قضايا وآراء

هل صفقة القرن هي طوق النجاة لترامب؟!

1300x600
يتردد في وسائل الإعلام الغربية أن الرئيس الأمريكي ترامب سوف يعلن عن تفاصيل صفقة القرن الشهر القادم بعد التجديد النصفي لانتخابات الكونجرس، ولا نعرف هل اختياره لهذا التوقيت الذي يتم فيه التحقيق في فضائحه؛ يأتي في إطار التغطية عليها بتحقيق إنجاز عجز عنه الرؤساء السابقين، وهو ما يسميه السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين! فهل يجد في صفقة القرن طوق النجاة الذي يمنعه من السقوط؟!

منذ أكثر من عام، ومنذ اجتماع ترامب والسيسي في البيت الأبيض وتصريحهما عن "صفقة القرن"، لم يتم الإدلاء بأي من تفاصيلها؛ سوى أنها ستعمل على الاستقرار في المنطقة، والنهوض التنموي والانتعاش الاقتصادي في تلك الدول المعنية بها (أي دول الجوار للكيان الصهيوني، أو ما كانت تسمى سابقاً دول الطوق حينما كانت الدول العربية تعتبره عدوا غاصبا للأراضي الفلسطينية، قبل أن ترتمي في أحضان السلام الدافئ والخيار الاستراتيجي)! وذلك بالقطع لاستمالة شعوب تلك الدول المجاورة، أي مغازلتها أو قل رشوتها كمحاولة لكسبها وتأييدها لتلك الصفقة الملعونة، ولذلك ذهب البعض إلى تحليل حالة الأزمات الاقتصادية التي تواجهها مصر والأردن وتردي الأوضاع الاقتصادية لدى شعبيهما. أضف إلى هذا حصار قطاع غزة وتضييق الخناق عليها، وتعنت سلطة التنسيق الأمني في التعامل مع مواطني غزة ومنعها من صرف رواتب الموظفين، وعدم دفع أموال الضرائب المحصلة للقطاع، ومنع أي مساعدات تصل إليها، وآخرها قرار ترامب الأخير بوقف تمويل وكالة "الأونروا"، أو بمعنى أدق تصفية الأونروا. وسنتكلم عن ذلك بالتفصيل والغرض من هذا القرار فيما بعد.

نعود ونقول: قد رأى البعض كل هذا، ومنهم كاتبة هذه السطور، أنه شيء متعمد ومخطط له لإتمام صفقة القرن، بحيث يتم التضييق علي الشعوب في معيشتها لحد المجاعة والدفع باقتصاد تلك الدول لحافة الانهيار، ثم يعلن عن صفقة القرن وكأنها ليلة القدر أو العصا السحرية التي ستنتشل شعوب المنطقة من شدتها وتحل أزمتها، وحينها سترحب بها الشعوب بل وتهلل لها، متناسية المبادئ والوطنية، وضاربة بعرض الحائط فلسطين والعروبة وربما الإسلام أيضا! فالأرقام التي ذكرت في التقارير المسربة نظير توطين الفلسطينيين في الدول العربية تسكر الأبصار وتدير الرؤوس وتخدر النفوس. فنصيب مصر كما ورد في التقارير المسربة 250 مليار دولار، والأردن 250 مليار دولار، والعراق 200 مليار دولار (مقابل توطين مليون ومئتي فلسطيني في شمال العراق)، وتناسوا للأسف أن السعودية أعطت أمريكا حوالي 600 مليار دولار!

منذ ذلك الوقت، وأنت يطاردك مصطلح "صفقة القرن" في الإعلام، سواء كان المكتوب منه أو المرئي أو المسموع، وربطه بكل حدث يحدث في المنطقة، عداك عن التقارير التي تنشر عن الاجتماعات السرية التي جرت بين الرئيس الأمريكي "ترامب" والحكام العرب، والتي تؤكد كلها موافقة هؤلاء الحكام على صفقة ترامب الملعونة. وكان آخر هذه التقارير ما ذكره تلفزيون "إي بي سي" الأمريكي (المعروف باطلاعه على أخبار البيت الأبيض، عبر محلله السياسي "ستيفن كيوورد")، عن تفاصيل صفقة القرن بكل دقة، وبدء تنفيذ الخطة وتوطين الفلسطينيين في الأراضي العربية مقابل دفع مئات المليارات - كما ذكرنا سابقاً - لإنعاش اقتصاد تلك الدول وإجبارها على القبول بالتوطين، وأن ترامب وافق مع نتنياهو وابن سلمان عليها، وبمقتضاها يتم استقطاع أجزاء من أراضي سيناء والأردن وتوطين ثلاثة ملايين فلسطيني موزعين كالتالي: مليون فلسطيني في الأردن، ومليونا فلسطيني على حدود غزة، وصولا إلى مدينة العريش وعلى امتداد رفح، وتوسيع مساحة غزة بمساحة إضافية هي سبعة آلاف كلم هي الجزء الفلسطيني من سيناء تاريخياً، لكن مصر حصلت عليها في زمن الانتداب البريطاني. وتتسع مساحة السبعة آلاف كلم لحوالي خمسة ملايين لاجئ فلسطيني، بحيث يتم ضمها إلى قطاع غزة لإنشاء الدولة المزعومة المسماة "فلسطين"، وتكون منزوعة السلاح وبلا حدود جغرافية ثابتة، على أن تكون أبو ديس عاصمة لها، ويُسقط حق العودة، وتُنسى القدس نهائياً. وقد قالها ولي العهد السعودي (الصبي الطامح للعرش) "محمد بن سلمان" لرئيس التنسيق الأمني "محمود عباس": "انسَ القدس خالص. أبو ديس هي العاصمة". وبعدها أعلن ترامب اعترافه بالقدس الموحدة عاصمة لدولة إسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها. وفي آخر خطاب له الأربعاء الماضي، قال: "أزلنا قضية القدس عن طاولة المفاوضات؛ لأنها كانت الإشكالية التي تعيق مفاوضات السلام السابقة والوصول لتسوية نهائية".

وترى الإدارة الأمريكية أيضا أن "حق العودة" أحد أهم العقبات التي تواجهها في التسوية النهائية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومن هنا جاء قرار ترامب بقطع كل تمويل للأونروا، والطلب من دول أخرى فعل نفس الشيء أيضا، وقطع تمويلها لهذه المنظمة المختصة برعاية شؤون اللاجئين في مخيماتهم البائسة؛ من غذاء وصحة وكساء وتعليم.. إلى آخره.

تأسست وكالة "الأونروا" عام 1948، أي بعد نكبة 48 وطرد ما لا يقل عن 800 ألف فلسطيني خارج أرض فلسطين. وتشمل صفة "لاجئ" جميع الفلسطينيين الذين غادروا فلسطين عام 1948، بمن فيهم أبناؤهم وأحفادهم، ويقدر أعدادهم الآن بنحو 5.4 مليون فلسطيني، وفقاً لإحصائية "الأونروا"، وهو ما لا يروق لهوى الإدارة الأمريكية، وتراه يحول دون إتمام السلام المزعوم بين الفلسطينيين والكيان الصهيوني. لذلك بدأت واشنطن باتهام الوكالة بالفساد لتبرير قطع مساعدتها وأكملها نتنياهو بمطالبته بإلغائها، وزعم أن الوكالة تكرس مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وأنها تبالغ في أعدادهم، فيما يحذر مدير وكالة "الأونروا" في غزة "ماثياس شمايل" من أن قرار وقف التمويل سيؤدى إلى تدهور أوضاع اللاجئين الفلسطينيين الإنسانية، كما طالب أصحاب القرار بتمويل المنظمة وبفصل القضايا السياسية عن الإنسانية. ويرى أن قرار ترامب هذا جاء بمثابة عقاب للفلسطينيين لموقفهم الرافض لقراره بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية للقدس..

وجدير بالذكر أن أمريكا تساهم في تمويل "الأونروا" بحوالي 350 مليون دولار سنوياً، وتعد أكبر الدول الممولة للوكالة التي تبلغ ميزانيتها 1.2 مليار دولار. وربما نتساءل: ماذا يمثل هذا المبلغ الزهيد لأغنى دولة في العالم وما قيمته بجانب الستمئة مليار دولار التي ضختها السعودية في الخزانة الأمريكية العام الماضي؟! لا شيء بالطبع، وليس هذا هو المقصود، بل المقصود هو إنهاء عمل الوكالة وتصفيتها؛ لأن هدف قرار ترامب هو إنهاء ملف اللاجئين، وهو الملف الأكثر تعقيداً من على طاولة المفاوضات، وبالتالي إسقاط بند "حق العودة" من دائرة التفاوض. ولهذا يسعى "جاريد كوشنر"، الصهيوني وصهر ترامب ومستشاره الخاص المكلف بالملف الفلسطيني الإسرائيلي، للقضاء على الأونروا وتجريد الفلسطينيين في الضفة والقطاع من صفة لاجئ، وتقليص عددهم إلى أقل من 500 ألف لاجئ، من 5.4 مليون لاجئ مسجلين في سجلات الأمم المتحدة. ولهذا جاءت فكرة إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين بالبلدان العربية المجاورة التي ذكرناها من قبل، وهي في الحقيقة فكرة قديمة منذ الخمسينيات، لكن كان يقابلها رفض عربي تام من الحكومات العربية في السابق؛ حفاظاً على الهوية الفلسطينية، لهذا لم تمنحهم أي دولة عربية جنسية الدولة التي يقيمون فيها، واعتبرتهم ضيوفاً على أراضيها كي يظل "حق العودة" قائماً لا مساس فيه، وكان هذا قرار جامعة الدول العربية حينما كانت لا تزال على قيد الحياة وقبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة!

وأنت لا تستطيع أن تفصل كل هذا عن القانون الجديد للكيان الصهيوني، والذي سمي بـ"قانون الدولة القومية"، وأسفر فيه الكيان الصهيوني عن وجهه العنصري القبيح الذي يجعل من فلسطين وطناً وأرضاً للشعب اليهودي دون غيره، حسب نص القانون الذي يقول فيه "إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي"، وأن حق تقرير المصير فيها يخص "الشعب اليهودي فقط". ولمزيد من إعلاء يهودية الدولة، لم يكتف القانون بالنص على أن "إسرائيل هي دولة الشعب اليهودي"، بل نص على أنها "وطن الشعب اليهودي"، وجعل اللغة العبرية اللغة الرسمية الوحيدة في البلاد، وجعل العرب مجرد أقلية، ومن ثم يفرض على عرب فلسطين حتمية القبول بأحد الخيارين: إما الرحيل من الدولة إلى خارجها، وإما بالقبول بالدونية وأن يتحولوا إلى مجرد أقلية ليس من حقها المطالبة بالمواطنة والحقوق المتساوية، مما يرسخ للأكذوبة الكبرى التي روجها الصهاينة عبر قرن من الزمان؛ من أن فلسطين هي أرض الشعب اليهودي فقط، وأنها أرض الميعاد، وهي عطاء من الرب لا يمكن التفريط فيه. ويعني أيضا أن الوجود الفلسطيني على هذه الأرض كان وجوداً احتلالياً، وأن حرب عام 1948 كانت حربا للتحرير من المحتل الفلسطيني، وأن الأرض التي يقومون بالاستيطان فيها من القدس للضفة ليست احتلالاً، بل هو توسع في الوطن الإسرائيلي، لذلك نص القانون على أن "الدولة تعتبر تنمية الاستيطان اليهودي قيمة قومية، وستعمل على تشجيع ودعم تأسيسه، وأن الهجرة التي تؤدي للمواطنة المباشرة هي لليهود فقط".

وأيدها نتنياهو في كلمته من الكنيست قائلاً: "إن هذه لحظة موئسة في تاريخ الصهيونية وتاريخ دولة إسرائيل، فبعد 122 عاماً من نشر هيرتزل (مؤسس المشروع الصهيوني) حلمه، ثبتنا بقانون المبدأ الأساسي لوجودنا. إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي. أنا أكرر هذه دولتنا، دولة اليهود".

وهذا يعنى الإنهاء الكامل "لحق العودة"، لهذا سارعت الولايات المتحدة بالترحيب والتأييد لهذا القانون العنصري البغيض. وكان قد سبق لها الاعتراف بالمستوطنات الصهيونية التي أقيمت في الضفة الغربية التي تضم حوالي 650 ألف يهودي، والمخطط يعمل لرفع العدد إلى مليون ونصف يهودي عبر إقامة مستعمرات جديدة، ودعت بعض الدول للاعتراف بها..

كل هذه الخطوات التي تتخذ سواء في أمريكا بدءً من الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل أو في الكيان الصهيوني من قانون الدولة اليهودية ما هي إلا خطوات في طريق تنفيذ صفقة القرن التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، ولكن ليس معنى البدء في طريق أن يستطيع الاستمرار فيه والوصول لنهايته، فالطريق فيه ثغرات ومرتفعات ومنحدرات ومليء بالأشواك، ولا يزال هناك نبض في الأمة يرفض التنازل عن أرض فلسطين التاريخية ومقاومة في غزة لا ترضخ ولا تساوم على أرض فلسطين، لا يزال في الأمة أبطال يردون على هذه الصفقة بصفعة على وجوههم..