سياسة عربية

باحث سوداني: التظاهرات الشعبية تعيد هندسة الخارطة السياسية

قال بإن الاحتجاجات الشعبية في السودان لم تصل إلى مستوى الثورة، وأن الجيش ما زال متماسكا

توقع محمد الواثق أبوزيد مدير هيئة الأعمال الفكرية في السودان، أن تؤدي الاحتجاجات المستمرة في البلاد، إلى إعادة هندسة الخارطة السياسية في البلاد، ونشوء تنظيمات فكرية وسياسية جديدة مع تراجع المؤسسة الحزبية القديمة التي رأى أنها لا تلبي طموحات ورغبات عدد كبير من الشباب يمثلون نحو 64% من سكان البلاد.

ويدير أبوزيد هيئة معنية بالتجديد في الفكر الإسلامي، وعقد الندوات في هذا الخصوص، وإصدار الكتب والكراسات الفكرية المرتبطة بحركة الإسلام السياسي، حيث كانت الهيئة الجهة المختصة بإصدارات زعيم الحركة الإسلامية الراحل الدكتور حسن الترابي.

ثورة أم لا؟

في حديث خاص لـ"عربي21" حول التطورات العاصفة التي يشهدها المجال السياسي في السودان، يقول مدير هيئة الاعمال الفكرية: "إن ما يحدث لا تنطبق عليه شروط الثورة، ويفضل أن يصفها بالاحتجاجات تحولت من مطلبية معيشية ثم انتقلت إلى مرحلة احتجاج تنظيمات سياسية استطاعت أن تحشد عددا من غير المسيسين وتحويل الخطاب من مطلبي إلى سياسي".

 

إقرأ أيضا: الشرطة السودانية تنفي إطلاق رصاص حيّ في احتجاجات الخميس

ويعتبر أبوزيد أن استمرار التظاهرات لا يعني بالضرورة تطورا إلى مفهوم الثورة، إذ لم تتعد الاحتجاجات أربع ولايات من بين 18 ولاية، كما أن عدد المشاركين ليس بالحجم الكبير، إضافة إلى أن النظام لا يزال متماسكا ولا يوجد ما يشير إلى احتمالية أن التحالف الحاكم الذي يسيطر فيه حزب المؤتمر الوطني الذي يرأسه البشير، يشهد حالة تفكك.

ويضيف: "إن حجم التظاهرات بين الميديا والواقع يظهر فوارق كبيرة"، مشيرا إلى أن التفاعل مع الاحتجاج بإضافة وسائل التواصل الاجتماعي التي عملت على تغذية مرتجعة لوسائل الإعلام والعكس صحيح، وأعطت انطباعا بأنها ثورة، لكن في الواقع أنها لأول مرة تستمر لهذا الوقت، وهي أكبر احتجاج في تاريخ (الإنقاذ) أي منذ الانقلاب العسكري في العام 1989م ووصول الرئيس عمر البشير إلى السلطة.

ويشير إلى أنه لم يحدث حتى الآن حالة خروج كلي للشارع، ولم يقع انقسام بين السلطة والشارع، وأن ما يجري ليس اصطفافا كاملا مع أو ضد، بيد أن الوضع هو انقسام بين الشارع نفسه بين مؤيد للاحتجاجات وحشود أخرى مؤيدة للحكومة والرئيس عمر البشير، كما ظهر في التجمع الذي أقيم قبل أسبوعين وشاركت فيه أحزاب الحوار الوطني التي هي جزء من الحكومة، فضلا عن وجود أحزاب مؤثرة لا تزال في الحكومة مثل حزب المؤتمر الشعبي الذي أسسه الراحل الدكتور حسن الترابي، فضلا عن حزب الأمة القومي المعارض بزعامة الصادق المهدي الذي لم يحسم خياره حتى الآن بتأييد الاحتجاجات في الشارع، (هو الحزب صاحب الأغلبية الانتخابية في انتخابات 1985م).
 
مؤشرات للمستقبل

وحول تأثيرات هذه الاحتجاجات، يقول أبوزيد لـ"عربي21": "إن الاضطرابات التي بدأ يشهدها السودان بشكل ملحوظ على خلفية انفصال دولة الجنوب عام 2011م وتأثيره الاقتصادي والسياسي، تُعيد هندسة الخارطة السياسية في البلاد، ونشوء تنظيمات فكرية وسياسية جديدة مع تراجع المؤسسة الحزبية القديمة التي رأى أنها صارت لا تلبي طموحات ورغبات عدد كبير من الشباب يمثلون نحو 64% من سكان البلاد، وأن القوى السياسية القديمة تآكلت نتيجة انتشار الوعي الذي ساهمت فيه ثورة التعليم".

 

إقرأ أيضا: سياسي سوداني: البشير لن يفعل ما فعله السيسي بالمصريين

ويضيف: "منذ عام 2004 حتى انفصال الجنوب 2011م كانت فترة رخاء اقتصادي، وارتفعت مطالب الجمهور خصوصا الشباب، ما خلق تحولات في أنماط الحياة، كما أن التوسع في التعليم العالي صنع بعض الفرص مع تحديات قائمة بوجود معرفة دون فرص اقتصادية، ما تسبب في التكدس بأعداد كبيرة مع ضيق الفرص، وكان الاحتقان هو النتيجة الأبرز لسرعة التحولات الاجتماعية المتفوقة على إيقاع مؤسسات الدولة".

ويرى أن كل هذه الظروف، صاحبتها حالة من انسداد الأفق وسط القوى المعارضة والحاكمة التي لم تقدم أطروحة جديدة تخاطب أجيال جديدة يمثلون النسبة الأكبر من السكان (دون الأربعين). 

احتمالية التغيير

وبشأن السيناريو المتوقع لهذه الاحتجاجات، يدعو أبوزيد إلى الانتباه للتقديرات الشخصية عند الرئيس السوداني عمر البشير وتفاعله مع الأحداث الجارية خصوصا تأكيده في أكثر من مناسبة على ضرورة إتاحة الفرصة للشباب، ورأى أبو زيد أن كل الاحتمالات مفتوحة بشأن عدم رغبته الشخصية في الاستمرار في منصب رئيس الجمهورية، ورأى أن الاحتجاجات المطلبية والسياسية في السودان تعزز هذه الفرضية، كما أنها أيضا تدعم القوى الاجتماعية والسياسية الداعية لاستمرار البشير في السلطة لحفظ توازن النظام بشقيه المدني والعسكري، معتبرا أن السؤال الملح المطروح في الأذهان هو من هو البديل اللائق بمواصفات لحفظ التوازن بين الجيش والسياسة.

 

إقرأ أيضا: لجنة أطباء سودانية: مقتل طبيب وطفل برصاص الأمن (صور)

ولم يستبعد تأجيل الانتخابات المقرر لها العام 2020م، والمطروحة كخيار من قبل الرئيس البشير أمام المتظاهرين، ويرى أبوزيد أن كل الاحتمالات مفتوحة بما فيها تأخير انعقاد الانتخابات في إطار حل كلي على الرغم من أن الموقف داخل حزب المؤتمر الوطني الآن هو الترتيب للانخراط في هذه الانتخابات ودعوة الآخرين إليها، بيد أن الواقع الحالي يشير إلى أنه لا يوجد طرف لديه الرغبة في إقامة الانتخابات في موعدها خصوصا الأحزاب التي لا تملك سندا شعبيا يؤهلها للمنافسة، إضافة الى صعوبات التحول إلى أحزاب سياسية بالنسبة للحركات المسلحة، إلى جانب ان بعض القوى التي تشارك في الحكومة عبر مؤتمر الحوار الوطني ترى أن تنفيذ مخرجات الحوار الوطني تتطلب مزيد من الوقت لأن الرؤية الكاملة للتسوية والسلام يهزمه الواقع.

ولم يستبعد أن يعاد النظر في كفاءة الجهاز التنفيذي، في إطار مبادرة الجهاز التنفيذي للتعامل مع الاحتجاجات وتلبية المطالب المعيشية، ورأى أن الحكومات التي شكلت وفقا لمؤتمر الحوار الوطني افتقدت للتناسق.

الجيش والسياسة

مع الضغوط التي يشكلها الحراك في الشارع السوداني على النظام السياسي في السودان، تثار أسئلة حول مدى استجابة الجيش، إذ يرى مدير هيئة الاعمال الفكرية، أن المنظومة الأمنية متماسكة وأن القوات المسلحة على مستويات القيادة العليا أو الوسيطة او صغار الضباط او الجنوب، هي حزب مهم من تكوين النظام نفسه وفي قلب النظام الحاكم، كما أن الرئيس البشير يمثل أيضا المؤسسة العسكرية، وأن تماسك هذه المؤسسة يعطي صورة أوضح لتماسك النظام.

 

الكاريزما التي يحظى بها مدير الأمن والمخابرات الوطني الفريق أول مهندس صلاح عبد الله قوش أوحت لبعض المراقبين بأن لجهاز الأمن قوة باطشة يرجح موازين القوة لصالحها


ويرى أن بعض المحللين غير مدركين لحقيقة أن التنظيمات الأمنية الأخرى هي جزء من هيئة القيادة للجيش السوداني بما فيها قوات الدفاع الشعبي التي ساندت الجيش إبان الحرب في الجنوب وهي من عقيدة النظام الحاكم، إلى جانب قوات الدعم السريع التي تتبع لهيئة قيادة القوات المسلحة، وتعمل تحت إمرة الجيش، وعتادها من الأسلحة الخفيفة او الثقيلة يتم جمعها وتوزيعها بواسط قيادة الجيش.

ويضيف أبوز زيد: "إن الكاريزما التي يحظى بها مدير الأمن والمخابرات الوطني الفريق أول مهندس صلاح عبد الله قوش أوحت لبعض المراقبين بأن لجهاز الأمن قوة باطشة يرجح موازين القوة لصالحها، بيد أن الواقع يؤكد أنها قوة معنية في جزء كبير منها بجمع المعلومات وتحليلها، وأنها لا تمثل في أحسن التقديرات نسبة 3% من قوة الجيش، وأن حجم قوات الأجهزة الأمنية لا يقارن مع الجيش، وأن عدم التناسب يؤكد على انعدام التنافس، فضلا أن لكل جهة وظيفة مختلفة عن الأخرى، وأضيف إلى الجيش مؤخرا مهام حماية المقدرات الاستراتيجية للدولة، وهو بالتالي ليس معنيا بالتعامل المباشر مع الجمهور، كما أن الجيش غير معني بفض التظاهرات".

ويخلص إلى أن المنظومة الأمنية في السودان بجميع أجهزتها تعمل بـ"هارموني"، ما يوضح استحالة إسقاط النظام عبر استجابة الجيش أو أي من الأجهزة الأمنية.

ويعيش السودان منذ 19 من كانون أول (ديسمبر) الجاري على وقع احتجاجات شعبية جراء تردي الأوضاع الاقتصادية، لكنها سرعان ما تطورت لرفع شعارات مطالبة بإسقاط النظام.

وقد واجهت السلطات السودانية هذه الاحتجاجات بقبضة أمنية مشددة أدت لسقاط عشرات من القتلى والجرحى.