قضايا وآراء

علم تخطيط وبناء القيم.. ومفتتح عهد جديد للعرب والمسلمين

1300x600
لا شك في أن المقصد الأعلى للعلوم الإنسانية مجتمعة هو التحسين المستمر لقيمة الإنسان وتعظيم كرامته الإنسانية، وممكنات فعله وإنجازه لتعمير الكون، وتحسين جودة الحياة على كوكب الأرض.

كما يعد علم تخطيط وبناء القيم أحد أهم العلوم الإنسانية المعنية بتحسين وتطوير سلوك وأداء وإنجاز البشر على مستوى الفرد والمؤسسة والمجتمع، وهو المعني بإدارة وتوجيه وتطوير السلوك المجتمعي، وله تطبيقاته العديدة في مجالات الحياة العملية كافة؛ يأتي في مقدمتها تخطيط القيم وصناعة وتطوير هوية المجتمع والمحافظة عليها من الذوبان في الهويات العالمية الأخرى، بما يحفظ للمجتمع والدولة أمنهما القومي، بالإضافة إلى تطوير السلوك والأداء المهني في ما يعرف حديثا بالإدارة بالقيم المهنية.

كما أنني لا أبالغ إن صرحت بأن علم القيم والهُوية الذي أعده أمّا للعلوم الإنسانية، سيكون له الدور الأكبر في صناعة القرن الواحد والعشرين، وذلك لأنه أصبح يشكل المحتوى الأساسي لمجالات صناعة الإنسان كما يلي:

1- القيم والهوية والإعلام والفن.

2- القيم والهوية والتربية والتعليم والأسرة.

3- القيم والهوية والإدارة والقيادة.

4- القيم والهوية والاقتصاد والتجارة.

5- القيم والهوية والشباب والرياضة.

5- القيم والهوية والأوقاف والشؤون الدينية.

6- القيم والهوية والسياسة.

ونظرا لانتماء علم القيم والهوية إلى العلوم الكلية الكبرى الجامعة، أي التي تجمع منظومة من العلوم المتجانسة فيما بينها لتحقق أهداف عليا، خاصة بصناعة الإنسان وتحسين جودة الحياة، يرتكز علم تخطيط وبناء القيم على عدد من نظريات علوم النفس التربوي، والاجتماعي السياسي والمقاصد والشريعة الإسلامية، والإدارة، والمنطق والتفكير، يأتي في مقدمتها:

أولا: قابلية النفس البشرية إلى التعديل والتحسين والتطوير المستمر.

ثانيا: التحسين المستمر لجودة السلوك البشري، أي يستند إلى القناعة الذاتية والتحفيز المستمر وليس الجبر والإكراه.

ثالثا: عملية تحسين السلوك والأداء والإنجاز المهني الإنساني، عملية مركبة تستند إلى العديد من المتغيرات المؤثرة بشكل مباشر وغير مباشر.

رابعا: القيم التي يعتقد بها الفرد ويتبناها إلى المصدر الأساسي لسلوكه وأدائه المهني، كما هي الملهم الحقيقي للإبداع والابتكار الذي يمكن أن يقوم به.

خامسا: تطوير السلوك والأداء والإنجاز المهني الإنساني يتم عبر آلية تربوية وتدريبية تتسم بالتدرج.

سادسا: تطور السلوك والأداء الإنساني يتم بتوازي البناء النظري مع البناء العملي.

سابعا: بناء وتعزيز وتمكين القيم في النفس البشرية يتم عبر مراحل أربعة متتالية، هي الإثارة والتعريف، تتلوها مرحلة الفهم والاستيعاب، ثم التدريب العملي، انتهاء بمرحلة التعزيز وبلوغ القدوة العملية والنموذج المثالي (المعياري) في تطبيق القيمة.

ثامنا: القيم الإنسانية ثابتة لا تتغير، ولكن تطبيقاتها السلوكية والمهارية تتطور كمّا وكيفا بتطور حركة الحياة، وبحسب طبيعة المجال المهني والتخصصي الذي تعمل فيه

تاسعا: بناء القيم يحتاج إلى بيئة نوعية مناسبة، تتضافر فيها مجموعة من العوامل البنائية اللازمة لإقناع الإنسان بالقيم الجديدة والتدريب العملي؛ لتطبيقها بكامل حريته وطلاقته.

عاشرا: تتعدد وتتنوع أنواع القيم، فهناك القيم التأسيسية والقيم التكميلية، كما أن هناك القيم الحاكمة والأخرى المتممة... إلخ، بحسب القوة والأهمية الذاتية للقيمة، وأدوارها الوظيفية ومهمتها في التأثير في السلوك الإنساني، وأولوياتها بالنسبة لاحتياجات المجتمع القيمية.

حادي عشر: القيم المشتركة التي يتبناها أفراد المجتمع، هي المرتكز الأساسي لوحدة واحتشاد المجتمع خلف قيادته السياسية التي يقتنع بها ويختارها عبر نظام ديمقراطي صحيح، لذلك فإنها تعد من أولويات الأمن القومي للدولة.

ثاني عشر: نظام القيم والأفكار المشتركة التي يتبناها المجتمع هي الأساس لشخصيته وهويته المميزة له عن باقي المجتمعات.

ثالث عشر: القيم المهنية الأساسية العامة، والخاصة بكل مجال مهني، بالإضافة إلى القيم الخاصة بكل مؤسسة بحسب أيدولوجياتها وتوجهاتها وشخصيتها الخاصة، تعتبر المحفز الأقوى لبلوغ الأداء المهني الأمثل، متفوقة بذلك عن بقية نظريات الفكر الإداري المعنية بالتحسين المستمر لأداء وإنجاز العنصر البشري.

رابع عشر: المقصد الأعلى للعلوم الإنسانية مجتمعة، هو التحسين المستمر لقيمة الإنسان وتعظيم كرامته الإنسانية، وممكنات فعله وإنجازه لتعمير الكون، وتحسين جودة الحياة على كوكب الأرض.

ومن أهم الأدوار الوظيفية لعلم تخطيط وبناء القيم:

1- تخطيط القيم وصناعة وتطوير هوية المجتمع، والمحافظة عليها من الذوبان في الهويات العالمية التي تحاول فرض نفسها بقوة الواقع، حيث التباين والفجوة الكبيرة في الإمكانيات والقدرات الفكرية والمادية الحالية، التي نتمنى ونسعى إلى سدها بأسرع ما يمكن.

تخطيط وصناعة الهوية بما يحفظ للمجتمع والدولة امنها الفكري والأخلاقي والأمني والاقتصادي والقومي مجتمع، وبما يمكن القائمين على إدارة الدولة من ضبط وترشيد وتوجيه بوصلة السلوك المجتمعي نحو التوجهات والأهداف وأولويات المصالح العليا للمجتمع، كما يضمن وحدة النسيج المجتمعي على منظومة محددة من القيم والمبادئ والأهداف المجتمعية التي تشكل هويته الوطنية الواحدة، التي تمثل الوعاء الكبير الجامع لطوائف وتكوينات المجتمع كافة، بمعنى أنها الضمانة الحقيقة لإدارة التنوع المجتمعي واستثماره لتحقيق وحدة واستقرار المجتمع.

وفي تفاصيل علم تخطيط وبناء القيم، تكمن أسرار ومفاتيح الإجابة على الكثير من أسئلة علم الاجتماع السياسي المتعلقة بإدارة التنوع المجتمعي وقيادة وتوجيه الشعوب، والمحافظة على الأمن القومي وأساليب إدارة ومواجهة حرب الهوية... إلخ، وصولا إلى امتلاك القدرة على المحافظة على هوية وطنية واحدة للمجتمع صمام أمان وحدته واستقراره، التي تعد أساس الأمن القومي لأي مجتمع بضمان "الهوية والوحدة والاستقلال وفرص التنمية".

2- الإدارة بالقيم المهنية والمعنية بتطوير السلوك والإنجاز المهني للموارد والقوة البشرية للدولة، بقطاعاتها الحكومية والمدنية والخاصة العاملة في قطاعات ومجالات الحياة المهنية كافة (الإعلام، الجيش، الشرطة، التربية، الرياضة، الفن، الإنتاج، الاقتصاد).

ومما أصبح مقننا ومؤكدا عالميا، أن التحول إلى الإدارة بالقيم المهنية أساس الاحتراف المهني وتحقيق الإنجاز والتميز في قطاعات الإنتاج كافة.

وللحديث بقية إن شاء الله عن تطبيقات علم القيم والهوية في بقية مجالات صناعة الإنسان في الحياة المعاصرة.