كل يوم جمعة، وهو الذي من أجله سنخرج نهاية هذا الأسبوع أيضاً. سوف نتظاهر بسلمية ضد ظالمينا وقاهرينا، وسوف نقف معاً، يداً بيد، مطالبين بالحقوق والحريات التي تمنح للآخرين دونما تردد أو تلكؤ.


مازلنا نحن شعب فلسطين، وبعد مرور سبعين عاماً على تشريدنا من أرضنا، نتطلع إلى اليوم الذي نعود فيه إلى ديارنا. مازالت معظم الأراضي التي عشنا فيها قبل حرب فلسطين وقبل النكبة خالية من السكان، وكأنما تنتظر بفارغ الصبر عودة أولئك الذين كانت يوماً لهم وطناً. 

لا يظنن أحد بأن هؤلاء سيهدأ لهم بال حتى يتحقق حلمهم. إن حق العودة أكثر من مجرد موقف سياسي، أكثر من مجرد مبدأ، بل في الصميم منه، كما تعكس الأدبيات والفنون والموسيقى، تكمن الهوية الفلسطينية، والتي تسري فينا مجرى الدم في العروق.


وبينما نقترب من الذكرى السنوية الأولى لانطلاق مسيرة العودة الكبرى نهاية هذا الأسبوع، ستبقى ابنتي رزان رمزاً ليس فقط للوطنية الفلسطينية، بل وللشجاعة والتحدي، الذي يميز الشعب الفلسطيني.
 
لا الزمان ولا المكان ينسينا النكبة التي منينا بها في عام 1948، بل ذكراها لا يفارقنا بتاتاً. أما الحل فممكن، ويتمثل في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي.