قضايا وآراء

"تعالوا إلى كلمة سواء".. والبيان المنتظر

1300x600
أصدرت جماعة الإخوان المسلمين في مصر بيانا في الذكرى الخامسة لفض اعتصامي رابعة والنهضة؛ دعت فيه كل القوى السياسية للتوحد والعمل على إسقاط الانقلاب، وحددت عشرة بنود من أهمها عودة الرئيس المنتخب ومحاكمة الانقلاب.

وبغض النظر عن مثالية البيان وكم هو بمثابة محاولة للحلم وسعي للأماني، لكن لا حرج، فلا زالت الأماني ممكنة، والتاريخ يؤكد ذلك، ولا مقام للحجر على آراء البعض أو تصوراته لحل الأزمة السياسية في البلاد.

لكني، ومن واقع عشقي لفكرتي وفخري بدعوتي، أكتب اليوم هذا المقال، وليس البيان، فالبيانات لها أصحابها من حملة المسؤولية (عافانا الله منها)، أما المقالات فهذا ما نملكه كشباب ربما لديه بقايا عقل يفكر به وقلم لا زال حرا يعبر عنه، وأسال الله أن يظل حراً لا يؤثر فيه مدح فلان أو قدح آخر.

تعالوا إلى كلمة سواء.. أتوجه بهذا المقال لجبهتي النزاع والخلاف داخل الحركة الإسلامية التي يزيد تاريخها وعمرها عن عمر دول وممالك حديثة العهد بالدنيا.

إن الحركة الإسلامية اليوم، وبفعل هذا الانقلاب الدموي وأمور أخرى لا تخفى على كل متابع للشأن الإسلامي والحركي، تعيش أحلك أيامها، فهي محنة ليس لها "التلمساني"، شديدة في الأثر والوجود، سريعة التمدد في النفوس والعقول إلا من رحم ربي. وللحق، فالفكرة لا زالت صلبة في النفوس، لكن وبوضوح وشفافية وبعيداً عن التجمل المزيف.

أتساءل كشاب ارتوى من هذه الدعوة: من أولى بالتوحد اليوم وطي صفحات الماضي والخلافات؟!

القوى السياسية الرافضة لفكر الإسلاميين أم أبناء المدرسة والمؤسسة الواحدة؟،والجواب يقينا الاثنين معا.

لكن الأصل هو ذلك المعتقل وذاك المطارد وذاك المفصول من عمله، فكل هؤلاء يتطلعون إلى بيانات الوحدة والتوحد ورفع الراية التي تسعد المظلومين، لا أن يكون الخطاب فقط للاستهلاك المحلي.

إن قيادات البيان مطالبون بأن يحترموا عقول الصف المجروح الصامد المتطلع لأي بادرة أمل تنهي جراحه وتضمدها.

فلا زالت أم الشهيد تبكي ويزيد بكاؤها هذا الفراق والتخوين المتبادل، ولا زال المعتقل يئن من نسيان البيانات لخطوات عملية تعمل على إخراجه، سواء سياسية أو غيرها، ولا زال المطارد يتخفى ويسأل: هل من بيان جديد يوحد الكلمة والراية؟

ولا زال المفصول من عمله يتمنى أن يعود ليكفي أهله السؤال والمؤونة، فالوضع خطير خصوصاً في هذا الجانب، ولا مجال للإنكار أو التجمل.

تعالوا إلى كلمة سواء.. فلكم تمنى المصلحون أن تقبل كل المبادرات السابقة في توحيد المسير والمسار وإعلاء قيم التجرد، لكن مع الأسف تم رفض كل المبادرات التي دعت للكلمة السواء، والتداعي للتوحد في ظل وضع إقليمي ودولي متربص.

وتحريض على مدار الساعة، وتضحيات ودماء على مدار اللحظة تسفك بلا حساب أو حتى خوف من التأثير الخارجي الذي أصبح معدوم. فبالرغم من مرور خمس سنوات على رابعة مع الأسف لم تقبل قضية واحدة في محكمة دولية نبني عليها، بل العكس قادة الانقلاب يغدون ويعودون، بكل أريحية وبوضوح. وبعيدا عن أي مسكنات أقول إن هواننا على الغير لأننا هُنّا على أنفسنا، فلم يعد الكيان الضخم مؤثرا كما كان، وكل هذا بفعل الإصرار على الخلاف والعمل الدائم على نهج الخصومة والفصل والإقصاء بدعوى الحفاظ على الكيان، وهم لا يدرون أنهم يدمرون الكيان ويساعدون الخصم في انهيار الجسد الكبير بهدوء ومكر ولا تدري.. أهذه سذاجة أم ماذا؟

"تعالوا إلى كلمة سواء".. بيان كان حلم كل العاشقين للفكرة والعاملين للدعوة أن يكون ملبيا عن طموحات 80 ألف معتقل ومليون مطارد؛ للم الشمل وتخفيف الألم، لكن لم يكن كذلك، بل خاطب الانقلاب وطلب منه أن يحكم قائده في سذاجة سياسية تعبر عن أن البيان خرج فقط في ذكرى رابعة كإبراء ذمة، في الوقت الذي احتفل المجرمون بالفض بالأغاني، وأقام أيضا الرافضون له في تركيا (البعض) مهرجان غناء وكلمات، وكأن الحق عاد لأهله والشرعية ردت إلى صاحبها وأم الشهيد توقفت عن البكاء! ما هذا العار يا قومنا! لقد خابت فيكم تطلعاتنا، وليغضب من شاء وليرضى من شاء.

إن الصف الإسلامي المجروح بحاجة لبيان مماثل ينهي كل هذا الخلاف، ويوحد الكلمة ويفجر الطاقات، ويبني عملا مستقبلا جديدا في جو من التجرد الصادق والبيعة الصادقة مع الله ورسوله.

"تعالوا إلى كلمة سواء".. حلمنا أن يكون نداء لكل متنازع ومختلف مع أخيه، سواء باء يوما بمسؤولية أو لا. فالتاريخ لن يرحم كل من وسع الفجوة بعناده ورفض الالتئام، بدعوى أن هناك فئة تريد للمسار أن يتحول أو يتبدل، مع التأكيد على فشل المسار الذي قبله والواقع يؤكد، فماذا قدم القابعون في الخارج على مدار خمس سنوات؟ والإجابة "لا شيء".

عجز وفشل شمولي إعلامي وحقوقي حتى في الاستيعاب.. سيل من قرارات الفصل والإقصاء والتراشق والتخوين، وفي نفس الوقت ننادي على الطاعنون فينا بالتوحد ونسترضيهم ونتمنى رضاهم ونفتح لهم منابرنا.

ختاما

كنا نتوقع بيانا يصحح أخطاء الماضي والواقع ويؤسس لملحمة عمل في ذكرى رابعة. كنا نتمنى ثورة حقيقة في التواصل والسعي لطي الماضي، لا مهرجانا للغناء والأناشيد. فمع الأسف لا زال البعض بارع في خسران الفرص، فمهرجان رابعة كان كمهرجان المئوية، وربما لولا كلمات خالد مشعل لتحول الأمر إلى فرح وتهاني. وكم هو مؤلم أن تفشل قيادات شربت العمل على مدار سنوات أن تستغل التجمعات والمنابر في حل مشاكلها الداخلية، في الوقت الذي تكون مطالبة فيه أن تقدم حل للوطن ليخرج من كبوته، وفي نفس اللحظة تحمل هموم الملايين في المنفى والشتات والآلاف في السجون.

ولا أدرى كيف كل هذا؟

تعالوا إلى كلمة سواء..

إن القيادة التي قادت الصف لمحرقة رابعة لا زالت مصرة إنها قادرة على التغيير، ولا زالت تعوّل على انقلاب واضطرابات داخل المؤسسة العسكرية تبرز وتنتج عن انفراجة سياسية، وهذا قمة الفشل، فلم نعد نعمل أو حتى نقبل من يعمل ليبقي العطل هو السمت، والمهرجانات هي الحل، والبيانات تسكين للصف المتألم.

ختاما.. إنني أنادي كل صاحب مسؤولية داخل الحركة الإسلامية أن يقدر حجم الصعوبات، ويعي بأن التاريخ لن يرحم كل قائد كسول يهدم وهو يظن أنه يبني، ويهدم من حيث يظن أنه يجمع.. وصلت.