سياسة دولية

خاشقجي من دائرة الحكم السعودي إلى الانتقاد العلني

ينتمي خاشقجي إلى عائلة سعودية مرموقة لها أصول تركية

الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، الذي أكّدت المملكة أنّه قتل في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر داخل قنصليتها في اسطنبول، تحوّل من مقرّب من دائرة الحكم في الرياض إلى أحد أبرز المنتقدين لسياساتها.


في آخر مقالاته المنشورة في صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، طالب خاشقجي، صاحب السيرة المهنية الطويلة المعقّدة والمتقلّبة، بحرية أكبر للإعلام العربي في منطقة الشرق الأوسط.


وكتب في المقال الذي نشرته الصحيفة بعد أسبوعين على دخوله مبنى قنصلية بلاده في اسطنبول لإنجاز معاملات إداريّة، أنّ "العالم العربي يواجه نسخته الخاصة من "الستار الحديدي" المفروضة عليه، ليس فقط من لاعبين خارجيين، ولكن أيضا عبر قوى داخلية تواقة للسلطة".

 

وأضاف: "علينا أن نخلق منصّة للأصوات العربية".

 

واعتُبر خاشقجي في مرحلة لاحقة صوتا للأسرة الحاكمة في السعودية، لكنّ السلطات اعتبرت أنه تقدّمي أكثر من اللزوم.

 

وفُقِدَ أثر خاشقجي، وهو أحد الأصوات المنتقدة للسياسات السعودية منذ تسلم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان منصبه في حزيران/يونيو 2017، بعدما دخل قنصلية بلاده في اسطنبول في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر للحصول على مستندات زواج.

 

وبعدما أصرّت الرياض على مدار أكثر من أسبوعين على القول إنّه غادر القنصلية بعيد وقت قليل على دخوله إيّاها، أكّدت فجر السبت أنّه فارق الحياة يومها داخل مبنى القنصلية إثر شجار و"اشتباك بالأيدي" بينه وبين عدد من الأشخاص الذين توجّهوا إلى تركيا خصيصا لمقابلته، بعد "ظهور مؤشّرات تدلّ على إمكانية عودته للبلاد".

 

وبحسب بيان رسمي سعودي، فإنّ المشتبه بهم حاولوا "التكتّم على ما حدث والتغطية على ذلك (..)، والتحقيقات في هذه القضية مستمرة مع الموقوفين على ذمّتها، البالغ عددهم 18 شخصا من الجنسية السعودية".

 

وكان خاشقجي انتقل في 2017 للعيش في منفى اختياري في الولايات المتحدة؛ خشية التعرّض للاعتقال في السعودية التي شهدت حملات توقيف، شملت كتّابا ورجال دين وحقوقيين وناشطات في حقوق المرأة وأمراء وسياسيين.

 

وينتمي خاشقجي إلى عائلة سعودية مرموقة لها أصول تركية. وكان جدّه محمّد خاشقجي الطبيب الشخصي للملك الراحل عبد العزيز آل سعود، مؤسّس المملكة. كما أن عمّه هو تاجر الأسلحة الراحل، عدنان خاشقجي.

 

وتخرّج خاشقجي من جامعة ولاية إنديانا الأمريكية في العام 1982، وبدأ يعمل في صحف يومية بينها "سعودي غازيت" و"الشرق الأوسط".

 

وأُرسل لتغطية أخبار النزاع في أفغانستان، وظهر في صورة وهو يحمل سلاحا رشاشا ومرتديا زيّا أفغانيا. لم يقاتل خاشقجي في النزاع، لكنه أظهر تعاطفا مع قضية المجاهدين في الحرب في الثمانينيات ضد الاتحاد السوفياتي، التي موّلها السعوديون ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي إيه".

 

وأجرى مقابلات مع زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، في أفغانستان والسودان، ما تسبّب له على الأرجح بوصفه "صديق ابن لادن" في بعض وسائل الإعلام السعودية والعربية والغربية. لكنّه ما لبث أن ابتعد عن ابن لادن في التسعينيات، بعدما أصبح هذا الأخير يدعو إلى أعمال عنف في الغرب.

 

واعتُبر خاشقجي في مرحلة لاحقة صوتا للأسرة الحاكمة في السعودية، لكنّ السلطات اعتبرت أنه تقدّمي أكثر من اللزوم. فاضطر إلى مغادرة منصبه كرئيس تحرير في صحيفة "الوطن" اليومية في العام 2003 بعد 54 يوما فقط من بدء عمله فيها.

 

ولد خاشقجي في المدينة المنورة في 13 تشرين الاول/اكتوبر 1958، وأمضى سنوات شبابه وهو يدرس الأفكار الإسلامية، معتنقا في الوقت ذاته أفكارا ليبرالية.

 

وأقام خاشقجي علاقات متقلّبة مع السلطات السعودية، فتولّى مناصب استشارية في الرياض وواشنطن، بينها لصالح الأمير تركي الفيصل الذي أدار الاستخبارات السعودية لأكثر من 20 عاما.
وعندما عُيّن الأمير تركي الفيصل سفيرا في واشنطن في 2005، رافقه خاشقجي إلى الولايات المتحدة.

 

وفي سنة 2007، عاد خاشقجي إلى صحيفة "الوطن" وأمضى فيها ثلاث سنوات قبل أن يضطّر مجددا للمغادرة، بعدما اعتبرت السلطات أنّ أسلوبه التحريري "يتجاوز الحدود" المرسومة للنقاش في المجتمع السعودي، بحسب موقعه على الإنترنت.

 

وتقرّب خاشقجي من الملياردير الأمير الوليد بن طلال، وأطلقا معا في المنامة عام 2015 قناة "العرب" الإخبارية، التي توقفت عن العمل بعد 24 ساعة فقط، بعدما بثّت مقابلة مع شخصية معارضة.
ترك خاشقجي السعودية في أيلول/سبتمبر 2017 بعد أشهر من تولّي الأمير محمد بن سلمان (33 عاما) منصب ولي العهد في أغنى دول المنطقة.

 

وفي حينه، منعته جريدة "الحياة" اليومية المملوكة من الأمير السعودي خالد بن سلطان آل سعود من الكتابة فيها، بعد أن دافع في مقال له عن جماعة الإخوان المسلمين.

 

وذكر الصحفي الراحل أنّ السلطات منعته كذلك من استخدام حسابه الخاص في تويتر، بعدما قال إنّ على المملكة أن تخشى إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

 

وغادر خاشقجي المملكة في خضمّ موجة الاعتقالات التي شملت مثقفين ودعاة إسلاميين وأمراء، بينهم الملياردير الوليد بن طلال الذي أوقف مع آخرين على خلفيّة تهم تتعلّق بالفساد، وفقا للسلطات.

 

وفي مقال كتبه في "واشنطن بوست" في أيلول/سبتمبر 2017 قال خاشقجي: "عندما أتحدث عن الخوف والترهيب والاعتقالات وتشويه صورة المثقّفين ورجال الدين الذين يتجرؤون على قول ما يفكرون فيه، ثم أقول لكم إنني من السعودية، فهل تُفاجؤون؟".

 

وتحتلّ السعودية المرتبة 169 على لائحة من 180 بلدا وضعتها منظمة "مراسلون بلا حدود" للتصنيف العالمي لحرية الصحافة.

 

وانتقد خاشقجي الذي كان من المفترض أن يتزوّج في تشرين الأول/أكتوبر الحالي من خطيبته التركية خديجة جنكيز، الحرب السعودية في اليمن حيث تقاتل المملكة المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران.

 

وكان الصحفي السعودي كتب في صحيفة "غارديان" البريطانية في آذار/مارس الماضي: "يستحق ولي العهد الثناء على برنامجه الإصلاحي في الداخل. لكن في الوقت ذاته، لم يسمح (…) بأي نقاش في السعودية حول طبيعة التغييرات التي يجريها".

 

وتابع: "يبدو أنه ينقل البلاد من التطرّف الديني التاريخي، إلى تطرّفه القائل: "عليكم أن تقبلوا بإصلاحاتي".