ملفات وتقارير

أزمة مطار بيروت.. خلاف بين "أجهزة" أم صراع بين "ساسة"؟

أجمعت محللون على بلوغ "حالة التفلت" في البلاد حدا فاضحا- جيتي
يكابد المسافرون عبر مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت؛ بفعل الحوادث المتكررة التي عطّلت أو أخرت رحلات مسببة حالة "خانقة"، عبر عنها الكثيرون بغضب واستنكار على وسائل التواصل الاجتماعي.

وتتكرر الحوادث "الغريبة" في المطار اللبناني، من أبرزها هروب الطفل خالد الشبطي (12 سنة) عام 2016، حيث اجتاز جميع الحواجز الأمنيّة داخل المطار، وسافر إلى اسطنبول عبر طائرة شركة الميدل ايست المحلية، من دون حجز ولا جواز سفر، تلاها حوادث عدة، بعضها متعلق بتعطل نظام المسافرين، ما يدلّل على وجود خلل كبير في النظام المعمول به في الميناء الجوي.

وشهد الأسبوع المنصرم حادثتين لافتتين، الأولى نتجت عن إفراغ طائرة متجهة إلى القاهرة من ركابها لصالح الوفد الرئاسي الذي شارك في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وبرزت الحادثة الثانية كسابقة خطيرة إثر "مشاجرة" بين ضابطين تابعين لجهازي الأمن الداخلي وأمن المطار، ما تسبب بتوقيف عمليات التفتيش، وإيقاف حركة المسافرين لأكثر من ساعة ونصف، قبل أن تعود الأمور إلى طبيعتها.

ووفق شهود عيان، فإن الإشكال كاد أن يتطور إلى اشتباك بين عناصر قوى الأمن في صالة المسافرين وعناصر الجيش التابعين لجهاز أمن المطار.

من يتحمل المسؤولية؟

وحمّل النائب عن كتلة التنمية والتحرير علي خريس، في تصريحات لـ"عربي21"، حكومة تصريف الأعمال المسؤولية على اعتبارها معنية بإصلاح الخلل في المطار، رغم محدودية مهامها، وقال: "ملف المطار كارثي في ظل الخلافات على الصلاحيات بين أجهزته، فيما تكمن المشكلة الكبرى في عدم تطبيق القوانين الصادرة عن مجلس النواب، ومنها قانون تشكيل الهيئة الناظمة الذي لم ينفذ لغاية الآن"، مطالبا "الوزارات المعنية باتخاذ تدابير فورية لمعالجة الخلل المتعدد، والعمل بجد ومصداقية لتطوير الوضع الراهن في المطار".

وتتطابق توصيفات مراقبين في تشبيه ما يحدث في المطار بمرآة للنظام السياسي في البلاد، ويوافق خريس هذه النظرة، وقال: "من المؤسف أن يعمل فرقاء سياسيون لمصلحتهم، متناسين ما يمرّ به البلد من مطبات وأزمات"، مردفا: "لا ينظرون إلى صعوبة التحديات في ظل تراكم الدين العام، وبلوغه حد 80 مليار دولار، عدا المشاكل المتعددة المتعلقة بالملفات الحياتية المختلفة".

ودعا خريس إلى "ضرورة إجراء تحقيق في الحادثة الأخيرة، وتحميل المسؤولية لكل من يثبت تورطه أو تقصيره، إن على صعيد الوزارات أو على صعيد المدراء العامين"، مشددا على ضرورة "تجنب تكرار هذه الإشكالية عبر وضع حدّ لحالات التفلت".

هل الأحداث مفتعلة؟

وانتقد الناشط في حملة "طلعة ريحتكم" وديع الأسمر ما أسماه "انكماش دور الدولة في إدارة الملفات والمهام المنوطة بها"، واصفا ما حدث في المطار بأنه "انعكاس لمشهد الدولة الفوضوية".

ورأى أن الخلافات بين "أجهزة الدولة لا بدّ أن تنحصر ضمن المكاتب، من دون أن تمتد إلى مشادات خطيرة تؤثر على الأمن".

ورجح الأسمر في تصريحات لـ"عربي21" أن "تكون الأحداث المتوالية التي يشهدها مطار رفيق الحريري مفتعلة بهدف تمرير صفقة لصالح مسؤولين سياسيين في المطار". موضحا: "تقديراتنا تشير إلى أن ثمة هدفا سياسيا ومصلحة خاصة لأطراف تتزاحم ضمن صفقة داخل المطار وبالتراضي مع الأفرقاء الآخرين"، وتحدث الأسمر عن "فرضية سعي فريق سياسي إلى تحسين حصته في المطار من خلال الدفع باتجاه تأزيم الأمور".

وانتقد الأسمر الطبقة السياسية، وقال: "ما يقومون به يقوّض أسس الدولة، في ظلّ تغليبهم لمصالحهم الخاصة على حساب الوطن".

وعن دور الحركات المدنية في مواجهة ما يقول إنها حالة "ترهل في بنيان الدولة"، أوضح الأسمر أن "تحركاتهم تندرج في إطار توعوي تحفيزي للمواطنين، والضغط عبر الرأي العام على السياسيين والأحزاب لتصويب المسار".

وتحدّث الأسمر عن تحركات ميدانية "متعلقة بأزمة النفايات التي تؤرق اللبنانيين"، كاشفا عن "عريضة سترفع إلى رئيس الجمهورية ميشال عون؛ للتحذير من مخاطر المحارق وتداعياتها على صحة المواطن".

الانهيار

وأجمعت مواقف المحللين على بلوغ "حالة التفلت" في البلاد حدا فاضحا للطبقة الحاكمة، وتحدّث الكاتب والمحلل السياسي أمين قمورية عن وصول الأوضاع إلى "أعلى درجات الانهيار، في ظل تعرض واجهة لبنان الخارجية إلى هذه المهزلة التي تشكّك في قدرة اللبنانيين على إدارة دولتهم"، وتساءل عن كيفية "إعادة لبنان إلى الطريق الصواب في ظل المؤشرات التي تدلّل على تصنيفه في عداد البلدان الفاشلة بسبب أداء الأحزاب والأقطاب السياسية".

وقلّل قمورية في تصريحات خاصة لـ"عربي21" من أهمية المطالبة بمحاسبة الفاسدين والمقصرين، وقال: "إذا أردنا محاسبة المقصرين في جهاز المطار، فعلينا فتح الملفات الأخرى من كهرباء ومياه ونفايات وسكة حديد وغيرها"، مشيرا إلى "صعوبة المحاسبة، لا بل اليأس من القدرة على التوصل إليه في ظل الوضع الراهن".

وأيد قمورية الترجيحات التي تشير إلى وجود بصمات سياسية على الحوادث المتكررة في المطار "من خلال تحويله إلى ساحة لتحقيق أهداف لأفرقاء سياسيين، من دون العبء بالتداعيات والآثار المهولة على المواطنين"، خاتما: "أسوأ ما يقومون به هو العنف عبر التجهيل".