صحافة دولية

برنامج تجسس يهدد الصحفيين في جميع أنحاء العالم

تكلفة عالية جدا لتشغيل برامج التجسس على الصحافيين - أرشيفية CC0
 
نشرت مجلة "كولومبيا جورناليزم ريفيو" الأمريكية تقريرا تحدثت فيه عن الطرق التي تنتهجها الأنظمة القمعية سعيا منها لمراقبة نشاطات الصحفيين عن كثب من خلال التجسس على هواتفهم الذكية واعتراض اتصالاتهم ورسائلهم.
 
وقالت المجلة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21" إن شركة اتصالات إسرائيلية ناشئة تدعى "إن أس أو" أطلقت برنامج تجسس يدعى "بيغاسوس" تستخدمه العديد من الحكومات في جميع أنحاء العالم لاختراق هواتف الصحفيين والتجسس على تحركاتهم.
 
وذكرت المجلة أن صحفيا استقصائيا مكسيكيا يدعى "سيباستيان بارغان" تعرض لهذا النوع من التهديد بعد تلقيه رسالة تحتوي على مقطع فيديو يعرض تعذيبا وحشيا تمارسه مجموعة من ضباط شرطة يرتدون سترات مكتوب عليها "النيابة العامة بولاية مكسيك". وكان أفراد هذه المجموعة ملتفين حول رجل مكبل اليدين وهم ينهالون عليه بالضرب.
 
وعند محاولته الاتصال بالمدعي العام بولاية المكسيك للحصول على تفاصيل حول الحادثة، تلقى بارغان بعد بضع ساعات رسالة نصية غريبة مكتوب فيها: "لدي أدلة موثوقة ضد الموظفين الحكوميين". وكانت الرسالة تحتوي على رابط، اكتشف بارغان في وقت لاحق أنه برنامج تجسس يدعى "بيغاسوس" قادر على اختراق ميكروفون وكاميرات أي هاتف ذكي، والتجسس على الاتصالات والرسائل.
 
وأوضحت المجلة أن بارغان اكتشف فيما بعد أن الحكومة المكسيكية هي التي أرادت اختراق هاتفه والتجسس عليه، بعد أن كشفت وثائق حكومية مسربة عن صفقة بقيمة 32 مليون دولار بين مكتب المدعي العام المكسيكي ووسيط محلي لشركة البرمجيات الإسرائيلية الناشئة "إن إس أو"، التي تقوم ببيع برنامج التجسس "بيغاسوس" إلى وكالات تطبيق القوانين.
 
وأشارت المجلة إلى أن الحادثة التي تعرض لها بارغان ليست الأولى من نوعها. ففي وقت سابق من هذا الشهر، نشرت شركة "سيتيزن لاب" الكندية تقريرا يكشف وجود أدلة تثبت استخدام برنامج "بيغاسوس" للتجسس في حوالي 45 دولة. ويمكن لمستخدم هذا البرنامج تحويل الهاتف إلى مركز مراقبة، لتتبع حركات الصحفيين وتحديد مصادرهم، وحتى انتحال شخصياتهم في العالم الافتراضي. في هذا السياق، أصدرت "لجنة حماية الصحفيين" الأسبوع الماضي تحذيرا للصحفيين من إمكانية استهدافهم مثلما حدث مع بارغان.
 
وأضافت المجلة أن برنامج التجسس هذا تم اكتشافه لأول مرة في سنة 2016 على هاتف أحد النشطاء في مجال حقوق الإنسان في الإمارات العربية المتحدة ويدعى أحمد منصور. وأكد الباحثون أن العديد من برامج التجسس تقوم بمسح بعض البيانات الخاصة من الهواتف المحمولة، لكن "بيغاسوس" أخذ الأمور إلى أبعد من ذلك، حيث يمكنه الاستيلاء على الهاتف بالكامل عن بعد، دون أن يعرف المالك بذلك، ودون ترك أثر، ما عدا رسالة نصية.
 
ويقوم مشغلو برنامج التجسس بتنفيذ هجماتهم انطلاقا من مواقع الويب التي يمكن للجميع النفاذ إليها. ويتم إرسال رسائل نصية مصحوبة بروابط إلى الأشخاص المستهدفين. وما أن ينقر الشخص على الرابط، يبدأ هاتفه بتشغيل برامج تعمل على تمكين "بيغاسوس" من السيطرة على الهاتف.
 
وأكدت المجلة أن صحفيي البلدان التي تم فيها اكتشاف استخدام هذا البرنامج، يعيشون في حالة تأهب. ففي توغو على سبيل المثال، تقول ناشطة في مجال حقوق الإنسان وتدعى نبوريما، إن هذا النوع من الانتهاكات يتناسب مع الحكومات التي لا تتسامح غالبا مع معارضيها. وتضيف نبوريما قائلة: "لاحظت الحكومات أن هذه التكنولوجيات تستخدم من قبل النشطاء للتعبير عن آرائهم، لذلك قرروا الاستثمار في وسائل مراقبة من أجل تعقب أنشطة المعارضين".
 
وقالت المجلة إن الصحفيين معرضون بشكل خاص للاستهداف من قبل برنامج بيغاسوس، التي سبق وأن صنفته شركة "إن أس أو" كوسيلة لاستهداف الإرهابيين والمتاجرين بالبشر وغيرهم من المجرمين. ولحسن حظ بارغان، عندما تلقى هذه الرسالة النصية لم ينقر على الرابط. وقد كان في حالة تأهب لأن بعض زملائه تعرضوا لهجوم في السابق.
 
من جهتها، تقول دانيا سينتينو، وهي محامية في منظمة تعمل على حماية الحقوق الرقمية في المكسيك تعرف باسم "آر 3 دي"، إن هجمات "بيغاسوس" كان لها أثر مروع، مما زاد من المخاطر على المراسلين الذين قد يرغبون في كشف بعض الحقائق عن دولة المكسيك. وقد أطلقت الحكومة المكسيكية تحقيقا داخليا حول استخدامها لبرنامج بيغاسوس بإشراف مكتب المدعي العام، وهو الكيان ذاته الذي اشترى الأدوات الأولية التي فتحت المجال للدولة لاستخدام مثل هذا البرنامج.
 
وأضافت المجلة أن عمليات تشغيل وتنفيذ هذا البرنامج تعد مكلفة جدا. ووفقا لقائمة الأسعار التي حصلت عليها صحيفة "نيويورك تايمز" سنة 2016، تقدر تكلفة 10 أهداف بحوالي 650 ألف دولار، كما تفرض الشركة رسوما أولية تقدر بحوالي 500 ألف دولار. ولا يعد ذلك مكلفا بالنسبة لحكومة قمعية مستعدة لإنفاق مبالغ كبيرة لضمان عدم حدوث تغيير سياسي في البلاد. من جهتها، لا تزال الشركة تصر على أن منتجاتها ليس الهدف منها أن تستخدم ضد الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان.
 
وفي الختام، ذكرت المجلة أن الطريقة التي يعمل من خلالها برنامج بيغاسوس متطورة جدا حيث يصعب على الصحفيين معرفة ما إذا كانت هواتفهم مخترقة من قبل هذا البرنامج أم لا، كما لا توجد طريقة سهلة لتهيئة الجهاز بعد أن يتم اختراقه.