قضايا وآراء

ماذا بعد اعترافات قائد المرتزقة بول باريل؟

1300x600
لماذا تصر السعودية وملحقاتها من الدول الخليجية، كالبحرين والإمارات، على الإطاحة بالسيادة القطرية والنيل منها؟ لماذا ما زالت مصر السيسي تمارس حتى الساعة دور العراب لجرائم السعودية ضد دول العالم وأقرب الجيران والأشقاء، كدولة قطر، مقابل المال؟

مناسبة هذه التساؤلات هي اعترافات بول باريل، قائد المرتزقة الفرنسي؛ الذي كُلف بالإعداد للانقلاب الفاشل في قطر عام 1996، خلال برنامج ما خفي أعظم الذي بثته قناة الجزيرة. وتعتبر اعترافات باريل بمنزلة ورقة قانونية استراتيجية، تستطيع قطر من خلالها رفع قضية في محكمة العدل الدولية في لاهاي ضد كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر؛ على تورطهم في زعزعة الأمن القومي لدولة آمنة مسالمة لم تعتد على أحد، وعلى دورهم التخريبي المضلل، الذي يهدد أمن وسيادة قطر؛ كونها عضوا فعالا في مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية.

أما اختيار بول باريل للقيام بهذا الانقلاب، فلكونه رجل مخابرات فرنسيا سابقا، ومؤسس القوات الفرنسية الخاصة التي تعرف تحت مسمى الضفادع البشرية، فضلا عن أن باريل ذو خبرة في التدريبات العسكرية والأمنية، خصوصا في الإنزال الجوي والبحري والبري.

وقد استغلت السعودية السيد باريل ووظفته لقيادة الانقلاب ضد قطر، بعد أن أنشأ شركة أمن خاصة به منفصلة عن الحكومة الفرنسية، هدفها القيام بعمليات قذرة في الشرق الأوسط وأفريقيا، وحول العالم، فلن تنجو مذابح رواند من بصماته، ولا ساحل العاج، فضلا عن الدور التاريخي القذر للمخابرات الفرنسية في أفريقيا، وإشعال الفتن بين القبائل ومساندة الانقلابات العسكرية للقادة الموالين لها ولسياستها ضد آخرين موالين لبريطانيا أو أمريكا.

بيد أن تصريح أمير الكويت الأخير حول محاولة الكويت إبعاد الخطر العسكري بقوله: "أوقفنا عملا عسكريا ضد قطر"، يمنح قطر حق التسلح غير المشروط كي تحمي مصالحها الاستراتيجية والسيادية، ولخلق توازن إقليمي في منطقة الخليج العربي، وعدم ترك الرياض تنفرد بقضايا المنطقة ومصير شعوبها.

كما أن المصالح الاستراتيجية الأمريكية ستؤول تدريجيا إلى دعم قطر؛ كونها أيضا تحتضن قاعدة عسكرية أمريكية على أراضيها.

قطر وسلاح السيادة

ما مرت به قطر بعد مرور عقدين من الزمن يُلزمها حتما مراجعة ترسانتها الحربية على جميع الأصعدة، وخصوصا البحرية فعليها أن تعززها وتضاعف الحماية البحرية، فالأمر يتطلب منها حماية سيادتها الحدودية والسياسية من غدر الجار قبل البعيد. فهي تمتلك الدليل الدامغ على استهدافها سياديا وعسكريا من قبل السعودية، وما زالت معرضة للهجوم بأية لحظة. وللأسف، هي محاطة بالأعداء لا الأشقاء، كما يدعون جهرا، ما يتطلب منها أن تكون قلعة محصنة عصية على المرتزقة أمثال بول باريل، وفرقته التي احتوت على مجموعة من المرتزقة التشاديين، وقوات عسكرية من الجارة الشقيقة السعودية قوامها 1500 عسكري! حيث تبرعت بالتسهيلات اللوجستية وبالعتاد، ومولت عملية الانقلاب، وأعطت لقائد المرتزقة بول باريل ما يقارب 1500 عسكريا من القبائل السعودية للاعتداء على قطر!

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: إلى أين تأخذ السعودية العالم والخليج العربي، الذي تصدع بسبب حقدها الدفين على قطر؟ وماذا تريد السعودية بالتحديد من قطر؟ ولماذا تريد السعودية ضم قطر إليها واعتبارها المحافظة رقم 14 وتابعة لآل سعود؟ وهذا كله يعزز حاجة قطر اليوم لبناء أسطول بحري على الأمد الطويل.

لذا، فإن هناك قائمة من التغيرات العسكرية ستدفع قطر إلى اتخاذ إجراءات احتياطية للحفاظ على سيادتها ومواطنيها، ومن المؤسف أن نقول إن وجود القاعدة العسكرية الأمريكية (قاعدة العيديد العسكرية)، أصبحت ضرورة استراتيجية عسكرية على المدى البعيد لدولة قطر، كونها مرآة استراتيجية للتعاون العسكري بين قطر وحليفها الأمريكي في الخليج.

كما أن دخول خمسة آلاف جندي تركي، بعد إعلان الحصار على دولة قطر بُعيد القمة الإسلامية التي دعا إليها ترامب في الرياض في أيار/ مايو 2017، حيث بعد هذه القمة بأيام بدأ مسلسل القرصنة لوكالة الأنباء القطرية والهجوم عليها، ما يؤكد أن قطر كانت للمرة الثانية عرضة لأنظمة مارقة خبيثة النوايا، بل هي مستهدفة بعملية انقلاب أخرى فاشلة.

وقد أكد هذا أمير الكويت، كما راح وزير الخارجية الأمريكي السابق ريكس تيلرسون، ضحية للمحاولة الجديدة، حيث طرده ترامب من منصبه عبر تغريدة صغيرة استغنى فيها عن خدماته، لإرضاء السعودية وبضغوط من المملكة التي أبدت قلقها منذ بداية تولي تيلرسون حقيبة وزارة الخارجية، حيث كانت السعودية غير راضية على تصريحاته التي كانت - حسب الجانب السعودي - تنتقد المملكة وسياستها في العالم العربي، وحصارها الجائر وغير المبرر على قطر، والحرب التي تقودها في اليمن.

كما أن مصر السيسي لا تختلف عن مصر مبارك، فمبارك الذي دعم الانقلاب في 1996، لا يختلف عن السيسي الذي يدعم جهرا انقلاب 2017 مقابل مزايا مادية واستثمارات، بل ودعما لشرعيته واستبداده ضد حقوق الشعب المصري، فضلا عن تنازله عن الجزيرتين المصريتين تيران وصنافير لصالح السعودية.

فتبدو مصر كأنها عراب انقلابات وانتهاك لحقوق الإنسان، وتستغل في الحروب لإرسال جيشها لدعم الاستبداد ضد شعوب آمنة، بل وافتعال الإرهاب ضد المواطنين المصريين لنيل الشرعية من الغرب، على حساب سمعة المواطن المصري البريء الذي تبددت سمعته في الغرب والعالم بسبب بيع الرئيس شعبه كإرهابي يستحق السحق والسجن، وأن الانقلاب العسكري ضرورة ملحة للحفاظ على الأمن القومي المصري.

السعودية مهلكة الأمم

كيف تكون السعودية قائدة للأمة العربية والإسلامية، وحامية للمشاعر والأماكن المقدسة، وهي في الوقت نفسه سوسة الإرهاب السياسي والعسكري في المنطقة والعالم؟ تحاول السعودية الهيمنة على الخليج العربي، عبر دفع الجميع للعداء ضد إيران، فماذا تريد من إيران؟ واليوم تطلب السعودية من دول خليجية علنا التقرب لإسرائيل وبالتطبيع العلني، فضلا عن قيامها منذ نشأتها بتقويض دور الدول العربية وتحجيم إمكانياتها العسكرية والإقليمية السياسية، لتنفرد وتتربع على العرش، وهي من أسس لزعزعة المنطقة ونشر الإرهاب تاريخيا!

وفي الواقع، هي المخرب الحقيقي المعلن لهذه الأمة العربية والإسلامية، وتعمل ضد مصالحها الاستراتيجية والوطنية. والفاضح أكثر هو استمرار السعودية بالكذب والنفاق على شعبها وعلى الأمة العربية والعالم؛ بأنها تقود الأمة العربية والإسلامية! فكيف تكون قائدة وهي سبب تخبط وخلق الفوضى في المنطقة والعالم، ابتداء بالهجمات الإرهابية في الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001، مرورا بتسليح المعارضة السورية، وتقويض وشراء لبنان بالمال، والضغط عبر التعيينات النيابية والحكومية الموالية لها، وشراء الذمم في البرلمان العراقي، وخراب وقتل الشباب المصري ومصادرة ثورته؛ لأن المملكة تقف الآن ضد الإخوان؟

نعم مقتل خاشقجي عرى السعودية، وكشف عن صورة الوجه الحقيقي لها، فهي ما زالت تدعي حماية الإسلام، كونها موقعا جغرافيا لبلاد الحرمين لا أكثر، لكن دورها الحقيقي غير ذلك، فهي نفسها ضحية غرور أعمى طغت عليه فلسفة القيادة المطلقة والطمع والقتل والنهب. للأسف السعودية اليوم تشبه دولة قطاع الطرق في العصر الجاهلي، ورجالها قراصنة الكراكيب في خليج ما زال عربيا!

فلولا مقتل خاشقجي لما تحرك الكونجرس الأمريكي والعالم الغربي من أجل إيقاف الحرب في اليمن، فلم يحرك هذا العالم الغربي المزيف بكاء وجوع أطفال اليمن ولا فلسطين..! الكونجرس الذي يدّعي القيم والمبادئ لم يحرك ساكنا منذ أربع سنوات، لكونه يجني أموالا من بيع السلاح لهم، وتنظيم إقلاع الطائرات السعودية لقتل المدنيين العزل. فلماذا يتحرك الآن لدق ناقوس الخطر دق بعد سنوات من اندلاع حرب الوكالة بين السعودية وإيران على أرض اليمن؟

بالرغم من امتلاك السعودية ترسانة حربية متفوقة، إلا أنها أخفقت هي وحلفاؤها، على مدار أربعة أعوام، في هزيمة الحوثيين، بل منحت إيران النصر المجاني عليها في المنطقة، وعززت صورتها السلبية كدولة اعتداء في العالم العربي والعالمي، مما - ربما - سيقلب مخطط الحليف الغربي عليها والشراكة الاستراتيجية معها في المنطقة في المستقبل القريب.

"الانقلاب" الإيجابي واجب إنساني!

فإذا كان هناك "انقلاب" ضروري يجب القيام به، فهو من باب أولى أن يكون للخلاص من سرطان سياسي يهدد مصالح العالم، وعلى رأسه أمريكا والغرب، إضافة إلى العالم العربي المستهدف من السعودية على مر العقود!

فقد أثبت آل سعود للعالم أنهم قتلة ماداموا يتسترون على ولي عهد برتبة سفاح، الذي يريد النجاة من هذه التهمة عليه تغيير ومحاكمة القتلة، فهم ما زالوا يراوغون ويكذبون على أنفسهم وعلى المجتمع الدولي، بسرد أباطيل وحجج تصدرها وزاراتهم البالية، حيث السلطة المركزية التي تتحكم بكل شاردة وواردة، وما وزاراتهم إلا شكليات وديكورات ديوانية للتسامر على موقع توتير، لا أكثر.