قضايا وآراء

ضحايا المنيا في رقبة السيسي وتواضروس

1300x600
أولا، تعازيّ القلبية لأهالي الضحايا الأبرياء، ضحايا أتوبيس المنيا وضحايا المعركة الوهمية في أسيوط، وتعازي القلبية لكل شعب مصر، بل وللإنسانية جمعاء، في الجريمتين البشعتين التي راح ضحيتهما مواطنون أبرياء بلا جرم ارتكبوه.

لقد كان ضحايا المنيا يسيرون في رحلتهم لزيارة الدير وهم يشعرون بالأمان، فحقا كان الهجوم عليهم إرهابا، ثم جاء ضحايا المعركة الوهمية في أسيوط، والتي راح ضحيتها أناس لا نعلم ولن نعلم من هم ولا ما هي حقيقة أمرهم، فالنظام الذي نصَب نفسه لحماية المواطنين، كلما وقع هجوم مسلح على أي شخص أو في أي مكان كان رده على ذلك قتل شباب، ثم يدعي أنهم هم الجناة.

ولكن ما الجديد في ذلك؟ لقد مُلئت منطقتنا بالإرهاب الذي يدق كل أركانها، بأنظمة تقتل رعاياها على أرض الوطن وفي القنصلية، وأفواه تكمم في كل بلد عربي، واتهامات تكال لكل من يعارض إرهاب النظام أو إرهاب راعيه على كل الأرض العربية.. في فلسطين، وفي سوريا، وغيرهما.

إن ما أتناوله هنا ليس خروجا عن نص المأساة المتغلغلة في أعماق أوطاننا، ولكنه ولا شك خروج عن النص المرسوم والمُملى علينا من أعداء الأمة. لقد أرادوا لنا الاختباء من الإرهاب العشوائي لنرتمي في أحضان الإرهاب المنظم. لقد سعت الأنظمة لإفساد العلاقة المجتمعية بين أفراد الشعب، فاستخدمت تلك الأحداث لإخافة الشعب من عدم الانصياع لأوامر تلك الأنظمة.

فقد خُيرنا بين الارتقاء بحياتنا بحريه، وفي ظل قانون عادل قد يُستغل في مثل تلك الأحداث الإرهابية العشوائية، وبين أن نُحكم بتلك المنظومة القمعية الفاشية بدعوى أنها تحارب الإرهاب. ولكنها طوال عشرات السنوات، وخاصة تلك السنوات الخمس العجاف، وتلك المنظومة تمارس الإرهاب على كل الشعب طوال الوقت، ولم يلق القبض على أي شخص ممن قاموا بهذه العمليات.

لم يتمكن ذلك النظام مرة واحدة من أن يلقي القبض على أي شخص لمحاكمته، حتى في محاكماته الصورية، وقد ثبت من قبل أن ضحايا إرهاب النظام ما هم إلا المختفين قسريا على أيدي ذلك النظام!

إن المشاهد لكل العمليات الإرهابية في الغرب، لا يجد رد فعل مثل ذلك، بل وإن طال الوقت نجد المتهم يمثل أمام المحكمة رغم طول الطريق الذي تستلزمه العدالة. فهذا هو معنى العدل والقصاص العادل، حيث يتم البحث عن المشتبه به ثم يقدم للعدالة المحايدة غير المسيسة بهذا الرئيس أو ذلك الملك.

إن من أتى بنظام السيسي ومن يخدرنا كل صباح ومساء بالتسبيح بحمده؛ هو من تسبب في قتل ضحايا المنيا، وهو ذاته من تسبب في ضياع كل الحريات، وتسبب في كل جرائم النظام منذ 3 تموز/ يوليو 2013؛ جرائمه التي وقع ضحيتها الآلاف، وآخرهم ضحايا المنيا.

لذلك، فإن دم هؤلاء الأبرياء والآلاف الذين سبقوهم ومن سيلحق بهم؛ في رقبة ذلك النظام وكل من شجعه وصفق له، وعلى رأسهم رجال الدين المضللين أمثال على جمعة وتواضروس الثاني. وأٌذكر وزير أوقاف السيسي بمقولته "الساكت على الإرهاب شريك فيه"، لعله يعي ما يقول.

لقد خلطوا الأمور فأصبح كل معارض للسيسي وزبانيته إرهاب، وبخلطهم الأمور لم يعد لدينا من يحارب الإرهاب الحقيقي، بل فقط من يمارسه ويشجعه. ولعل تواضروس يتوقف عن حملات التهليل للسيسي كلما زار نيويورك، ويتوقف عن إيهام كل من يزور مصر من البرلمانيين الغربيين؛ بأن مسيحي الشرق في أمان بيد السيسي، فلا هم في أمان، ولن يكون أي مصري في أمان في ظل إرهاب النظام والتعتيم على الحقائق.

لقد سبق وأن تحدثنا مرارا إنه إذا أستمر حال الكنيسة على ما هو عليه من الوقوف في صف الأنظمة القمعية، فستفقد الكنيسة الرابط الروحي بينها وبين أتباعها، ولهم في الكنائس الغربية المثل. وحتى تستقيم الأمور، فعلى الكنيسة المصرية رفع الوصاية السياسية التي فرضتها على المسيحيين المصريين، وتركهم يمارسون دورهم كمواطنين.

ومن الملفت للنظر أن ذلك الاعتداء الأخير وقع في ذات الوقت الذي أطلق السيسي حملته الإجرامية لاعتقال المحاميين والنشطاء الحقوقيين، وانطلاق مؤتمر السيسي الذي أنفق عليه من ميزانية الدولة "الفقيرة"، حسب قوله، ليسَوق وهمه بأنه يحارب الإرهاب ويحمي المجتمع والمنطقة من شر الإرهاب الذي يحاربه العالم كله باقتدار، بدون أساليب السيسي، وبالقوانين والمحاكمات التي في الغالب تحترم الحد الأدنى لحقوق الإنسان.

إن جرائم النظم العربية وجرائم المنظمات الإرهابية التي صنعت على أيديهم، أو على الأقل المسكوت عنها لتبقى الحجة الواهية المسماة محاربة الإرهاب، أصبح من الضروري التصدي لها على كل الأرض العربية؛ لنزع تلك العصابة المتمكنة بلا وجه حق.

وللأسف، بالرغم كل ما حدث وما يحدث كل يوم، سيظل البعض يهلل للقاتل ويظل إعلامه ينصب له أقواس النصر الوهمية، وهو يشيع أبناءنا وثرواتنا، ويسرق تراثنا ويتقوّل على معتقداتنا.

لقد بات من الضروري أن نتوقف عن تقبل العزاء في ضحايانا حتى نأخذ بثأرهم، وثأرهم في كتاب العدل هو إسقاط تلك الأنظمة وكل من يقف في صفها ويستبيح دم أبنائنا وإخواننا.