كتاب عربي 21

هزيمة السيسي في قضية التمويل الأجنبي!

1300x600
بالحكم الذي صدر من أعلى محكمة في مصر ببراءة جميع المتهمين في قضية التمويل الأجنبي، نكون أمام صفعة جديدة لشخص عبد الفتاح السيسي في هذه القضية، التي تحرك فيها العسكر على قاعدة "صياد رحت أصطاد صادوني"!

فقد بدأت وقائعها في بداية حكم المجلس العسكري، وسط زفة إعلامية من الإعلام عن أن مصر تغيرت، ولم يعد يمنعها من تطبيق القانون وجود متهمين أمريكيين، ليس لأن هذا من تجليات الثورة، ولكنه من نتاج حكم الجيش، وتم استخدام الأمر للدعاية للقوم، ولتمديد حكمهم باعتبارهم الأحق بالسلطة من القوى المدنية، ثورية أو غير ثورية!

لقد صدر قرار قضائي بمنع المتهمين الأمريكيين من السفر، وتدخل البيت الأبيض في مفاوضات هادئة في البدء، عبر اتصالات مع المجلس العسكري تمت مع اللواء العصار، لما تربطه من علاقة بالأمريكيين، لكن الرد كان دائماً: لا نتدخل في شؤون القضاء، وأن القضاء في مصر مستقل.. ومثل هذا الكلام كان يقوله مبارك للأمريكيين، عندما تكون لديه رغبة في التنكيل بأحد الناس رغم التدخل الأمريكي، كما حدث مع أيمن نور وسعد الدين إبراهيم، لكن الأمريكيين لا يتوقفون عن الضغط لأنهم يعرفون "البئر وغطاها"!
تم استخدام الأمر للدعاية للقوم، ولتمديد حكمهم باعتبارهم الأحق بالسلطة من القوى المدنية، ثورية أو غير ثورية!

كان مبارك يدرك أنه يكذب، وكان يدرك في الوقت ذاته أن القوم في البيت الأبيض يعرفون ذلك، لكنه كان (كما قال عنه أحد الأصدقاء المقربين منه) يتصرف كفلاح، فيناور معهم مستغلاً أنهم بطبيعة الحال لا يمارسون الضغط معه على بطريقة "افعل ولا تفعل"، لكنه في النهاية كان يرضخ. وقد رضخ في حالة سعد الدين إبراهيم بحكم من محكمة النقض، وإذا كان حكم محكمة الجنايات بالغ في الإدانة، فإن حكم المحكمة العليا يزيد في الإشادة، حتى اعتقدت وأنا أقرأ حيثياته أن الوطنية الحقة لا تكتمل إلا باتباع سعد الدين إبراهيم؛ الذي كاد حكم محكمة الجنايات أن يصفه بأبرهة الأشرم!

والأمر اختلف في حالة الدكتور أيمن نور، الذي تأكد سجنه بأحكام القضاء، والذي أكد أنه لا يستحق الإفراج الصحي، لكن مبارك أفرج عنه صحياً بعد ذلك، بسبب هذه الضغوط. وبمرور الأيام، تأكد أن "نور" لا يعاني من مشاكل صحية. فقد كان مبارك يدرك أن الأمريكيين يعرفون أنه يكذب عندما يبدو أمامهم غير قادر على تنفيذ مطالبهم، على العكس من المجلس العسكري، الذي كان مهمشاً في حكم مبارك، وربما كانوا يطالعون ردوده عبر الصحف، فصدقوها وأعادوا تكرارها على أسماع أولي الأمر في أمريكا، فالقضاء مستقل، ومصر دولة ذات سيادة، والحكم العسكري لا يمكنه الرضوخ للضغوط!

إزاء هذا التعنت الفج، هبط طموح القوم إلى عدم دخول المتهمين الأمريكيين داخل قفص المحكمة، وفقاً للتقاليد القضائية الأمريكية، وعلى أساس أن ذلك يمثل عقوبة لمتهم الأصل فيه أنه بريء حتى تثبت إدانته، لكن الرد العسكري: أن هذه سلطة تقديري للقاضي، إن شاء أدخلهم القفص، وإن شاء تركهم خارجه، لكن لا يمكنهم أن يتصلوا به!

كانوا يكذبون، ويتحرون الكذب، يغريهم أن الجانب الأمريكي يبدو ليناً. وذات يوم، كان على الهاتف أحد المسؤولين الأمريكيين يتحدث بحدة: إن الطائرة الأمريكية ستكون بعد قليل في مطار القاهرة، فإن لم يتم إخراج المتهمين الآن للسفر، فسوف تضطر الطائرة للهبوط في مقر السفارة الأمريكية لاصطحابهم من هناك، حيث كانوا يقيمون فيها!

ولما يكد اللواء العصار ينقل الرسالة الأمريكية لمن بجواره، حتى سمعوا أمراً بعلو الصوت اخترق الأثير: أخرجوهم الآن، وهو ما فسر أمريكيا على أنه صوت المشير محمد حسين طنطاوي. فمن يملك أن يصدر أمراً عسكرياً بهذه الحدة، لجنرال هو العصار، غير القائد الأعلى للقوات المسلحة؟!

وقد أثر الأمر الأمريكي على المشير طنطاوي، ولم يغب عن باله، وهو يناقش مع رئيس الحكومة كمال الجنزوري ورئيس وزير داخليته محمد إبراهيم، بحضور اثنين من أعضاء المجلس العسكري، أمر الانتخابات الرئاسية في جولة الإعادة بين الدكتور محمد مرسي والفريق أحمد شفيق، فقد كان الرأي هو إعلان فوز شفيق مهما تكن النتائج، لكن طنطاوي كان لديه توجيه أمريكي بإعلان النتيجة كما هي، على النحو الذي رواه لنا أحد الأعضاء السابقين بالمجلس العسكري!

كان هناك طريق لتنفيذ الأمر الأمريكي؛ هو أن يصدر القاضي قرارا جديداً بإلغاء القرار السابق بمنع المتهمين من السفر، لكنه رفض، وقيل إنه امتنع عن اصدار قرار المنع في البداية؛ لأنه يدرك عواقبه، لكن الضغوط عليه كانت أكبر من أن يتحملها. ولعله ظن أن يعيش في كنف القوة العسكرية التي لا تأبه بمتهمين أمريكيين، فلما طلبوا منه العدول عن قراره رفض، فتدخل رئيس محكمة الاستئناف لاختيار قاض آخر أصدر هذا القرار، بالمخالفة للقانون الذي يحتم أن من يصدر القرارات هو نفسه قاضي التحقيق في القضية!
مبارك عندما وصله نبأ ما جرى في محبسه كان في دهشة، وهو يقول إن طنطاوي لا يمكن أن يكون وراء هذه القضية

وبسفر المتهمين تفجرت فضيحة مدوية، وأعلن البرلمان أنه سيحاسب الحكومة، وكتبت أنا أن الحكومة لا ناقة لها ولا جمل، وأن صاحب القرار/ الفضيحة هو المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة محمد حسين طنطاوي. وأعلن رئيس الحكومة كمال الجنزوري أنه لم يعلم بالقرار، وأعلن وزير العدل أنه لا صلة له بالأمر، لكن صاحب الأمر صمت، والفضيحة تحاصره من كل جانب!

وقيل إن مبارك عندما وصله نبأ ما جرى في محبسه كان في دهشة، وهو يقول إن طنطاوي لا يمكن أن يكون وراء هذه القضية؛ لأنه يعلم أن الموافقة على قبول المساعدات والقروض من الجهات المانحة في الخارج يشترط تمكين المنظمات الأهلية من التمويل والعمل، وهو يدرك (باعتباره رجل دولة مسؤولا) خطورة قرار اعتقال متهمين في هذا الملف، لا سيما وأن بينهم متهمين أمريكيين!

كان مبارك يقلب كفيه، ولم يكن يعلم أن من ورط طنطاوي، بل والمجلس العسكري كله في هذه الفضيحة؛ هو مدير المخابرات الحربية عبد الفتاح السيسي، فهو الذي وقف وراء هذه القضية، بتصرف من قبل عسكري غشوم، حدود علمه من شؤون الدولة هو طابور العرض العسكري و"ميز الضباط"!

لقد صدر حكم محكمة النقض ببراءة جميع المتهمين، سواء من الأمريكيين أو المصريين، وسواء من حضر أو غاب، ومن جميع التهم الموجهة لهم، وعلى رأسها العمل في مصر بدون ترخيص، وتلقي أموال من الخارج بدون إذن السلطات المختصة!
لقد صدر حكم محكمة النقض ببراءة جميع المتهمين، سواء من الأمريكيين أو المصريين، وسواء من حضر أو غاب، ومن جميع التهم الموجهة لهم

ولم أطلع على حيثيات الحكم، التي لم تنشر إلى الآن، ولا نعرف إن كانت السياسة حاضرة فيه أم لا؟.. وقد يكون حكماً قانونيا صرفاً، لكن السيسي أدرك أن العين لا تعلو على الحاجب، فلم يتدخل لفرض الإدانة، فجاء الحكم إدانة له!

فإذا كان المتهمون يعملون في إطار قانوني، فلماذا كانت القضية منذ البداية؟!

وإذا كانوا مدانين، فلماذا صدر القرار بالسماح للمتهمين الأمريكيين بالسفر؟!

وإذا كان أبرياء، فلماذا تم استمرار حبس المتهمين المصريين بعد سفر المتهمين الأجانب؟!

هذا ما جرى للذكر!