صحافة دولية

فورين بوليسي: مسلمتان إلى الكونغرس.. هل سيسمع لهما؟

فورين بوليسي: تحويل عمر وطليب إلى مجرد رمز للتعددية الأمريكية سيكون إضاعة لمواهبهما- جيتي

نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للصحافية الباكستانية رافيا زكريا، تقول فيه إنه في المرة الأولى التي تم فيها ارتداء الحجاب في مجلس النواب الأمريكي لم تكن من تلبسه كما قد يتوقع الشخص امرأة مسلمة، لكنها كانت امرأة اسمها كارولين مالوني، وهي نائبة ديمقراطية من نيويورك. 

 

وتشير الكاتبة في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه في تشرين الأول/ أكتوبر 2001، وفي الوقت الذي كانت فيه أنقاض برجي مركز التجارة العالمي لا تزال ملتهبة، قامت مالوني بارتداء برقع أزرق، شبيه بما تلبسه النساء في أفغانستان، كجزء من استعراض لجعل النواب يصوتون لصالح حرب ضد حركة طالبان، وقالت مالوني: "البرقع سميك جدا يجعل من الصعب التنفس"، ودعت إلى الحرب ضد حركة طالبان، حيث اتهمتهم بالوقوف خلف هجمات 11 سبتمبر.

 

وتقول زكريا إنه "في يناير/ كانون الثاني 2019 ستصبح إلهان عمر أول امرأة محجبة في الكونغرس عن الدائرة الخامسة في منيسوتا، فقد حصل تغيير كبير على مدى 17 عاما، فأسطورة انقاذ المرأة الأفغانية بقصف البلد دون هوادة أثبت أنه اقتراح مدمر، فحركة طالبان لا تزال موجودة، وهناك حديث عن مفاوضات سلام معها، حيث تعبت أمريكا من محاولات تحقيق انتصار". 

 

وتلفت الكاتبة إلى أن "مالوني لا تزال موجودة بعد أن فازت للمرة الرابعة عشر في الانتخابات النصفية الأسبوع الماضي، وذلك مع فوز عمر للمرة الأولى، ولن تكون عمر هي المسلمة الوحيدة في الكونغرس، حيث سينضم إليها رشيدة طليب، الناشطة ذات الأصول الفلسطينية، التي فازت عن الدائرة الثالثة عشر في ولاية ميتشيغان".

 

وتفيد زكريا بأن "كلا من مالوني وعمر وطليب تمثلن أنماطا مختلفة عن حقوق المرأة، فنمط مالوني هو نمط المنادية بحقوق المرأة الأمريكية، حيث تعد النساء الأمريكيات مشاعل للحرية، ويحملن مسؤولية إقناع الأخريات بهذا النمط من التمكين، حتى لو باستخدام القنابل".

 

وتعلق الكاتبة قائلة: "إن كانت حقوق المرأة من وجهة نظر مالوني هي تلك التي تمنح من الأعلى من نساء بيضاوات إلى نساء سوداوت وملونات، لكن حقوق المرأة من وجهة النظر التقدمية لعمر وطليب تمثل حقوق المرأة من الأدنى".

 

وتبين زكريا أنه "بالنسبة للاثنتين فإن تجربتهما في المجتمع المحلي بصفتهما منظمتين، تعكسان إيمانا بالشارع، ونشاطهما النسوي هو أمر قامتا باختياره، وليس مجرد فذلكات خطابية، بالإضافة إلى أنه يخلو من النصائح الأبوية حول ما تواجهه النساء المهاجرات العاملات والجهد الذي يجب عليهن بذله للتنافس للانضمام إلى النخبة من الناشطات النسويات البيضاوات، اللواتي يحددن الخطاب النسوي، وبسبب خلفيتيهما -صومالية وفلسطينية- فإنهما متأثرتان بتاريخ طويل من التدخلات الأجنبية الفاشلة، وليس من المتوقع أن ترى أيا من عمر أو طليب أن تحرير المرأة، الأفغانية أو غيرها، يمكن أن يستخدم حجة لشن حرب، ومع ذلك فالنساء الثلاث ديمقراطيات، وهذه حقيقة تطرح بسؤال عن أي صنف من النسوية سيتسم مستقبل الحزب الديمقراطي". 

 

وتقول الكاتبة إن "انتخاب عمر وطليب أدى على مستوى العالم إلى كثير من تدفق العواطف والاحتفال، فعلى خلاف تجمعات ترامب الانتخابية المتسمة بالغضب، فإن قصص عمر، التي عاشت في مخيم للاجئين، ووصلت إلى أمريكا في سن 12 عاما، لا تعرف اللغة الإنجليزية، وطليب التي عاشت جزءا من حياتها معتمدة على المساعدات الاجتماعية كجزء من عائلة فيها 14 أخا وأخت، وفرت شيئا من العزاء، حتى مع وجود رئيس أمريكي يستمتع مؤيدوه بشجبه للمسلمين بصفتهم إرهابيين -وفي خطاب له في تجمع انتخابي قبل ساعات من الانتخابات الرئاسية عام 2016 أصر ترامب على أن اللاجئين الصوماليين يشكلون كارثة بالنسبة لمينيسوتا، وأن كثيرا منهم ينضمون لتنظيم الدولة- فهنا يبدو أن هناك دليلا على أن البلد ليست بذلك السوء، فإن كانت نساء مثل عمر وطليب يمكنها الفوز، فهذا يعني أنه ربما يمكن إنقاذ الولايات المتحدة".  

 

وتستدرك زكريا بأنه "أبعد من ضباب الانتصار فإن هناك التحديات الكبيرة، فقد كشف استطلاع لشركة (بيو) عن أن الهجمات ضد المسلمين في عام 2016 تجاوزت الذروة التي وصلتها عام 2001، وقال نصف المسلمين المستطلعة آراؤهم بأن الحياة كونك مسلما في أمريكا أصبحت أكثر صعوبة مما كانت عليه، فيما قال ثلاثة من كل أربعة بأن التمييز ضد المسلمين واسع الانتشار، وهو الرأي الذي أكده 70% من العامة، وليس فقط التمييز: فكثير من المسلمين أبلغوا عن مواجهة تخويف وتهديد بالأذى الجسدي، ورأوا مساجد وغيرها من الممتلكات يتم تخريبها". 

 

وترى الكاتبة أنه "ليس بالضرورة أن يحسن انتخاب امرأتين مسلمتين الأمور، فقد وقع أحد أخر الاعتداءات على امرأة محجبة في ديربورن في ميتشيغان، وهي دائرة طليب الانتخابية، وتم تسجيل الاعتداء على كاميرات المراقبة، ويظهر الفيديو امرأة محجبة تدخل مستشفى، وتقترب من استعلامات الطوارئ، وخلال ثوان جاء رجل من الخلف وهاجمها بالضرب على رأسها بقبضته".

 

وتنوه الكاتبة إلى أن "ذلك الاعتداء كان واحدا من عدد من الاعتداءات التي قام بها رجال بيض، ما يضيف إلى الخوف العام الذي يسود المجتمعات الأمريكية المسلمة التي تمثلها المرأتان، وسيكون من الصعب إبراز تلك الجرائم وحماية تلك المجتمعات في جو سياسي، حيث أصبحت الإسلامفوبيا جزءا من الخطاب العام". 

 

وتجد زكريا أن "الدفاع عن المسلمين الأمريكيين من مقعد في الكونغرس سيكون تحديا، لكن إصلاح المجتمعات ذاتها من الداخل، خاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة المسلمة سيكون بالمستوى ذاته من الصعوبة".

 

وترى الكاتبة أن "المجتمعات التي تشعر أنها محاصرة تنطوي إلى الداخل إلى درجة تصبح فيها تلك المجتمعات غير مهتمة بالإصلاحات الداخلية، ومنذ أن قامت أمينة ودود بإمامة مجموعة مختلطة من المصلين عام 2005، بادئة بذلك حملة للمطالبة بحقوق متساوية في العبادة ومساحات المساجد، حاولت الناشطات النسويات بالدفع نحو حقوق أكبر، وظهرت هاشتاغات على (تويتر) وعلى منصات الحوار تدعو للسماح للنساء بالصلاة في المساحات الرئيسية للمساجد، بدلا من عزلهن في المداخل الجانبية، وتحاول الناشطات النسويات الشابات استخدام فوز كل من طليب وعمر للدفع باتجاه المساواة داخل المجتمع المسلم، لكن التقدم سيكون بطيئا".

 

وتشير زكريا إلى أن "هناك مسألة تداعيات هذا الفوز، خاصة لعمر التي تلبس غطاء الرأس، وماذا سيعني خارج حدود أمريكا، ففي أيار/ مايو بينما كانت عمر تنافس في الانتخابات الابتدائية، شجب وزير المساواة في فرنسا قرار زعيمة فرنسية للطلاب أن تظهر في فيلم وثائقي وهي ترتدي الحجاب، واعتبر ذلك (ترويجا للإسلام السياسي)، فالحجاب ممنوع في المدارس الفرنسية والدوائر الحكومية، لكن طالبات الجامعات يسمح لهن بارتدائه، وفي المملكة المتحدة هناك عدد من أعضاء البرلمان المسلمين والمسلمات، لكن ليس هناك من بينهم من تلبس حجابا".

 

وتقول الكاتبة إنه "مع أن بريطانيا تسبق فرنسا بكثير في تقبل المظاهر الدينية -من مفتشات الأمتعة المحجبات إلى الشرطة الذين يلبسون عمامة السيخ- إلا أن ملابس النساء المسلمات لا تزال تثير الجدل، فقبل فوز عمر وطليب كان هناك جدل عام حول بيع الحجاب لبنات مدرسة في القسم الذي يبيع الزي المدرسي، ومع أن رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي أعربت عن تأييدها لحق المسلمات في لبس الحجاب، إلا أن آخرين في حزب المحافظين أكثر ترددا".

 

وترى زكريا أن "الرؤية النسوية التي تحملها مالوني في دورتها الرابعة عشر ستتعايش مع تلك التي تحملها زميلتها المحجبة وزميلتها المؤيدة للفلسطينيين في الحزب بصعوبة في مجلس النواب في كانون الثاني/ يناير، فيمكن استخدام فوز المسلمتين على أنه مرهم على جروح الانقسام التي أثخنت الجسد الأمريكي، لكنه أمر آخر أن يسمح لهن بالتأثير على تضاريس الحركة النسوية الأمريكية أو السياسة الخارجية الأمريكية، فقد تبدو حالة الإسلاموفوبيا لدى اليسار الأمريكي ضئيلة أمام الكراهية الفاضحة للجمهوريين تحت رئاسة ترامب ولكنها موجودة، وعادة ما تتجسد بتهميش النساء المسلمات اللواتي لا يمنحن سوى لحظات تستخدم نفاقا للإشادة بالتعددية".

 

وتختم الكاتبة مقالها بالقول إن "تحويل عمر وطليب إلى مجرد رمز للتعددية الأمريكية، سيكون إضاعة لمواهبهما وإمكانيتهما للقيام بعمل فعلي نحو التحول السياسي والنسوي".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)