قضايا وآراء

يوم ميلاد جديد.. مزيد من ترشيد الأمنيات والأحلام!

1300x600
في خضم طوفان متداخل، من جرائم فردية بشعة في مجتمعاتنا، وفي ظل تداعي أو اهتزاز دول ومجتمعات وأنظمة عاشت لعشرات السنين، وفي تيه لا حدود له لأفراد وخطوات مجتمعية كانت ملء السمع والبصر والفؤاد، وفي قلب برودة شديدة، يأتي يوم ميلادك؛ علامة فارقة بين ماض امتد، وشكل أزمنة طويلة من الأحلام والآمال لجيلك وأجيال مقاربة من لاحقة وماضية، وبين مستقبل هو في عهدة الله؛ لا تدري كم تبقى من رصيدك منه.. ولا هل يسعدك أم يؤلمك مروره؟

تقف في زاوية بين زوايا؛ تسائل نفسك بمرارة: فيم كان تقصير جيل عربي كامل من المحيط إلى الخليج؛ حتى وصلت الأحوال والأوضاع إلى ما هي عليه؟

بل فيم كان تقصير ملايين الشباب والطاقات الكبرى الأكبر سنا والأصغر على امتداد الحلم الإسلامي بالوحدة؛ ولو بجمع كيان بلاد تحت أفق كونفدرالية أو فيدرالية؟ فيم - يا ترى - أخفق المسير الجمعي حتى وصلت الأمور إلى ما هي اليوم عليه؟

في الوعي الجمعي نبتت الأحلام والآمال أكثر مما ينبغي، كانت في نفسك وفي داخل أعمق نقطة ومنطقة في صميم قلب جيلك، دون استدلال واضح أو ضوء كاف أو هدي من نور التجربة.

الثورات تأتي متتابعة متوالية في أواخر 2010 وبداية 2011م؛ أربعة ثورات دفعة واحدة في دول عربية، تسري روحها السرمدية المعنوية حتى لتحطم الحدود المعنوية والفوارق البيولوجية والطبيعية بين البلاد؛ وكل ثورة مكتوب لها النجاح، ومختوم لها بذلك بمجرد مرور أيام على بدايتها.

كما كان الظلم وانتشاره تفريقا وتشتيتا وإماتة لآلاف الأحلام، إن لم يكن أضعاف أضعاف هذا الرقم، فإن في إفاقة الحلم واستشرائه وانتشاره، دون سند من تخطيط أو إضاءة من منطق وواقع ودراسة لسيكولوجية الشعوب وقدراتهم ومدى تحملها النفسي، جعلنا نتخيل ونتوهم أن الأحلام بعثت من مرقدها، ومن داخل نفوسنا لتتحقق فوق ظهر الأرض!

لم نلتفت إلى منظومة الوعي الجمعي المفتقدة داخل مجتمعاتنا والتي لا يولد - فضلا عن ان ينمو ويتحرك - أمل إلا بها؛ كنا نظل القيد ينكسر غفلة كما في شعر "أبي القاسم الشابي"، دون التفات إلى أن افتقاد المنطقية الواقعية والتاريخية، بل المنطقية في الأمور.

وهل تقبل تلك الشعوب التي اعتادت أن تكون أقدامها وأيديها، بل عقولها، في ماء النار.. لا الماء المغلي؟ هل تتحمل تلك الشعوب التي لها ملمس بشرة طفل شديد الحساسية والبرودة من تيارات الهواء.. هل تتحمل تلك الشعوب رياح الحرية القوية؟ وللحرية تقلبات وفيضانات وأنواء ومد وجذر.. تروح وتجيء ويحسبها الذين لم يعتادوا عليها طوفانا وكوابيس.. لا من سنن الله الكونية!

علمنا رب العام المنصرم الماضي والمنصرف أن انتشار الأحلام، دون أفق من سند الواقع أو أفق من الحقيقة؛ إنما تفضي في النهاية وتؤدي إلى التعجل الشديد الذي يصيب الأفراد والحركات والمجتمعات في منطقة ضعف شديد يعيد العجز والافتقار إلى الحرية من جديد.

وفي خضم الأزمة وروحها، علمت الأزمةُ صاحبَ الكلمات أن الله لا يظلم أحدا، وأن الأرواح التي تتخبط في خضم الضعف والعجز بل الحرص على الخير كل الخير للنفس البشرية الواحدة. مثل هذه المواقف مع الآلام الجماعية للأمة؛ أهدت لصاحب الكلمات طريقا ومؤدى واحدا.. فإذا كان الإصلاحيون بحاجة إلى فترة من تعقب الأفكار وتمديد وبسط الأحلام لغربلتها واستخراج الجزء غير المهذب منها أو استبعاده، وإذا كان ملح الأرض الذي لا تصلح إلا به بحاجة إلى إصلاح، فما بالنا وظننا بغيره؟!

في سويداء القلب تبقى معاناة الملايين من الذين خرجوا من ديارهم وأعمالهم وأهليهم ابتغاء رفعة ونهضة أوطانهم، سواء كان الهدف الأسمى مرضاة الله أو العيش في أمان وسلام في بلداننا العربية.. هؤلاء أرق الليل وضيق النهار؛ قصرنا في حقوقهم هنا وهناك.. ونسأل الله السلامة..

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.