قضايا وآراء

العراقيون والإعلام الرسمي السلبي!

1300x600
وسائل الإعلام لها قدرة كبيرة في برمجة الجماهير المُسْتقبِلة للمعلومات. والإعلام لم يَعُد مجرد وسيلة لنقل الأخبار للمتابعين، بل - ربما - وصل الأمر إلى درجة تنفيذ سياسات دُول بطريقة غير مباشرة، وبالذات عبر تلك القنوات التي تمتلك حَبكة إعلاميّة مُتقنة تمكّنها من تضييع الحقيقة، وهذا ليس مكسباً، بل هو معول هدم لضرب الحقيقة وخداع الناس.

في عالم الإعلام لا توجد برامج عبثيّة، وكلّ وسيلة إعلاميّة لها أهداف وغايات تسعى لتحقيقها، سواء داخل المجتمع الواحد أو خارجه، ولهذا نجد أنّ السياسيين استخدموا كلّ إمكانياتهم والأموال العامّة المنهوبة وقدراتهم الفكريّة للوصول إلى هذه الأهداف.

الأحزاب الحاكِمة والشخصيات السياسيّة وأصحاب الدكاكين الإعلامية والتجاريّة الفاعلة في العراق؛ لديهم اليوم أكثر من عشرين قناة فضائيّة، عدا محطّات الراديو والصحف، وهذا يؤكّد يقينهم بأهمّيّة الإعلام ودوره في تحريك الجماهير!

التلاعب بعقلية الجُمهور يُعدّ مؤامرة تفضي إلى قلب الحقائق، وتزييف المفاهيم، وضرب الأولويات، وتقديس المهمّش، وتهميش المقدَّس، وبالخصوص عبر المنابر الإعلاميّة المغذيّة للشحن الطائفيّ، من خلال أساليب شريرة في تناول الأحداث وإدارة البرامج الحواريّة، وحتى برامج التحقيقات والمسلسلات التلفزيونيّة، وكلّها سُبل ملتوية تدسّ السمّ في الدسم، وتثمر فِتناً طائفيّة هدّامة!

غاية الإعلام الرسميّ والحزبيّ من نشر الأفكار السلبيّة والمفاهيم المغلوطة والمعلومات المزيّفة بأساليب غير قانونيّة وغير ناضجة؛ هي إبقاء تغييب الجماهير عن الحقيقة، واستمرار تلاعب "النخب السياسيّة" المترفة بالوطن لبقاء تجارتهم السياسيّة لأطول فترة زمنيّة ممكّنة!

الإعلام الموضوعيّ الناقل للحقيقة كما هي هو الإعلام القادر على توضيح و -ربما - المساهمة في إيجاد الحلول الجذريّة للكوارث الوطنيّة؛ لأنّه محل ثقة الحكومة والجماهير، ولهذا متى ما نجحت وسائل الإعلام في أن تكون أهلاً للثقة، فإنّها حينئذ تكون المنارة التي يهتدي بها المسؤول والجُمهور معاً.

السعي الحكوميّ والحزبيّ لرسم الصورة العراقيّة وتشكيلها وفقاً لمصالحهم؛ لا يمكن أن يعفيهم من المسؤولية القانونيّة والأخلاقيّة تجاه الوطن والمواطن، ولهذا فكلّ منْ يُساهم في قلب الحقائق بما يخدم مصالحه هو متآمر وشريك في ضرب مصلحة الوطن عبر الإعلام؛ لأنّ استغفال الجماهير واستغلال ثقتهم ببعض القنوات الرسميّة والحزبيّة هو السبيل الأسرع لنشر الأفكار الهدامّة لدى المتلقّي، وهذه سرقة فكريّة وعلميّة وموضوعيّة علنيّة لا تخدم الوطن.

وحتى تتم معالجة هذه الظاهرة الساحقة للمجتمع ينبغي العمل على تطبيق الخطوات العمليّة الآتية:

- تسليم إدارة الإعلام لشُخوص مهنيّين مستقلين، ولا يسمح لأيّ طرف سياسيّ التدخل في عملهم.

- إعطاء الإعلام الحرّيّة التامّة في نقل المعلومة للجماهير.

- إبعاد الإعلام الرسميّ عن الصراعات السياسيّة والطائفيّة.

- إطلاق سراح كافة الصحفيين ورجال الإعلام المعتقلين، والتوقف عن مطاردة أيّ شخصيّة إعلاميّة بسبب كتاباته، أو مواقفه.

- فتح الباب على مصراعيه للصحافة المعارضة، واعتبارها المرآة العاكسة لحقيقة الأوضاع في البلاد وتوفير الحماية اللازمة لها.

- محاسبة أيّ وسيلة إعلام تنشر الأخبار الكاذبة، وملاحقتها قانونيّاً؛ لأن القضية تتعلق بتسميم أفكار الرأي العامّ.

هذه الخطوات وغيرها يمكن أن تجعل من الإعلام أداة خادمة للإعمار والبناء.

ينبغي التذكير بأنّه في عصرنا الحاضر باتت محاولات خداع الجماهير وتزييف المفاهيم لديهم غير فاعلة، ولن تساهم في قلب الحقيقة، وبالذات مع عجز الدول في السيطرة على مواقع التواصل الاجتماعيّ، التي جعلت من كل الحاضرين في موقع الحدث مراسلين ينقلون الخبر أولاً بأول.

إعطاء الإعلام حريّته في نقل الحقائق سيساهم في القضاء على النكبات الموجودة في المجالات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والأمنيّة والإداريّة، فهل سيوافق صنّاع القرار على رؤية الوجه الآخر لهم عبر الإعلام المعارض؟ أم أنّهم ماضون في سياساتهم الارتجاليّة التدميريّة؟ 

وهل سيقدم هؤلاء الساسة مصلحة الوطن ويتركون السلطة الرابعة تقوم بدورها الإنسانيّ الوطنيّ الكبير؟ أم أنّ حرصهم على عروشهم وصوامعهم وثرواتهم سيمنعهم من خدمة الوطن المواطن؟

بناء الجمهور المنتمي للوطن، والناقم على الإرهاب والباطل والخراب والفساد، من أهم غايات الإعلام النبيل، فمتى سنعي أهميّة هذه الرسالة الإعلاميّة الإنسانيّة الرصينة؟