كتاب عربي 21

إيطاليا والبحث عن حل للأزمة الليبية

1300x600
بدأت روما في التعبئة للملتقى الدولي الخاص بتدارس الأزمة الليبية والبحث عن حل ينهي مظاهرها وآثارها، وهو الاجتماع المقرر عقده خلال النصف الأول من الشهر المقبل.

هذا ليس الاجتماع الأول الذي ينعقد في إيطاليا لبحث الأزمة الليبية، لكنه يتمتع بخصوصية كونه يأتي بعد تنافس إيطالي ـ فرنسي محموم ولأنه ينعقد كمسعى لحجب المبادرة الفرنسية عن التأثير والتي كان مضمونها عقد انتخابات عامة قبل نهاية العام الجاري.

وإن صح التحليل، فإن هذا العامل في حد ذاته يشكل تحديا ومخاطرة، فالتحدي من جهة أن باريس لن ترضى بتراتيب إيطالية تضعف من حضورها في المشهد الليبي، والمخاطرة هي التخوف من أن يُفرَض حل يزيد الوضع الصعب صعوبة.

في اعتقادي أن المجتمع الدولي والعواصم الغربية الفاعلة تركت للحكومات المتعاقبة بعد الثورة البراح الذي تحتاجه ولم يقع تدخل ملحوظ في ما يتعلق بإدارة مرحلة ما بعد فبراير 2011م، واقتصر الدور الغربي على تقديم الدعم الفني المتعلق بالانتقال الديمقراطي وببناء المؤسسات السياسية والأمنية وهو ما لم تستفد منه الإدارة الحكومية الليبية بكفاءة.

التدخل المباشر والمؤثر وقع بعد الصدام المسلح إثر إطلاق عملية الكرامة وردة الفعل عليها بعملية فجر ليبيا، فقد أدى تفجر الصراع إلى انقسام حاد بشر بتداعيات خطيرة سياسية واقتصادية وأمنية نراها اليوم واقعا متجذرا ملمحه تفكيك البنية الاجتماعية وتعميق الأزمة الاقتصادية وتهديد مصالح الدول الغربية.

ومعلوم أن الاجتماعات الدولية التي تنعقد لمعالجة أزمة في بلد ما تدلل على أن الأزمة لم تعد محلية ليس في تداعياتها فقط بل في مقاربة حلها، وليبيا مثال حي على ذلك، وبالقطع فإن العواصم الفاعلة التي لها غايات خاصة بتدخلها في الشأن الليبي ستسعى لتحقيق هذه الغايات بكل السبل المتاحة.

روما وباريس وليبيا

لقد بات التنافس بين روما وباريس حول إدارة الأزمة الليبية اليوم مفضوحا، لكن الساسة الغربيين، الأوروبيين تحديدا، يدركون أن الحلول الحدية التي تقود إلى معادلة الغالب والمغلوب باتت غير مقبولة وذلك منذ الحرب العالمية الثانية، وبالتالي فإن أي رؤية للحل ينبغي أن يتوافر فيها قدر من التراضي.

التراضي لا يعني التساوي بحال، فروما يمكن أن تحتج بأن ليبيا مجال نفوذ إيطالي بمنطق التاريخ والمصالح المباشرة، يضاف إلى ذلك الدور الأمريكي الذي له حضور مباشر عبر نائبة رئيس البعثة الأممية والذي يأتي في صالح إيطاليا، فوزن روما أثقل مما هو ظاهر بالدعم الذي تحوزه من قبل واشنطن في الشأن الليبي.

الحلقة الأضعف في تلك التوافقات الدولية دائما يكون الوطن والمواطن، ويتحمل الساسة الليبيون جزءا كبيرا من المسؤولية في الوصول لهذا المأزق، وتأتي بالتبع الكتائب المسلحة التي صارت مصالحها الضيقة جدا والكبيرة حجما على حساب القضية وأصحابها.

تراكم الأخطاء

الانسداد الذي نشهده في الوضع السياسي إنما تراكم بفعل أخطاء الساسة، والرتق الذي أعجز الراقع إنما اتسع بفعل تناقضات الأطراف المحلية المتنازعة وفشلها في منع الأزمة من التفاقم لتصل إلى مستوى بات معها الحل المحلي صعبا وليصبح انتقال الملف برمته إلى عواصم الغرب شرا لا بد منه بل مبررا عند قطاع واسع من الليبيين.

لم تتضح بعد ملامح أجندة الاجتماع، ومن المحتمل أن يتم الاتفاق على مرحلة انتقالية جديدة يطالب فيها الأطراف المتنازعون بتمرير مقاربة التعديل على المجلس الرئاسي، وتعيين رئيس لحكومة مصغرة يكفل لها المجتمعون الدعم اللازم لتنفيذ مهام أساسية تتمحور حول ترتيب الوضع الأمني ودعم الإصلاحات الاقتصادية والتمهيد لانتخابات عامة في فترة لا تتعدى العام.

ما يمكن أن يكون فارقا في الملتقى الدولي هو إنجاز ما فشل الفرقاء الليبيون في إنجازه وهو تحديد أعضاء المجلس الرئاسي وتسمية رئيس الحكومة، فهنا يقف قطار المسار السياسي، وهنا يطل علينا النزاع بعواصفه الهوجاء.

ربما يتعذر بحث مسألة أسماء المرشحين والاختيار من بينهم، فمثل هذا لا يقع في مؤتمر دولي وبشكل مكشوف، لكن التفويض المتوقع لا بد وأن يُستغل للفصل في هذه الجزئية المهمة، وما جدوى مثل هذا الاجتماع في هذه المرحلة العصيبة وفي ظل تنافس أوروبي محموم إذا لم يؤسس لمقاربة تكسر الجمود وفق معادلة التراضي الإيطالي الفرنسي؟!