قضايا وآراء

من يمتلك جماعة الإخوان المسلمين؟.. مرة ثالثة

1300x600

منذ ما يقرب من أسبوعين، قامت سلطات الانقلاب في مصر بتنفيذ حكم الإعدام في تسعة من الشباب المصري (أحمد طه وأبو القاسم أحمد وجمال حجازي، وباقي إخوانهم رحمهم الله جميعا وتقبلهم في الصالحين).

 

وهؤلاء الشباب -كما ذُكر- ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين، ومنهم أحد أبناء عضو مكتب الإرشاد، طه وهدان، فك الله أسره وجميع إخوانه.

وكان قد تم الحكم على هؤلاء الشباب في قضية قتل النائب العام هشام بركات، والذي تم تفجير موكبه في حزيران/ يونيو 2015، وإن كان الكثيرون ممن تواجدوا في مكان الحادث قد قالوا إن النائب العام خرج بعد التفجيرات بإصابات خفيفة وذهب إلى المستشفى يسير على قدميه.

ولا أحد يدري من قام بعملية التفجير؛ هل هم هؤلاء الشباب أو بعضهم، أم أذرع للنظام نفسه.

 

وقد تعرض هؤلاء الشباب لعمليات تعذيب شديدة حتى يتم الاعتراف بالجريمة، علما أنه قد ثبت أن بعض هؤلاء الشباب كان قد تم القبض عليهم سابقا أو كانوا مختفين قسريا قبل وقوع الجريمة.

بالطبع، صاحَب هذا الحدث عدة فعاليات في عدد من المناطق في العالم، سواء في الغرب أو في بلاد المشرق المسلمة، من صلاة الغائب على الشباب الذين تم إعدامهم، إلى جانب عدد من الوقفات الاحتجاجية على عملية الإعدام وانتهاكات حقوق الإنسان التي تحدث في مصر خلال سنوات الانقلاب التي تعيشها أرض الكنانة.

وقبل تنفيذ هذه الإعدامات بأيام، كان قد تم التنفيذ في ستة أفراد بتهمة الاشتراك في قتل أحد الضباط في منطقة كرداسة وقتل ابن أحد القضاة في المنصورة.

 

ومن المتوقع أن تزداد وتيرة تنفيذ أحكام الإعدام في المناهضين لنظام الحكم الانقلابي في مصر، هذا بالإضافة إلى من تتم تصفيتهم من الشباب في الشوارع بتهمة مقاومة النظام.

 

فمنذ يومين تمت تصفية سبعة من المعارضين للانقلاب بحجة تبادل إطلاق النار مع وحدة من الداخلية وإصابة ضابط شرطة.

 

وتم اتهامهم بأنهم ينتمون إلى حركة حسم التي يدعي النظام أنها إحدى الجماعات المسلحة التابعة لجماعة الإخوان المسلمين.

 

ويتوقع الكثير من المراقبين للمشهد المصري أن يزداد عنف النظام تجاه كل من ينتمي للاتجاه الإسلامي عامة ولجماعة الإخوان خاصة بغرض توجيه دفة الجماعة عن السلمية، التي نادى بها مرشد الإخوان من على منصة رابعة قبل القبض عليه (سلميتنا أقوى من الرصاص)، وكأنه – فرج الله كربه وإخوانه- كان يستشرف المستقبل، بأن الهدف هو تحويل وجهة الجماعة للعنف، وبالتالي يسهل اصطيادها وتدميرها وإنهاء مسيرتها.

بعد حادثة الإعدامات صدر بيان منسوب لما يطلق عليه المكتب العام، بعنوان "عزاء مؤجل وقصاص مستحق".

 

ويتحدث البيان عن أن أصحابه سوف يستمرون في مسيرتهم تجاه الانقلاب، وأنهم سوف يقتصون للشباب الذين تم تنفيذ حكم الإعدام بهم.

 

واستخدم البيان لغة عنيفة، وأكد على استخدامه للعنف لتحقيق القصاص المستهدف. بعد صدور ذلك البيان صدر تصريح من المتحدث باسم الإخوان يكذّبه، وأنه لم يصدر شيء عن الإخوان المسلمين.

 

ودعا المتحدث وسائل الإعلام إلى أن لا تنشر عن الإخوان والجماعة إلا ما يصدر عن القائم بأعمال المرشد ونائب المرشد والأمين العام والمتحدث الرسمي للجماعة.

كما أصدر مرصد الأزهر لمكافحة التطرف في اليوم التالي بيانا وصم فيه جماعة الإخوان بالإرهاب، وأنها تسير على خطى داعش وتستهدف قتل الأبرياء وإثارة الفوضى بين المصريين.

 

وهذه هي المرة الأولى التي يصدر فيها عن مشيخة الأزهر أو أحد أجهزته ما يصف فيه جماعة الإخوان بأنها جماعة إرهابية، في ردها على بيان المكتب العام.

 

وقد هللت قنوات الانقلاب لبيان الأزهر، وأنه صدر أخيرا عن الأزهر ما يصف جماعة الإخوان بالإرهاب.

ومنذ يومين صدرت دراسة عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى بعنوان "تطرف وانقسام هيكلي داخل جماعة الإخوان المسلمين في مصر"، بقلم الباحثين انيت رانكو ومحمد ياغي، وهذا ما دفعني للحديث مرة ثالثة عن نفس الموضوع.

 

تتناول الدراسة الأحداث الأخيرة وإعدام الشباب التسعة، وبالتالي تطرقت الدراسة للوضع داخل جماعة الإخوان المسلمين، وأن هناك انقساما داخل الجماعة، ودلل على ذلك بالبيان الذي تمت الإشارة له سابقا.

 

كما تناول ما يسمى بالمكتب العام، وأن هؤلاء مجموعة انفصلت عن جماعة الإخوان، مع تأكيد الدراسة أن هذه المجموعة ما تزال تبايع الدكتور محمد بديع كمرشد عام، علما بأن الدكتور بديع صرح وأعلن خلال بعض محاكماته أنه يعتمد الدكتور محمود عزت قائما بالأعمال والأستاذ إبراهيم منير نائبا للمرشد.

 

وخلصت الدراسة إلى أن تلك المجموعة التي انفصلت عن الجماعة اعتمدت على فتوى أصدرتها مجموعة من العلماء ادعت الدراسة انهم من علماء الإخوان، تبيح ما يطلق عليه "القصاص من خلال منهج ثوري" -كما ذكرت الدراسة- يجيز لهذه المجموعة قتل عناصر الأمن التابع للنظام، وكذلك بعض القضاة الذين يحكمون على الشباب ظلما وعدوانا، وحتى الصحفيين الذين يحرّضون على الجماعة.

لقد حاولت الأنظمة المختلفة والقوى العالمية المناوئة للعمل والحركة الإسلامية على مدى أكثر من خمسين عاما؛ أن تلصق العنف بحركة الإخوان المسلمين، ولم تستطع.

 

ودائما ما كانت تبرر هذه التهم بتصوير أن الكثير من جماعات العنف الإسلامية خرجت من عباءة الإخوان، وتستدل على ذلك بجماعة التكفير والهجرة التي انشقت عن الإخوان في السجون خلال الحقبة الناصرية، وكانت من أولى الجماعات الإسلامية التي استخدمت العنف لتحقيق أهدافها في النصف الثاني من القرن العشرين.

 

ثم تلا التكفير والهجرة عدد من الجماعات، ولم تكن لها علاقة بالإخوان، ومع ذلك كانت توظف في نفس المشهد. وحتى مع ظهور الجماعة الإسلامية في مصر وأحداث أسيوط، والتي انتهت باغتيال السادات عام 1981، كانت الكثير من الأبواق في نظام حسني مبارك تدعي وتروج لفكرة أن هؤلاء خرجوا من عباءة الإخوان، بهدف القول إن فكر الإخوان وتربيتهم لأفرادهم سوف يصل بهم لنفس النهاية، وهي اتخاذ منهج العنف.

 

وبفضل الله ثم بوعي الإخوة، لم يستطع أحد محايد أو حتى باحث موضوعي أن يوثق هذه الافتراءات.

بعد أحداث فض رابعة والنهضة والقتل والتنكيل بالجثث (وهذه بالتأكيد تصرفات غير أدمية)، بالإضافة إلى تزايد أعداد المعتقلين والتعذيب في السجون والتصفيات في الشوارع وغيرها من تصرفات النظام البربرية، وخصوصا أن الكثير من الشباب ومن انتمى للجماعة خلال العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين لم يكونوا قد توثق فهمهم للجماعة ومنهجها وفكرها الأساسي.

 

وبالتأكيد عندما يرى أحدهم ما رآه وما يزال يراه، وما حدث في فض رابعة وغيرها، يتجه تفكيره إلى أن ما يحدث يجب أن يواجه بمثله، وتكون البداية لما يمكن أن يحدث بعد ذلك من تصرفات بحجة القصاص أو الثأر.

 

لكن ليس من حق أحد أن يغيّر من منهج جماعة الإخوان المسلمين بعد وفاة الأستاذ البنا مؤسس الجماعة، ولو حتى المرشد أو قيادة الجماعة نفسها. وقد ذكرت ذلك من قبل؛ لأن منهج الجماعة وفكرها الأساسي تمت البيعة عليه منذ تأسيس الجماعة وحتى الآن وفي مصر وفي العديد من الدول على مستوى العالم، وبالتالي ليس من حق أحد أن يغير هذا المنهج. من الممكن تغيير الأدوات وتطوير الآليات، ولكن ليس الفكرة ولا المنهج.

وهذا ليس معناه أن جماعة الإخوان هي الإسلام، فالإسلام أكبر من الإخوان بكثير، ومن حق أي مسلم أن يختار له منهجا ويسعى لتحقيقه، ولكنه لن تكون جماعة الإخوان المسلمين.

 

فأرجو من الإخوة ممن يقوم على هذه المجموعة أن يراجعوا أنفسهم، وأن يدركوا أنه في سعيهم لتحقيق "منهجهم الثوري" هذا -كما تقول الدراسة- لن يكونوا من الإخوان المسلمين، وأنهم بخلط الأوراق لن يكونوا إلا أداة في مخلب القط الذي يريد القضاء على العمل والحركة الإسلامية، ولم يستطع منذ استشهاد الأستاذ البنا عام 1949 وحتى الآن.

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.