صحافة دولية

نيويورك تايمز: الليبرالية تزحف على مسلمي أمريكا وتغيرهم

نيويورك تايمز: الدعاة المسلمون في أمريكا يركزون على الشباب للاندماج في الحياة الأمريكية- جيتي

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مقالا للباحث المعروف مصطفى أكيول، يقول فيه إنه بدلا من نشر الشريعة، كما يدعي كارهو الإسلام، فإن الدعاة المسلمين في أمريكا يقومون بالتركيز على الشباب للاندماج في الحياة الأمريكية.

ويقول أكيول في مقاله، الذي جاء تحت عنوان "الليبرالية الزاحفة للإسلام الأمريكي"، إنه منذ هجمات أيلول/ سبتمبر 2001، فإن اليمين المتطرف الأمريكي ظل يروج لفكرة واحدة، وهي "الشريعة الزاحفة"، التي عكست الخوف من انتشار القانون الإسلامي وبهدوء في أرض الحرية، محاولا السيطرة على النظام بشكل كامل، حيث سيفرض الحجاب على المرأة ويقتل الزناة كلهم. 

ويشير الباحث في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه "في هذا السيناريو سيقوم المسلمون الأمريكيون، الذين يشكلون نسبة 1% من عدد السكان بمتابعة خطة كبيرة، وتشكيل (طابور خامس)، كما قال ستيفن بانون في عام 2016، وبموجب هذا فالمسلمون في أمريكا ليس لأنهم يريدون الحرية، بل لتطبيق هذه الخطة".

 

ويستدرك أكيول بأن "العارفين بموضوع المسلمين الأمريكيين يعرفون أن الأقلية مندمجة أكثر في الحياة الأمريكية من تلك الأقليات المسلمة الأخرى في أوروبا، وسيكتشفون أن الكلام عن الطابور الخامس ما هو إلا فنتازيا دنيئة ورهاب، ومن لديه علم بتاريخ الإسلام في أمريكا يدرك أن هذا الافتراض عن الإسلام له سوابق في المكارثية وفترة الحرب الباردة والعداء للكاثوليكية في القرن التاسع عشر".

ويقول الكاتب إن "هناك أمرا مثيرا للمفارقة؛ لأنك عندما تطلع على النقاشات الداخلية بين القادة المسلمين المحافظين، أو النقاد في أمريكا اليوم، فإن ما تحصل عليه لا يظهر وكأنه مؤامرة على شاكلة (بروتوكولات حكماء مكة)، فبدلا من رؤيتهم يدعون لشريعة زاحفة، فإنهم يعبرون عن مخاوفهم من الليبرالية الزاحفة داخل الإسلام في أمريكا". 

 

ويضيف أكيول: "اقرأ مثلا ما كتبه ميكائيل أحمد سميث، وهو إمام في فرجينيا في مقال على الإنترنت، قائلا: (مرض روحي لدى المسلمين الأمريكيين يجعلهم آلهة فوق الله)".  

ويعلق الباحث قائلا إن "النقد موجه ضد نوع من المدونين المسلمين والكتاب، الذين (يتحدون أو يرفضون المعايير الإسلامية فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية والحياة الإسلامية)، ولا يهتم هؤلاء الشباب بالتقاليد النصية الدينية، و(يرفضون أي سلطة بخلاف رأيهم".

ويقول أكيول: "اقرأ أيضا ما كتبته الأكاديمية بثينة حمدان، التي أشارت وبطريقة أقل قلقا لما أسمته (الليبرالية الفردية) بين النساء الأمريكيات المسلمات، وتعتقد أن الحجاب أصبح (مجرد علامة على الهوية) فقد (معانيه الدينية العميقة)، ولهذا السبب ظهرت أشكال من الحجاب (موضة) و(مغرية)". 

ويلفت الكاتب إلى أن "المرأة تتبنى في الوقت ذاته مفاهيم مثل (استقلالية الجسد) و(الخيار الفردي)، وليس هناك ما يعبر عن هذه الموجة الليبرالية أكثر من قبول المسلمين للزواج المثلي، كما أظهر استطلاع عام 2017، وأصبح الآن أقوى بين المسلمين من المسيحيين الإنجيليين، وهو موقف بدا لدى النائبتين المسلمتين إلهان عمر ورشيدة طليب، وتعلمت عمر هذا الشهر درسا في كيفية تبني التشاركية في السياسة عندما اعتذرت بعد النقد الحاد لها من حزبها الديمقراطي، عندما ألمحت إلى أن مواقف الساسة الأمريكيين المؤيدة لإسرائيل جاءت بسبب الدعم المالي الذي تقدمه جماعات اللوبي الإسرائيلية، وقالت: (معاداة السامية حقيقية، وأنا ممتنة لحلفائي اليهود الذين علموني عن تاريخها المؤلم واستعارتها)، وقالت (أعتذر بشكل قاطع)".

ويرى أكيول أن "هناك خطين يشيران للتوجه إلى القيم الأمريكية، واحد يتبنى الليبرالية الاجتماعية كلها، وتقوده مجموعات مثل (مسلمون من أجل القيم التقدمية)، أما الخط الثاني فهو خط أوسع نحو الليبرالية السياسية، الذي يقبل إطار التعددية السياسي للمجتمع في مقابل الحفاظ على المحافظة الاجتماعية والأخلاقية، وناقش الباحث في الإسلام وأستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة جورج تاون، جوناثان براون، الذي اعتنق الإسلام، الخط الثاني في مقال حظي بنقاش واسع، وقبل فيه الزواج المثلي لغير المسلمين، مستندا إلى سياسة الإمبراطوريات المسلمة بعدم التدخل فيما وصفه (السفاح بالأقارب لدى المجوس)".

ويؤكد الباحث أن "هذا النقاش يحدث داخل السياق السياسي، الذي وصفه إيبو باتل، وهو أحد قادة الحوار بين الأديان، في فصل (الأمة الأمريكية) في كتابه (من عدة أديان: التنوع الديني والوعد الأمريكي)، وكتب باتل قائلا إنه في مرحلة ما بعد 11/ 9، وفي عصر ترامب صار يطلب من المسلمين أن يظهروا أنهم مندمجون في أمريكا، وذلك في ضوء زيادة مظاهر الإسلاموفوبيا، ولهذا انحرف مركز التأثير من جماعة (المسلمين التقليديين) التي تنبع سلطتها من المعرفة بالمصادر الدينية، إلى جماعة جديدة تعرف التعامل مع الإعلام (المسلمون الاشتراكيين)، التي تنبع قوتها من قدرة أفرادها على تفسير تجربة المسلمين في المجتمع الأمريكي الأوسع". 

ويجد أكيول أن "التحول المهم هو أن الرواية التقدمية للمسلمين الاشتراكيين تركت أثرها على بقية المجتمع المسلم الأمريكي، وكتب باتل قائلا: (عندما تستحضر التنوع بصفته قيمة فإن من الصعوبة بمكان حرمان مسلم مثلي وشيعي وامرأة سافرة ورجل غير ملتزم أكثر منك)".

ويذكر الكاتب أن المسلمين المحافظين يخشون من أن يقود هذا التوجه للمبالغة، فيخشى الأكاديمي رشيد دار من التحول الذي لا يمكن رده داخل المجتمع، وينقل الكاتب عنه قوله إن "الالتزام بالليبرالية السياسية في المجال العام، والمحافظة الاجتماعية في البيت أو المسجد، قد يقود لخطر ظهور نوع من التنافر المعرفي"، وأضاف: "كنت أخاف أن يقود هذا الأمر إلى حركات واسعة تطالب بإصلاح الإسلام، وما أخشاه الآن هو العدمية بشكل واسع ولامبالاة تجاه الدين". 

ويعلق أكيول قائلا: "أعتقد أن هذا القلق، وإن كان مفهوما، فإنه ربما قاد للعكس، وقد يفقد الجيل الشاب الدين طالما ظل الدين منغلقا على العقلانية والفردية والتسامح والحرية". 

ويرى الباحث أنه "لهذا السبب فإن مأزق المسلمين الأمريكيين مثير للدهشة وواعد، فالليبرالية بصفتها إطارا للمجتمع مفقودة اليوم في الكثير من مناطق العالم الإسلامي، ولو استطاع المسلمون الأمريكيون أو ما يطلق عليهم باتل (الأمة الأمريكية) تبني هذا من خلال إعادة تفسيرهم للتقاليد دون فقدان هويتهم فإن ذلك قد يسهم في تطور الأمة بشكل عام من خلال تقديم وجهات نظر جديدة وأمثلة حية".

ويقول أكيول: "يذكرنا تشارلز تايلور، الذي يعد واحدا من المفكرين في شؤون الأديان، بالسوابق التاريخية في مقال نشره عام 2011، وقال إن البروتستانت نظروا للكاثوليك الأمريكيين في القرن التاسع عشر على أنهم(غير قابلين لهضم الأخلاق الديمقراطية بالطرق ذاتها التي تطبع التذمر والشك من الإسلام اليوم)، ولكنه أضاف أن (الكاثوليكيين في أمريكا تطوروا وشكلوا الكاثوليكية بعدة طرق مهمة)". 

ويشير الكاتب إلى أن "تطورا مماثلا حصل بين اليهود الأمريكيين، وكما لاحظ ستيفن آر وايزمان في كتابه الأخير (الحروب المختارة: كيف أصبحت اليهودية دينا أمريكيا؟)، فإن سلطة الحاخامات تراجعت، وتعززت سلطة المرأة، وتم تحديث الممارسات الدينية، وانتعشت اليهودية الإصلاحية". 

ويختم أكيول مقاله بالقول: "القول إن لا شيء يمكن أن يتغير في الإسلام أمر غير منصف للدين الثالث في الديانات الإبراهيمية، وسيكون هذا سوء تقدير للإمكانية الأمريكية العظيمة لجذب الناس وتغييرهم من الأديان والأعراق كلها، تحت المبدأ البسيط من العدالة للجميع أمام القانون، ألا ينبغي على من يطلقون على أنفسهم (القوميين الأمريكيين) أن يفهموا هذا أكثر مما يبدو أنهم يعرفونه هذه الأيام؟".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)