كتاب عربي 21

العودة إلى أحضان المسيح!

1300x600
اسمها "ربى قعوار"، دخلت الإسلام وخرجت منه، ثم دخلته مرة ثانية.. وقد هالني هذا الاحتفاء بها في الأولى والآخرة، وحجم الإحباط الذي انتاب متابعيها، وهي تظهر على إحدى القنوات التلفزيونية المسيحية وتخلع الحجاب على الهواء مباشرة، وتقول المسيح حررني، فلم أعد حاجة إلى "هذا الشيء"، الذي هو الحجاب، والذي لم يعد بالنسبة لها سوى "هذا الشيء"، بعد أن قال لها المذيع: "لقد أتيت إلى أحضان المسيح"؟ فأجابت: أشكر الرب!

الإحساس بـ"القلة"

الابتهاج وعكسه يكشف عن خلل في التفكير العام، ويعود بنا إلى إشكالية تواجه التيار الإسلامي. فرغم شعبيته الكبيرة في العالم العربي، التي مثلت إحدى التحديات التي واجهت الربيع العربي، إلا أن الإحساس دائما هو بـ"القلة"، ومن هنا لا بد من مسيحي وامرأة غير محجبة في العمل السياسي، ويأتي تدعيم الفكرة من وجود مسيحية أسلمت في مجال الدعوة، ومن هنا تأتي الأزمة، لأن هؤلاء يتحولون مع الوقت إلى أداة ابتزاز؛ لأنهم بقدر دعمهم للفكرة، فإن الأزمة تكون عميقة إذا جاء النكوص على الأعقاب!

وتكون الأزمة أكثر عمقاً عندما يكون من وقع عليهم الاختيار، جاؤوا من عالم البطالة، سواء السياسية والدينية، وليس لديهم ما يخسرونه، فلا عمل ولا مكانة اجتماعية، ويجدون في الاتجاه الجديد، ما يأخذ بأيديهم ويختصر عليهم مشوارهم نحو تحقيق طموحهم!

في سنة 1987، كان التحالف الإسلامي، بين حزبي "العمل" و"الأحرار" وجماعة الإخوان المسلمين، حيث خاض الانتخابات البرلمانية، ولأنه عندما ترفع راية الإسلام فإن المجابهة السياسية تحتم الحديث عن أنه دفع في اتجاه اضطهاد الأقباط، فقد استقر الرأي على ترشيح أحد المسيحيين على قائمة "التحالف" في بلد المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، "حامد أبو النصر"، واستُخدم هذا في ابتزاز الحزب الوطني الحاكم الذي لم يستطع أن يرشح وزير الدولة للشؤون الخارجية "بطرس غالي" على رأس القائمة، فقد جاء ترتيبه الثالث في قائمة غرب القاهرة!

طموح الفائز على قوائم الإخوان

وكان الفائز على قائمة "التحالف الإسلامي" من المسيحيين لديه طموح سياسي لا يحده حد، ولا يريد أن يظل محسوباً على الإسلاميين، فقد أخذ منهم ما يريد ثم وجد مكانه في أن يكون من النخبة القبطية القريبة من السلطة، فكان أداؤه كله معارضا لاتجاه كتلة النواب الذين دخل معهم البرلمان. وقد سألته وقتئذ: كيف حسبتها؟ وهو يعلم أنه بهذا الأداء لن يترشح على قائمة التحالف، ثم إنه مسيحي ومن الصعيد، فلن ينجح في الانتخابات أبدا، فالكنيسة مع الحزب الوطني، وهو ليس من الأعيان، شأن "صبحي سليمان" الذي كان يفوز في الانتخابات في سوهاج رغم كونه مسيحيا!

ولا أنكر أن الرجل فاجأني بصراحته وهو يقول إنه حصل على وعد من رئيس البرلمان الدكتور رفعت المحجوب؛ بأنه سيكون من بين العشرة الذين يعينهم رئيس الجمهورية في البرلمان القادم، لكن المعارضة، ومن بينها أحزاب التحالف، قاطعت هذه الانتخابات، فضلاً عن أن رئيس مجلس الشعب قتل قبل انتخابات البرلمان الجديدة بأربعة شهور!

ورغم أن التجربة لم تكن مبهجة، إلا أنها تكررت بعد الانقلاب العسكري، وتكمن الأزمة في الحرص على الاختيار للنماذج الأكثر وضوحاً، وهي التي لا يوجد لديها ما تخسره في دوائرها إن كانت لها دوائر أصلا، وإن كنت هنا أثمّن نموذجين، الأول خاص بالدكتور رفيق حبيب، والثاني الخاص بالسيدة نيفين ملك، لكن الأول لا يعبر عن الأغلبية المسيحية فهو ينتمي للطائفة الإنجيلية (أقلية الأقلية)، والثانية هي في الأساس عضو في حزب "الوسط"، فليست محسوبة على الإخوان، كما أنها لا تسعى للقطيعة مع كنيستها!

ولم يكن رفض الانقلاب أمرا خاصاً بالتيار الإسلامي، على مستوى السيدات.. فكم من نساء غير محجبات رفضن الانقلاب كتابة وبالتظاهر؟ ومنهن من في وضع اجتماعي مرموق، لكن تكمن المشكلة في فكرة السيطرة والاستخدام!

انتقلت من الوفد

وفي الحقيقة، فإن فكرة الاستعانة بمسيحي في العمل السياسي انتقلت إلى الأحزاب السياسية من تجربة حزب "الوفد"، وكانت لها ضرورة تاريخية، فالوفد ينتمي لثورة 1919، التي تم فيها الهتاف بالهلال والصليب، لمواجهة محتل يقول إنه جاء لحماية الأقباط، هذا فضلاً عن أن "الوفد" عندما تشكل كانت توجد زعامة مسيحية حاضرة ولم يجر اختراعها، فكان "مكرم عبيد" هو سكرتير "الوفد"، لكن عندما خرج "عبيد" على "النحاس باشا"، لم يحرص الوفد على استبدال مسيحي بمسيحي، لكن "الوفد الجديد" في سنة 1984، وقد أراد أن يؤكد صلته بالوفد القديم، فكان السكرتير العام كان مسيحيا وهو "سعد فخري عبد النور". وبعد وفاته، تم اختيار "منير فخري عبد النور"، وفاء لعظم التربة، لكن تم فصله بعد ذلك، ولم يهتم الوفد بأن يكون السكرتير العام مسيحياً، بعد أن نقلت تجربته إلى أحزاب أخرى.

في حزب "الأحرار" الليبرالي، وعندما انضم إليه الشيخ صلاح أبو إسماعيل (والد حازم)، كان "سامي أنيس لوقا" يشغل موقع أمين عام الحزب بمحافظة المنيا، فرقاه وكيلاً للحزب على مستوى الجمهورية، وزايد بهذه الخطوة على أهل الحكم، لكننا كنا نضحك، والرجل يحاول إفهامنا بأن الشيخ ضربه "شلوتا" لأعلى! فكيف هذا وقد رقاك لموقع الوكيل؟ لكنه كان يقول إنه في محافظته في مستوى رئيس الحزب، لكنه الآن في موقع شرفي لا يقدم ولا يؤخر. وهذا صحيح، لكن من يقدر على الشيخ إذا قرر اللعب السياسي؟!.. الشيخ حازم درويش بجانب والده!

ابنة لقس

في مجال الدعوة، فإن المسألة أكثر إثارة، ومن هذا الباب دخلت "ربى قعوار"، التي ذكرني بها فيديو دخولها للإسلام قبل خمس سنوات، ويجري ترويجه على نطاق واسع، دون التذكير بما جرى بعده!

في الفيديو، تقول "رُبى" إنها أردنية وابنة لقس مسؤول عن أربع كنائس في الأردن، ثم إن والدتها تمارس التنصير، لكنها دخلت الإسلام لأنها كانت تقرأ فيه عندما وجدت آية تنصفها وتتحدث عنها، بحسب قولها، وهي "ولتجدن أكثرهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى".. ومن هنا دخلت الإسلام، ليجري الاحتفاء بها بشكل مبالغ فيه، وتنتقل إلى داعية في التو واللحظة، قبل أن تظهر على قناة مسيحية وتعلن أن المسيح حررها، وأنها خرجت من هذا السجن (تقصد الحجاب) إلى أحضان المسيح!

بالبحث عثرت على فيديو آخر، هو حوار مع "قعوار" والشيخ "محمد العوضي" (على قناة "اقرأ" ربما)، وقد عادت مرة أخرى إلى الإسلام، وبدت عيناه ممتلئتين بالعتاب، فهل هو من فتح لها المجال الإعلامي من أوسع الأبواب؟

سألها عن مشهد خلع الحجاب على الهواء مباشرة، لترد بأن هذا كان طلب المذيع حتى يتأكد الناس أنها هي.. وكأن المشكلة في خلع الحجاب على الهواء، وليس في عودتها للمسيحية!

وإذا كنت أرى أن جزءاً من الأزمة في هذا الابتهاج باعتناقها الإسلام، الذي بدا كما لو كأن القوم بحاجة إلى من يؤكد لهم سلامة موقفهم الديني، فإنني في دهشة بهذا الاحتفاء من جديد بعودتها للإسلام، وهي تبدو أنها تعاني تشويشا ذهنيا، يجعل من مسألة عودتها للمسيحية مرة أخرى أمراً وارداً. وهكذا، سنظل بين اليأس والرجاء مع كل حركة للسيدة "رُبي قعوار"!

اعتناق المسيحية

وهو أمر لا يخص المسلمين وحدهم، فقد شاهدنا فرحاً مسيحيا عارماً قبل سنوات لاعتناق محامية مسلمة للمسيحية، وكيف أن المسيح دعاها لتعيش في أحضانه. وزيادة في تأكيد أهميتها، فقد قيل إنها درست في الأزهر الشريف، ولم يكن هذا صحيحاً، عندئذ شعر المتابعون للموقف من المسلمين بالخذلان، إزاء هذه الاحتفالية العظيمة!

ولأني كنت أعرفها، وأعرف أن الأمر لا علاقة له بالمسيح الذي "دعاني لبيته"، فقد قلت للقوم: تمسكوا بها لآخر رمق، قبل أن تثير مشاكل بينها وبين القوم؛ لأنها أرادت أن تعرف منبع التبرعات التي تصلها، وقيمتها تحديداً؛ لأن لديها شكوكا في الذمة المالية للوسطاء. وإزاء هذا، تم اتهامها بأنها دسيسة أمنية دفع بها الأمن إليهم، فلا مسيح في الموضوع ولا يحزنون، ولم ينقذ أطراف القضية سوى قيام الثورة، فغطت على الموضوع!

إنها أزمة البحث عن من يدعم الموقف السياسي والديني.. وهي لعبة خطرها أكبر من نفعها، فهل يتعظون؟!