صحافة دولية

أتلانتك: كيف أصبح المتعهدون الأمنيون أداة لتحقيق سياسة بوتين؟

أتلانتك: طبيعة العلاقة بين "واغنر" والكرملين لا تزال غير واضحة- جيتي

نشرت مجلة "ذا أتلانتك" تقريرا أعده نيل هاور، يقول فيه إن شركة التعهدات الأمنية "واغنر" المرتبطة بالدوائر الحاكمة، بدأت جهودها للتمدد في أفريقيا، بعد إرسالها المتطوعين الروس إلى سوريا

ويبدأ هاور تقريره بالإشارة إلى مهنة الصحافة غير الآمنة في روسيا، قائلا إنها ليست المهمة السهلة، ولن تكون كذلك عندما يتعلق الأمر بالتحقيق بما تقوم به شركة مرتزقة متورطة في عدد من النزاعات.

ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن ثلاثة من الصحافيين الروس قتلوا في 30 تموز/ يوليو في جمهورية أفريقيا الوسطى، وهم يحققون في موضوع خطير: الجيش الروسي الخاص التابع لشركة "واغنر"، وهي شركة تعهدات أمنية ناشطة في النزاعين السوري والأوكراني، لافتا إلى أن صحافيين روسيين آخرين عانيا وهما يحققان في الموضوع ذاته، وهما ماكسيم بوردين، الذي سقط فجأة من شرفة شقته في يكترينبرغ في نيسان/ أبريل، والصحافي من سانت بطرسبرغ دينيس كورتوكوف، الذي أجبر على التخفي بعدما تلقى تهديدات بالقتل لعمله في البحث عن نشاطات "واغنر".

وتؤكد المجلة أنه لا توجد هناك إشارات عن وجود متعهدي الشركة مع قوات الحكومة والمتمردين في جمهورية أفريقيا الوسطى، لافتة إلى أن لقطات فيديو التقطها الصحافيون القتلى أظهرت وحدة من المسلحين التابعين للشركة وهم يعملون في مناطق المتمردين، خلافا لتأكيد موسكو أن الوحدة موجودة لمساعدة قوات الحكومة.

ويقول الكاتب إنه في الوقت الذي تحاول فيه "واغنر" قتل التقارير عن نشاطاتها، إلا أن المعلومات المتوفرة تشير إلى أن الشركة تؤدي وبشكل متزايد دورا مهما لموسكو، سواء في الداخل أو الخارج، منوها إلى أن هذه الاستراتيجية العسكرية سمحت لروسيا بتحقيق نجاحات ودون خسائر لقواتها على الأرض، فجنود الحظ أو المرتزقة المدربون الماهرون، الذين يأخذون أوامرهم من النخبة الأوليغارشية، وليس من الكرملين، يؤدون دورا مركزيا لا يمكن لأحد التكهن به في تشكيل السياسة الخارجية الروسية. 

ويلفت التقرير إلى أن طبيعة العلاقة بين "واغنر" والكرملين لا تزال غير واضحة، إلا أنها خلقت صداعا للسلطات الروسية، حيث تعود جذورها إلى عام 2013، وكان أصلها شركة اسمها "سلافونيك كوربس"، التي شاركت في عملية كارثية بناء على طلب رجل أعمال دمشقي، مستدركا بأن أحد قادتها، الذي كان عقيدا في الاستخبارات العسكرية الروسية، واسمه ديمتري أوتكين، برز عام 2014 في شرق أوكرانيا وهو يقاتل مع الانفصاليين، وعلى رأس وحدة تابعة للاستخبارات العسكرية الروسية، اسمها "بي أم سي واغنر"، التي أدت دورا كبيرا في المعارك، وعملت إلى جانب القوات الروسية والجماعات الوكيلة لها في العام الذي تلاه.

وتذكر المجلة أنه بعدما أثبتت "واغنر" جدارتها في دونستيك، فإنها شاركت في سوريا، بعد تدخل الروس في الحرب هناك نهاية أيلول/ سبتمبر 2105، وأدت دورا مهما في استعادة السيطرة على تدمر ومدينة دير الزور.

وينوه هاور إلى أن "واغنر" تعد فرعا غير رسمي للجيش السوري، حيث يتم نقل مقاتليها على متن المقاتلات الروسية، ويقاتلون إلى جانب القوات النظامية الروسية، ويمنحون الميداليات العسكرية التي يوقعها شخصيا الرئيس فلاديمير بوتين، مشيرا إلى أن مرتزقة "واغنر"، الذين يحظون بالغطاء الجوي الروسي، كانوا أداة مهمة في استعادة نظام بشار الأسد الكثير من مناطق البلاد، وقادوا عمليات ضد تنظيم الدولة.

ويستدرك التقرير بأنه رغم ما يوجد لـ"واغنر" من تاريخ في أوكرانيا، وبدرجة أقل في سوريا، إلا أن مركز عملها الأن في وسط أفريقيا يعد جديدا، وأعلن الكرملين في آذار/ مارس 2018 عن وصول 170 مستشارا مدنيا إلى جمهورية أفريقيا الوسطى، وجاء هذا بعد اتفاق بين روسيا والسودان للتعاون الأمني، فيما ظهر 500 ممن يعتقد أنهم عناصر تابعون لـ"واغنر" في نهاية تموز/ يوليو على الحدود السودانية مع جمهورية أفريقيا الوسطى، منوها إلى أن هناك شائعات حول وجودهم الحالي أو في المستقبل في ليبيا، حيث قال أحد قادة الشركة في آذار/ مارس إن مرتزقة الشركة سيذهبون إلى هناك قريبا.

وتقول المجلة إن هذه التقارير يبدو أنها مؤكدة من صحافي روسي تظاهر بأنه أحد العاملين فيها، عندما حاول الحصول على المعلومات من قاعدة الشركة في جنوب روسيا، وقيل له إن "نصف رجالنا يحضرون أنفسهم للذهاب إلى أفريقيا". 

ويعلق الكاتب قائلا إن "دول الساحل والصحراء لا تمثل مقصدا مثيرا للرغبة، لكن المحفزات المالية الكبيرة تثير رغبة من لا يريد الذهاب إلى هناك، وفي الوقت الذي انخفض فيه راتب الموظف العادي في الشركة إلى الثلث من 240 ألف روبل، أي ما يقابل 3550 دولارا، إلا أن الراتب الحالي 160 ألف روبل يظل أكبر من الراتب العادي، وأكدت عائلات المرتزقة القتلى، الذين جاء معظمهم من منطقة أورال الفقيرة، أن الدافع المالي هو وراء الانضمام للشركة". 

ويجد التقرير أنه "عادة ما يكون للدوافع الأيديولوجية دور مهم في التجنيد لـ(واغنر)، فقد أصبح المجتمع الروسي أكثر عسكرة، حيث قامت الحكومة بمبادرات شبابية وعمليات تثقيف عقائدية، وتشجع موسكو المليشيات القومية، التي تقام تحت غطاء (التعبئة الوطنية)، ولأن (واغنر)، تعد بالمغامرات الأجنبية، فهي في موقع جيد للاستفادة من هذه المبادرات، وقال أحد قادتها: (حتى لو كنت بعيدا 10 آلاف كيلومتر عن الوطن فإنك تظل تقاتل من أجله)". 

وتقول المجلة إنه "يمكن لـ(واغنر) أداء دور في روسيا، خاصة في جمهورية الشيشان في منطقة شمال القوقاز، وهي عبارة دولة داخل دولة بعد عودة القوات الروسية لها في بداية القرن الحالي، ويقودها رمضان قاديروف بسلطة مطلقة باركها الكرملين، وبالنسبة لـ(واغنر) فالشيشان ممنوعون من التنظيم بحسب أحد القادة، إلا أن مرتزقة (واغنر) قاتلوا إلى جانب الشيشان، ورغم التزام قاديروف بأنه جندي في جيش بوتين، إلا انه اتخذ في السنوات الأخيرة قرارات تحدى فيها وبشكل مباشر سياسة الكرملين".

 

ويشير هاور إلى أن "هناك تكهنات بأن هناك حربا ثالثة في الشيشان قادمة وماذا سيحدث عندما تنتهي ولاية بوتين في عام 2024، وفي هذه الحالة قد تظهر نزاعات جديدة وليس في الشيشان، وإذا انقلب قاديروف على أسياده، فقد تبحث موسكو عن (واغنر)، وربما قد تكون الحل الأمثل لمشكلة الشيشان".

ويفيد التقرير بأن شركة "واغنر" تمنح بوتين غطاء سياسيا، ففي العام الماضي اعتقل تنظيم الدولة مقاتلين من الشركة، وعرضهما أمام الكاميرا، فلو كانا مثلا جنديين في الجيش النظامي لكانت هناك صيحات شجب ودعوات لسحب القوات من سوريا، وتم تجاهلهما، حيث قال الكرملين إنهما متطوعان على الأغلب. 

وتستدرك المجلة بأن بقاء "واغنر" خارج المؤسسة الروسية يعد مشكلة، فلا تزال الشركة تابعة لأهواء يفجيني بروغجين، وقامت مجموعة من مرتزقة الشركة في شباط/ فبراير بمهاجمة المقاتلين الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة في شمال شرق سوريا، وقتل المئات منهم في معركة استمرت ساعات، استدعت فيها القوات الأمريكية الخاصة الطيران، وكانت النتيجة كارثة علاقات عامة للكرملين، الذي كافح لتفسير طبيعة العلاقة مع "واغنر"، وغطى على عدد القتلى. 

ويذهب الكاتب إلى أن طبيعة العملية تشير إلى أن الكرملين كان على علم مسبق بها، مستدركا بأن وضع الشركة يعتمد على العلاقة الشخصية المتقلبة بين بروغجين وبوتين وبقية المسؤولين في الكرملين. 

 

وبحسب التقرير، فإن جدالا بين بروغجين ووزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في منتصف عام 2016 كان وراء تقليل الدعم والغطاء الجوي لمرتزقة الشركة في سوريا، لافتا إلى أن وجود "واغنر" هو من أجل فحص ما يمكن لموسكو تحقيقه في مناخ جديد. 

وترى المجلة أن المغامرة الأفريقية تعبير واضح عن هذه الاستراتيجية، التي تسمح لروسيا بالدخول في مناخ أجنبي معاد دون أن تعرض نفسها للخطر، وتقوم في الوقت ذاته بالبحث عن فرص سياسية واقتصادية فيه. 

ويعلق هاور قائلا: "يبدو أن (واغنر) تقوم بهذا الأمر وعلى المستويات العليا، حيث تعمل كحراسة خاصة للرئيسة فوستين أرجينج تواديرا، وأدى سحب القوات الأمريكية من أفريقيا، والشك الواسع من فرنسا، الدولة التي استعمرت البلد سابقا، إلى جعل جمهورية أفريقيا الوسطى (بلدا مفتوحا لمن يريده)، وقضت روسيا العقد الماضي وهي تحاول إعادة تأكيد نفسها دوليا، من خلال عمليات تدخل في الشرق الأوسط، ومن هنا فإن أفريقيا تعد الخطوة الطبيعية المقبلة في سياستها الخارجية، بالإضافة إلى أن مصادر الذهب والماس، التي تعد بفرص ثرية، تدفع السياسة الروسية نحو البلد، وهي مربحة لشركة (واغنر)". 

ويستدرك التقرير بأنه رغم النكسات التي تعرضت لها الشركة، إلا أن العام الماضي كان جيدا لها، وبدا هذا من الاهتمام على وسائل التواصل الاجتماعي، وإظهار بعض المشاركين رغبتهم في الانضمام لها. 

وتختم "ذا أتلانتك" تقريرها بالقول إن "هناك إشارات إلى شركة جديدة تحاول استنساخ نجاح (واغنر)، حيث ظهرت باسم (باتريوت)، وهي مرتبطة بمسؤولين في وزارة الدفاع، وتقدم رواتب أفضل من (واغنر)، ويمكن للمتعهد العامل فيها الحصول على مليون روبل في الشهر، وهو مبلغ خيالي لمن يعيش خارج النخبة، ومن غير المعلوم ما هو الدور الذي ستؤديه (واغنر) أو (باتريوت) أو أي شركة أخرى في أفريقيا وسوريا وأي مكان آخر، والمؤكد أن شركات التعهدات الأمنية الخاصة هي أداة في السياسة الداخلية والخارجية الروسية، وهي هنا لتبقى".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط هنا