قضايا وآراء

هل يكون السودان هو النموذج للسعودية؟

1300x600

نشاهد على مدى الأيام القليله الماضية ما يحدث في جمهورية السودان من مظاهرات واحتجاجات شعبية؛ بدأت من إحدى مدن السودان وانتقلت إلى العاصمة.. والمطالب واحدة، وهي الحاجة إلى حياة كريمة، مثلما طالب المصريون واليمنيون والليبيون والتونسيون والسوريون منذ أكثر من سبع سنوات.. ولكن الملاحظ أن هذه الاحتجاجات ظهرت وتنامت بعدما أثير عن وجود علاقات غير معلنة بين السودان والكيان الصهيوني، وبعد زيارة مفاجئة لعمر البشير إلى سوريا على متن طائرة شحن روسية؛ لم يذكر أسبابها أو النتائج التي ترتيت عليها.

وهذا التعجب ناتج عن أن الأوضاع الاقتصادية في السودان وانهيار العملة السودانية بدأ منذ ما يزيد عن ثماني سنوات، ومع انقسام السودان إلى شمال وجنوب؛ لأنه مع انفصال جنوب السودان خسر الشمال كافة منابع البترول في جمهورية السودان، كما يمر من أراضي دولة جنوب السودان أحد فروع نهر النيل، وهو النيل الأبيض، قبل أن يلتقي بالنيل الازرق في مدينة الخرطوم. وقد حدث الاستفتاء على استقلال الجنوب في التاسع من كانون الثاني/ يناير 2011.

وكما ذكرت من قبل، فإن الفكر الغربي مؤمن بقضية النموذج، وأنه من الضروري التجربة أولا في نموذج مشابه قبل أن يتحول إلى فعل عام. والأمثلة عديدة في ثورات أوروبا الشرقية، وكيف كانت بولندا هي النموذج لأكثر من عشر ثورات تمت بعد ذلك في القارة العجوز، قبل تقسيم الاتحاد السوفييتي، وهو نفس ما حدث في المنطقة العربية خلال المرحلة السابقة، فكان النموذج في تونس ثم انتقل إلى مصر؛ لأنها كانت المقصودة بالتخلص من مبارك، وعدم الرغبة في مجيء جمال واحتلاله للمنصب، ومن أجل حسن التخطيط، كان يجب التامين في قضية المياه لحصار المصريين لو حدث أي طارئ في التنفيذ عن المخطط. والجميع يعلم أن "مصر زي تونس، وليبيا زي تونس ومصر، وسوريا زي مصر وتونس وليبيا.."!!! بلا شك أن تصرفات بعض النخب (الإسلامية وغير الإسلامية) والأداء السياسي الذي قامت به في عالمنا العربي، ساهمت بشكل أو بآخر في ما وصلنا إليه، سواء في مصر أو في ليبيا أو سوريا أو اليمن.

والسودان دولة تبلغ مساحتها ما يقرب من مليوني كيلومتر مربع، وهي أكبر الدول الأفريقية مساحة، واللغة العربية هي لغتها المعتمدة، وتمتد حضارتها إلى أكثر من خمسة الآف عام. تم فصل جنوب السودان عام 2011 - كما ذكرت - بعد محاولات عديدة منذ استقلال السودان عن مصر وبريطانيا عام 1956، بحجة أن غالبية سكان الجنوب السوداني مسيحيون، وبالتالي تم دعم عملية الانفصال من جانب العديد من الدول الغربية، وتم رفع شعار تقرير المصير، والمزايدة من جانب تلك الدول من أجل حصول شعب الجنوب على حريتهم. وكأن كبر مساحة السودان يثير غضب الكثيرين، فهي تعادل مساحة أكبر من مجموع مساحات أكثر من خمس دول أوروبية، مثل فرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة.. فتمت إثارة سكان غرب السودان في دارفور، من أجل الحصول على الاستقلال أو الحكم الذاتي في دارفور. كما توجد حركات تحرر في شرق السودان تطالب أيضا بالاستقلال أو الحكم الذاتي.. ومن أهم تلك الحركات، حركة مؤتمر الباجا، التي تحولت إلى العمل العسكري عام 1993.

والأراضي السودانية من أكثر الأراضي خصوبة في الإقليم، ويمكن أن تمثل سلة للمزروعات في المنطقة بأنواعها المختلفة.

والأوضاع الاقتصادية في السودان تزداد سوءا، وهو في هذا لا يختلف عن جارتيه الشمالية أو الغربية، مصر أو ليبيا، وخصوصا بعد أن فقد ما يعادل ثلاثة أرباع الدخل القومي نتيجة انفصال الجنوب ممثلا في إيرادات النفط. وانخفاض قيمة العملة المحلية، وارتفاع معدلات التضخم في الأسعار، بالإضافة إلى انخفاض فرص العمل المتاحة؛ نتيجة ابتعاد المستثمرين عن الاستثمار في السودان، حيث أنه ما يزال على قائمة الدول الراعية للإرهاب، وما زال الرئيس عمر البشير مطلوبا للمحكمة الجنائية الدولية.. كل هذه الجوانب والعوامل أدت إلى تحرك الجماهير السودانية للقيام بالمظاهرات التي نراها الآن في العديد من المدن السودانية. وكعادة الحكومات المستبدة، قامت الحكومة السودانية بتوفير المواد الأساسية، كالخبز والدقيق والوقود، للعاصمة، وهي مدينة الخرطوم، لضمان سكوتها، على حساب المدن والمحافظات المهمشة، وبالتالي يزيد من الشعور بالإهمال والتهميش لسكان تلك المحافظات. من الواضح أن المظاهرات تتزايد - على الأقل حتى اللحظة - ومن المتوقع أن ترتفع وتيرة المظاهرات والاحتجاجات. ولكن السؤال الذي سوف يثار هو: هل سيقف الجيش في صف البشير، أم أن هناك أمر خارجي ليقف على الحياد؟

والسؤال الثاني المطروح، هو هل سيكون ما يحدث في السودان نموذجا لما سوف يحدث في دولة أخرى في عالمنا العربي تكون هي المقصودة؟ وأتصور أن هذا هو السؤال الأهم؛ لأنه منذ مطالبة كوندليزا رايس، مستشارة الأمن القومي للرئيس بوش الابن، بضرورة العمل على وجود الشرق الأوسط الجديد بعد أحداث نيويورك وواشنطن عام 2001، ونحن نرى أن هناك خطوات فاعلة لتغيير شكل المنطقة بدأت بالعراق ثم.. ثم.. الخ. فهل نحن على أبواب حلقه جديدة من حلقات الشرق الأوسط الجديد، وبالتالي يتم التحضير لإعداد النموذج، ومن المحتمل أن يكون السودان هو النموذج الجديد لهذه الحلقة. وظهر الرئيس السوداني محاولا امتصاص غضب الشارع، وتقديم الوعود بمستقبل مزدهر للشعب السوداني. كما قام الجيش بإصدار بيان تأييد للنظام، واتهام الجموع الشعبية المحتجة بالعمالة ووصفها بالمندسين. والسودان بلد كبير المساحة - كما ذكرت - وهناك الكثير من الحركات الانفصالية في جنباته المتعددة نتيجة التهميش، وقد تستغل انفجار الشارع لتحقيق أهدافها. وبالتالي، سيكون لدينا ليس فقط شمال وجنوب، بل يمكن أن نجد شرقا وغربا ووسطا أيضا.

من المعروف أن الرئيس السوداني الحالي هو أحد أبناء الحركة الإسلامية في السودان، والتي أسسها الدكتور حسن الترابي (وهي ليست حركة الإخوان المسلمين). وهو (البشير) دائما يتفاخر بأنه من أبناء الحركة الإسلامية، وحتى بعد خلافه عام 1998 مع الدكتور الترابي رحمه الله، استمر في التوجه الإسلامي كما يدعي، وكان يستدل بالكثير من الأحاديث والآيات في خطبه الجماهيرية، كما أن حزب المؤتمر الوطني، وهو الحزب الحاكم في السودان هو أحد طرفي الحركة الإسلامية في السودان بعد انفصال الدكتور الترابي وتأسيس حزب المؤتمر الشعبي. واستمر البشير في الحكم لمدة تقترب من ثلاثين عاما، أي ما يقترب من فترة حكم مبارك وزين العابدين بن علي، وهما قد أزيحا عن مكانهما بحركة شعبية عام 2011، فهل ينتظر البشير نفس المصير؟ أم يختار نموذج سوار الذهب الذي قام بتسليم السلطة لحكومة منتخبة وابتعد طواعية عن المناصب والحكم؟ وهل من الممكن أن تقوم الحركة الإسلامية العالمية بدور في هذا المضمار؟ أم يستمر السيناريو وتتزايد الاحتجاجات المليونية في مدن السودان المختلفة، من أجل توظيف الأحداث لصناعة نموذج جديد يستهدف التقسيم في المنطقه؟

 

والله أعلى وأعلم، وهو من وراء القصد وهو يهدي السبيل.